انبرت السلطات الألمانية للإعلان عن خطة حكومية في محاولة لاحتواء الركود الاقتصادي المستحكم بالبلاد، لا سيما بعدما أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الوطني، يوم الجمعة الماضي، أنّ الاقتصاد الألماني شهد ركوداً في الربع الثاني مقارنة بالربع السابق من العام، بعد تعرضه لكساد في الشتاء، علماً أنّ الركود عادةً ما يُعرّف على أنه انكماش على مدى ربعين متتاليين.
ويأتي النمو الصفري خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في يوليو/ تموز المنصرم، متماشياً مع أول تقديرات نُشرت في أواخر الشهر نفسه، علماً أن الناتج المحلي الإجمالي المعدل انكمش 0.2% على أساس سنوي في الربع الثاني، بعدما تراجع النشاط الاقتصادي 0.4% على أساس فصلي في الربع الأخير من العام 2022، وبنسبة 0.1% في الربع الأول من 2023.
على صعيد الخطة الحكومية، أفادت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية، أمس الأربعاء، بأنّ الائتلاف الحاكم ناقش خلال محادثات مغلقة، على مدى يومين في قصر ميسبرغ بالقرب من برلين، التحضيرات للنصف الثاني من ولاية الحكومة الاتحادية، وتوصل إلى اتفاق يقضي باعتماد إجراءات لتخفيف الأعباء الضريبية على الاقتصاد وبحد أكبر مما كان مخططاً له سابقاً، وبالتالي توفير قوة دافعة لمزيد من النمو من خلال الاستثمارات وفرص التنمية في ظل ركود أكبر اقتصاد في أوروبا.
وحملت القرارات الحكومية العديد من الإعفاءات للشركات الصغيرة والمتوسطة، بما في ذلك علاوة الاستثمار لتشجيع تحوّل الاقتصاد في اتجاه المزيد من حماية المناخ على وجه الخصوص.
وكانت النقطة الرئيسية في الخطة تعزيز فرص النمو المخطط لها والتي تتضمن 50 إعفاء ضريبياً لحماية الشركات في ظل الانكماش الموجود، إلى رفع حجم الدعم السنوي إلى 7.035 مليارات يورو اعتباراً من العام 2024، وما يزيد عن 32 مليار يورو خلال السنوات المقبلة، بما يسمح بتوسيع التعويض الضريبي للخسائر بشكل طفيف مرة أخرى.
وفقاً لورقة الخطة، فإنّ التباطؤ الاقتصادي الحالي لا ينبغي أن يؤدي إلى إعاقة الاستثمارات طويلة الأجل من قبل الشركات.
وفي السياق، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، أنّ الحكومة الاتحادية تريد "شنّ هجوم" لتحفيز النمو، بحيث يُصار إلى اعتماد إعفاءات ضريبية لضمان تنفيذ الاستثمارات الآن وعدم تأجيلها.
وقدّم شولتز مع وزير الاقتصاد روبرت هابيك، ووزير المالية كريستيان ليندنر، ورقة من أبرز بنودها الحد من البيروقراطية، والاستثمار في حماية المناخ، وتوفير المزيد من العمالة الماهرة من الخارج، وتسريع عمليات التخطيط، وتسهيل تراخيص البناء لخفض تكاليف الإسكان مع ارتفاع الأسعار بسبب نقص المعروض، وكذلك تسهيل دخول الشركات الناشئة إلى أسواق رأس المال والمزيد من الرقمنة.
وكان الوزير هابيك قد قال، أمس الأربعاء، خلال مؤتمر لتقديم ورقة الخطة، إنّ "الوضع الاقتصادي والسياسي صعب للغاية، والحكومة تأخذ على محمل الجد حقيقة أنّ ألمانيا تنمو بشكل أقلّ ديناميكية من غيرها، ولكن في نفس الوقت نعرف جوهر هذا البلد، ولدينا هيكل اقتصادي قوي للشركات والصناعة متوسطة الحجم، ولهذا السبب هناك إمكانات هائلة لإحداث تحوّل في بلادنا، وهو ما نريد دعمه من خلال تدابير مختلفة".
تأتي هذه الخطة فيما لا يزال التضخم المرتفع في ألمانيا يؤثر على معنويات المستهلكين. ففي نهاية يوليو الماضي، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي الألماني، وبناء على ذلك سينكمش الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، بنسبة تصل إلى 0.3%.
لكن الخطة الحكومية لقيت انتقاداً من بعض الاقتصاديين باعتبارها "غير كافية"، خاصة بعدما نقلت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية عن الوزير ليندنر قوله إنه "ليس من الحكمة توفير المزيد من الأموال"، مضيفاً أنّ برامج التحفيز الاقتصادي الممولة بالدين من شأنها أن تتسبب في ارتفاع الأسعار.
وبحسب ليندنر، فإنّ "المال ليس الحل الوحيد، وفي بعض الأحيان لا يمكن حلّ مشاكلنا بالمال، لأن الإجراءات طويلة جداً وبيروقراطية، ولأننا نفتقر إلى العمال المهرة"، مشيراً إلى أنه لا يزال هناك أيضاً عجز كبير في البنية التحتية لا يمكن تداركه بين ليلة وضحاها.