بات حي المال الثاني في لندن "كناري وورف"، الذي حوّل إحدى أفقر مناطق شرقي العاصمة البريطانية إلى غابة من ناطحات السحاب المصنوعة من الزجاج والخرسانة، يعاني من أزمة مؤجرين.
وحسب تقرير بصحيفة "وول ستريت جورنال" نشر أمس الأربعاء، تعاني المنطقة المصرفية التي تبلغ مساحتها 128 فدانًا من البنايات الفارغة وسط تحول شركات كبرى منها إلى حي المال الرئيسي في لندن.
وفي الشهر الماضي، قالت شركة "سي أن بي سي"، أكبر شركة مالية في المملكة المتحدة، إنها ستغادر مقرها الذي تبلغ مساحته 1.1 مليون قدم مربعة والمعروف باسم برج HSBC، إلى مبنى أصغر في وسط لندن.
وجاءت هذه الخطوة في أعقاب قرار آخر من شركة المحاماة "كليفورد تشانس" بالانتقال إلى وسط لندن وتقليص مساحات المكاتب الرئيسية من قبل مصرفي باركليز وسوسيتيه جنرال وشركات أخرى.
وتُظهر أزمة "كناري وورف" كيف أن التغيرات التي طرأت على سوق العمل عن بُعد قد انعكست بشكل سلبي على أسواق العقارات العالمية.
وعلى الرغم من أن سوق المكاتب في أوروبا صمد بشكل جيد نسبياً، خاصة في فترة ما بعد أزمة حرب أوكرانيا، إلا أن السوق البريطانية باتت تعاني بسبب خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، في ما يُعرف بـ"بريكست"، وهجرة الشركات الكبرى إلى مراكز مالية أخرى، وبالتالي أصبحت هنالك مساحات مكتبية فارغة في حي المال الثاني كناري وورف.
وبلغ معدل العودة إلى المكاتب في لندن 65% في فبراير/ شباط الماضي، وهو رقم أعلى من مدينة نيويورك، التي بلغت نسبة العودة فيها 49%، وباريس 85%، وفقًا لشركة الخدمات العقارية الأميركية.
واجتذبت "كناري وورف" في التسعينيات المستأجرين من الحي المالي التقليدي في لندن، والمعروف باسم مدينة لندن، والذي يقع على بعد عدة أميال غربًا منها. وأصبح الحي نموذجًا عالميًا للتجديد الحضري.
وقام عمدة نيويورك السابق مايكل بلومبيرغ ببناء حي شبيه لـ"كناري وورف" في منطقة "هيدستون يارد" في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وحسب "وول ستريت"، قال المحلل في مركز المدن البريطانية، أنتوني براك: "تفوقت كناري وورف على سيتي في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين لأنها كانت تلبي احتياجات الشركات الأميركية التي أرادت المباني الشاهقة للعمالة عالية المهارة".
وبعد جيل، أصبحت أبراجها بعيدة كل البعد عن كونها جديدة، في حين انطلقت ناطحات السحاب الحديثة الأنيقة في شوارع المدينة الصاخبة وأجزاء أخرى من وسط لندن.
وعلى الرغم من أن الشركة الكندية التي نفذت "كناري وورف" تعرضت للإفلاس، إلا أن الاستثمار نفسه كان ناجحاً، خاصة وأنه استقبل الموجة الاستثمارية الثانية التي نفذتها رئيسة الوزراء البريطانية سابقاً مارغريت تاتشر.
ومن المتوقع أن يستقبل حي المال الرئيسي وسط لندن مجموعة من المؤجرين الجدد بعد انسحاب أكبر المصارف وشركات المحاماة من منطقة كناري وورف. ويرى محللون أن انتقال هذه الشركات من "كناري وورف" سيخفض قيمة العقارات شرقي لندن خلال العام الجاري.