حولت الحرائق التي تعيشها الجزائر في الأيام الأخيرة، حياة الفلاحين إلى كابوس حقيقي، بعدما أضحت محاصيلهم من مختلف الخضر والفواكه رماداً أمام أعينهم، على وقع سلسلة من الحرائق أتلفت الآلاف من الهكتارات من الأراضي الزراعية.
وسجل كثير من المحافظات الساحلية، على غرار "تيزي وزو"، و"بجاية" و"البويرة"، بالإضافة إلى محافظة "الطارف" و"المدية" العشرات من الحرائق.
يقول أمقران آيت بلقاسم، وهو مزارع من ولاية "تيزي وزو" (110 كم شرق العاصمة)، المشهورة بمحاصيل الزيتون، لـ"العربي الجديد": "رأيت تعب عقود من الزمن كاملة يحترق أمام عيني في دقائق. لحسن حظي جنيت محاصيل نصف المساحة المزروعة من الزيتون وحتى العنب المقدرة بـ40 هكتارا وإلا كانت الكارثة أكبر".
وأضاف المزارع الجزائري: "حتى الحيوانات وماكينات الحصاد والحرث احترقت، بالكاد استفقنا من حرائق سنة 2020، ها هو الكابوس يتكرر مرة ثانية".
والأمر نفسه يعاني منه المزارع أحمد بلعموري الذي التهمت ألسنة النيران مزرعته ومحاصيله وحوّلتها إلى رماد، حسب حديثه لـ"العربي الجديد".
وسجلت الجزائر منذ التاسع من شهر آب/أغسطس الحالي، المئات من الحرائق، في موجة غير مسبوقة، أدت إلى وفاة عشرات الأشخاص، منهم 28 من العسكريين المشاركين في عمليات الإطفاء وإنقاذ السكان.
وحسب حصيلة للحماية المدنية الجزائرية فقد سُجل أكثر من مائتي حريق في الفترة الممتدة من 9 آب/أغسطس الحالي إلى 11 من نفس الشهر، موزعة على 16 ولاية، منها 116 حريقا بولاية تيزي وزو لوحدها، و30 حريقا بولاية بجاية المتاخمة لها، و20 بولاية جيجل القريبة من ولاية بجاية شرق الجزائر.
ودفع هول الحرائق وحجم الخسائر البشرية والمادية التي خلفتها، بالجزائر إلى استئجار طائرات مخصصة لإخماد الحرائق، من الاتحاد الأوروبي، فيما فتح القضاء الجزائري تحقيقات حول الحرائق، أدت إلى توقيف 9 مشتبه فيهم حتى الآن، حسب ما علمته "العربي الجديد".
وحسب تصريح لرئيس مديرية الغابات الجزائرية، علي محمودي، لـ "العربي الجديد"، فإن "الصور الأولية للأقمار الصناعية، تكشف عن إتلاف الحرائق لأكثر من 15 ألف هكتار من الأراضي والغابات، منها 10 آلاف هكتار في ولاية تيزي وزو فقط، هذا العدد قابل للارتفاع في ظل تواصل الحرائق".
وأضاف نفس المتحدث أن "مصالح الضبطية القضائية التابعة لمديرية الغابات وخلال التحقيقات الأولية، كشفت عن وجود أدلة تؤكد فرضية العمل المدبر للحرائق، وهو عمل يُعاقب عليه قانون العقوبات حتى الإعدام في حالات مماثلة".
في منطقة القبائل، شرق العاصمة، يروي المزارع مقران تيجاني، لـ"العربي الجديد"، كيف عاش ليلة رعب حقيقية إثر التهام النار لأشجار الزيتون قائلا: "45 دقيقة كانت كافية لإتلاف قرابة 30 سنة من التعب، في غرس 450 شجرة زيتون".
وأضاف تيجاني: "خسرت كل شيء بعدما تحوّلت الأشجار إلى رمادٍ، حتى الأشجار التي غرستها بعد حرائق 2018، احترقت مجددا".
وطالب الحكومة بضرورة تعويض الخسائر المقدرة بحوالي 2500 دولار عن الشجرة الواحدة.
ولا يقوم المزارعون بتأمين محاصيلهم بسبب ضعف التعويضات، إذ تُشير إحصاءات وزارة الزراعة إلى أن ما يقارب 10 بالمائة فقط من المزارعين البالغ عددهم أكثر من 900 ألف، يقومون بتأمين محاصيلهم لدى شركات التأمين الحكومية والخاصة.
وفي هذا الإطار، يتوقع الخبير الزراعي، محمد لمين عزيز، أن تتعدّى الخسائر في قطاع الزراعة أكثر من 80 مليون دولار، مرجّحا أن تطول فترة التحقيقات، الأمر الذي يُعيق تقديم التعويضات بشكل سريع.
ولفت عزيز إلى أن التعويضات ستُصرف من خلال صندوق الكوارث الطبيعية بالنسبة لغير المؤمّنين، مشيراً إلى وجود كثير من الإشكاليات الخاصة بصرف التعويضات، منها غياب الأموال اللازمة في الوزارة، وهو ما يتطلّب ضرورةَ تدخل الحكومة.
من جانبه، أكد رئيس الاتحاد العام للمزارعين الجزائريين محمد عليوي، لـ"العربي الجديد"، أن "عملية التعويض تنطلق بعد إخماد جميع الحرائق، وتنقسم على عدة مراحل، أولاها جرد الخسائر، ثم تحديد حجم التعويض، والطعن من طرف المزارع، وأخيراً صرف التعويضات".
وتوجه الحكومة الجزائرية اهتماما كبيرا للقطاع الزراعي الذي يوفر فرص عمل كثيفة، كما يعد أحد مصادر الدخل المهمة. وحسب بيان أصدرته الحكومة، الأسبوع الماضي، فقد تم "إطلاق تدابير استعجالية من أجل إنعاش النشاط الزراعي بهدف ترقية الاستثمارات وتقليص فاتورة استيراد المواد ذات الاستهلاك الواسع".
وذكر بيان الحكومة أنها "تعمل على استرجاع الأراضي غير المستغلة من أجل ضمان الاستغلال الأمثل للعقارات الزراعية، والمضي قدما في تطوير المحاصيل الصناعية وتحسين أنظمة دعم الحبوب والحليب بشكل أمثل".