خارطة التهريب عند الحدود العراقية السورية: بوابة مفتوحة للفساد

29 أكتوبر 2022
عند الحدود العراقية السورية (فرانس برس)
+ الخط -

تزايدت عمليات التهريب عبر الحدود العراقية السورية على الرغم من إعلان الحكومة العراقية، في أكثر من مناسبة، سيطرتها على الحدود بالكامل، فيما يرى الخبراء أن هذه الحدود غير مسيطر عليها وتعتبر من المناطق الهشة أمنياً، مخلفةً آثاراً اقتصادية وأمنية على البلدين.

وتمتد الحدود العراقية السورية على مسافة تقدر بـ610 كيلومترات، وتحاذي أكبر محافظتين عراقيتين، هما محافظة الأنبار بحدود 325 كيلومتراً، ومحافظة نينوى بحدود 285 كيلومتراً، فيما تضمّ ثلاثة منافذ حدوديّة رسميّة، وهي ربيعة والقائم والوليد.

ويقول مسؤول عراقي في وزارة الداخلية إن شبكات المهربين تستخدم طرقاً عديدة لإدامة عمليات التهريب من العراق إلى سورية، ما كلف الدولة العراقية هذا العام ما لا يقل عن 200 مليار دينار عراقي (130 مليون دولار)، كإجمالي مواد مهربة إلى سورية، وجهد جرى إنفاقه لملاحقة المهربين وتأمين الحدود، مثل نصب أبراج المراقبة والكاميرات والثكنات الجديدة لقوات الأمن.

ويضيف المسؤول ذاته، لـ"العربي الجديد"، أن آثار التهريب على العراق اقتصادية واجتماعية، وزادت خلال العام الماضي والحالي أكثر، إذ يجرى تهريب الأدوية المدعومة من الحكومة، والمواد الكهربائية وقطع غيار السيارات، وحتى محركات السيارات المستعملة، وهذا ما زاد السرقة أيضا داخل العراق، إلى جانب تهريب البنزين والغاز ومواد أخرى مختلفة.

في المقابل، تُهرّب مواد مختلفة من داخل سورية إلى العراق، أبرزها المخدرات، إلى جانب بضائع أخرى أبرزها الملابس وخاصة الرياضية منها، وضُبطت مؤخراً شاحنات كبيرة محملة بمواد مختلفة هُرّبت بدعم من أحد الفصائل عبر معبر غير شرعي لتجنب دفع الرسوم الجمركية.

الجهات المستفيدة

ويكشف المسؤول عن أن "المتورطين في التهريب هم أفراد فصائل مسلحة تنتشر عند الشريط الحدودي بين العراق وسورية، إلى جانب الفساد الموجود داخل قوات النظام وكذلك مسلحي قسد".

من جانب آخر، يقول الخبير في الشأن الأمني العراقي، العقيد الركن حاتم الفلاحي، إن هناك الكثير من الجهات المستفيدة من الوضع القائم على الحدود العراقية السورية، ولن تسمح هذه الجهات، المتمثلة بعدد من الفصائل الحليفة لإيران والمدعومة من النظام السوري، باستقرار الأوضاع والسيطرة الأمنية على هذه المناطق.

ويضيف الفلاحي، لـ"العربي الجديد"، أن هناك أجندات تدفع هذه المليشيات للسيطرة على الحدود لأغراض التمويل ونقل الأسلحة من إيران، مروراً بالعراق و سورية، إلى لبنان، فضلاً عن عمليات التمويل والدعم اللوجستي بين العراق وسورية".

ويوضح أن المواد التي تُهرّب تتمثل بالمخدرات والنفط والأسلحة، بالإضافة إلى المواشي والمواد الغذائية، ما يجعل الشريط الحدودي بين العراق وسورية منفذاً برياً سهل الاختراق لعدم تمكن أي قوة أمنية من فرض سيطرتها عليه.

ويبين الفلاحي أن القوات الأمنية العراقية، المتمثلة بقيادة عمليات المنطقة الثانية التابعة لقوات الحدود، فشلت في فرض سيطرتها، على الرغم من توفر كافة الإمكانيات من أسلحة وعتاد وكاميرات مراقبة متطورة وطائرات مسيّرة، فضلاً عن انتشار أبراج المراقبة.

منافذ التهريب

ويؤكد الفلاحي أن المهربين استطاعوا ابتكار منافذ وطرق تهريب جديدة تمكنهم من التسلل والتنقل بكل سهولة، على الرغم من الطبيعة الجغرافية الصعبة في هذه المناطق. ويقول الباحث الاقتصادي، عماد الهيتي، إن عمليات التهريب تنشط على طول الحدود بين سورية والعراق عبر المليشيات والجماعات الخارجة عن القانون في تلك المناطق، وتحديداً في المنافذ الحدودية الرسمية وغير الرسمية.

ويضيف الهيتي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن عمليات التهريب تستنزف بشكل كبير ثروات البلد، وتشكل خطراً قومياً على الأمن الاقتصادي العراقي، بما فيها عمليات التهرّب الجمركي ودخول البضائع منتهية الصلاحية أو المواد الغذائية التالفة عبر المنافذ غير الشرعية.

ويضيف الهيتي أن الحكومة العراقية المركزية لا تتحكم إلى حد كبير في موارد الدولة، إنما تتوزّع على أحزاب وفصائل مسلحة، تتقاسم السلطة والسطوة على المنافذ الحدودية.

وعن أهم المعابر الحدودية غير الشرعية بين العراق وسورية، يشير الهيتي إلى وجود معابر "العكاشات الثلاث" في صحراء الأنبار، والتي تسيطر عليها مليشيات مسلحة من الجانبين العراقي والسوري، فضلاً وجود معبر "الوعر"، وهو معبر خاص تسيطر عليه قوات النظام السوري والمليشيات التابعة له، ومن الجانب العراقي تسيطر عليه جماعة كتائب حزب الله، فيما تسيطر المليشيا ذاتها أيضا على منفذين آخرين، هما منفذ السكك البري الذي يوصل إلى سورية، ومنفذ السنجك عبر النهر إلى الباغوز السورية.

ويلفت إلى أن قوات سورية الديمقراطية الكردية (قسد) تسيطر على معبر "سيمالكا" غير الشرعي، الذي يربط الأراضي السورية، الواقعة في أقصى الشمال الشرقي من محافظة الحسكة، مع أراضي إقليم كردستان العراق، ويعتبر الشريان الأساسي بالنسبة لهذه القوات في نقل وتهريب المعدات العسكرية والمواد الأساسية التي تتعامل بها تجارياً في أسواق المحافظات الشرقية.

ويضيف الهيتي أن معبر "سيمالكا" يعد الممر الوحيد الذي يسلكه المدنيون في الدخول غير الشرعي من سورية إلى العراق وبالعكس، من دون الحصول على إذن عبور رسمي من الجانب السوري أو العراقي.

المساهمون