تنهال على مصر هذه الأيام إغراءات مالية ضخمة لمساعدتها على الخروج من أزمتها الاقتصادية الطاحنة، عبر قروض من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وبنك التصدير والاستيراد الأفريقي ومؤسسات دولية واقليمية أخرى، تصل قيمتها إلى 26 مليار دولار.
وتأتي الإغراءات وسط شح خطير في العملة الصعبة أدت إلى تراجع حاد بقيمة الجنيه، وتوقف المساعدات المالية من الدول الداعمة للنظام، أدت إلى تلهف الحكومة على قروض ومبادلات للقروض، لسرعة سداد مستحقات ديون تعتبر الأعلى في تاريخ البلاد بقيمة 29 مليار دولار.
ويعتقد كثيرون في مصر وخارجها أن المقرضين الغربيين يربطون بشكل سري وغير مباشر بين عروض التمويلات الجديدة وشروط تتعلق بالقضية الفلسطينية وبظروف الحرب الحالية على قطاع غزة والإبقاء على إدارة معبر رفح مرتبطة بالقرار الإسرائيلي، مع أن لا كلام رسمياً يشير إلى ذلك من الجانب المقرِض، بينما يشير خبراء إلى ارتباط تلك الأموال بمشروعات إعادة إعمار غزة، وعودة وضع مصر على خريطة المشروعات الكبرى التي كادت تفقدها قبل العدوان الإسرائيلي على القطاع.
صندوق النقد يدرس زيادة قرضه إلى 5 مليارات دولار بدلا من 3 مليارات دولار، لمساعدة الحكومة على مواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها
وأعلن الاتحاد الأوروبي دراسته لتقديم 9 مليارات يورو (9.8 مليارات دولار) تحت غطاء تمكين مصر من مواجهة الآثار السلبية الناجمة عن الحرب في غزة، عبر "استكشاف الخيارات مع الدول الأعضاء، لمساعدة مصر على معالجة عبء ديونها الثقيل"، ومنع الهجرة غيرة النظامية عبر البحر المتوسط إلى أوروبا في أعقاب الحرب.
ويدرس الاتحاد عقد منتدى للاستثمار بمصر، في إبريل/نيسان المقبل لمناقشة توجيه القرض المقترح، في مشروعات الطاقة والزراعة والنقل والرقمنة وإجراءات تعزيز أمن الحدود ومكافحة التهريب، والتحول الأخضر، ومساعدة مصر في الحوصل على المزيد من الحبوب والأسمدة الأوكرانية.
وكشفت مديرة صندوق النقد الدولي كرستالينا جورجييفا في تصريحات أثناء مشاركتها بقمة "أبيك" الاقتصادية بسان فرانسيسكو الأسبوع الماضي، عن دراسة الصندوق بجدية زيادة القرض المتفق عليه مع مصر في ديسمبر/ كانون الأول 2023، إلى 5 مليارات دولار بدلا من 3 مليارات دولار، لمساعدة الحكومة على مواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها مع تصعيد الحرب في غزة.
بررت جورجييفا زيادة القرض بأن "للحرب آثاراً خطيرة على اقتصاد مصر، مع وجود خسائر محتملة في إيرادات السياحة وارتفاع تكلفة الطاقة.
ويتوقع اقتصاديون أن ترتفع قيمة قرض الصندوق ملياري دولار، مقابل تعهد الحكومة بتعويم العملة المحلية وإجراء تراجع جديد في قيمة الجنيه، ووضع سعر صرف مرن للعملة، والتوقف عن دعم الكهرباء والوقود، والإسراع في خطة بيع الأصول العامة.
يدرس بنك التصدير والاستيراد الأفريقي (أفريكسيم بنك) تقديم قروض بقيمة 11 مليار دولار لعدد من الشركات المصرية
كذلك يدرس بنك التصدير والاستيراد الأفريقي (أفريكسيم بنك) تقديم تسهيلات ائتمانية بقيمة 11 مليار دولار لعدد من الشركات المصرية، لإنشاء منطقة حرة خاصة، ودعم التجارة البينية بين دول القارة الأفريقية.
وقال الخبير الاستراتيجي للأسواق الناشئة ببنك سوسيتيه جنرال، جيرجيلي أورموسي، في تصريح لوكالة بلومبيرغ مطلع الأسبوع الجاري إنه "مما يزيد من التوقعات السلبية، أن تتبدد الآمال في أن تحصل مصر بسرعة على أية مساعدة مالية ذات معنى تتعلق بدورها في دعم الفلسطينيين الفارين من القصف الإسرائيلي لقطاع غزة".
ووعد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في تصريح رسمي مطلع الأسبوع، بحل قريب لأزمة نقص العملات الأجنبية، دون تحديد لسبل الحل.
تبحث الحكومة بنهم عن الاقتراض من الدول ومؤسسات التمويل، في أنحاء العالم، متناسية حجم الديون الهائل التي حصلت عليها وفاقت 120 مليار دولار خلال 10 سنوات.
يقدر البنك المركزي حجم الدين الخارجي بنحو 165.4 مليار دولار، بنهاية الربع الأول من العام الحالي، بزيادة 1.5% عن نفس الفترة من 2022.
ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن الحرب الإسرائيلية في غزة، غيرت كثيرا من الخطط الدولية التي كانت تحاك في مصر والمنطقة، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي يبحث خطط ما بعد الحرب، وقد يبدو أن تلك الاستثمارات مرهونة بخطط إعادة إعمار غزة، لتمويل صناعات ومشروعات تشارك في عمليات الإعمار، وستظل رهينة لما سيحدث خلال الفترة المقبلة.
وتابع عبد المطلب أن العالم يتحدث عن حالة ما بعد الحرب، مع ذلك سيبقى التمويل من الاتحاد الأوروبي دليلا على إعادة التفكير في دور مصر الذي اتفق عليه الأوروبيون وإسرائيل والذي أعلن عنه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في اجتماع مجموعة العشرين بنيودلهي الشهر الماضي، وإنشاء مسار بحري وبري يربط بين الهند وأوروبا عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل ليصل إلى إيطاليا.
يذكر الخبير الاقتصادي بأن تصريحات مسؤولي الاتحاد الأوروبي، لا تخرج عن كونها دراسات، وأعمالاً تحت الفحص، بما يحقق مصالحهم في إنشاء المسار الأخضر الذي يخدم مصالحهم، بينما يظل رهينة التنفيذ في حالة حصول مصر على شهادة صلاحية اقتصادية من صندوق النقد، تمكنها من الحصول على قروض جديدة.
كما أكد عبد المطلب أن تعهد صندوق النقد الدولي بتقديم المزيد من القروض، سيمنح البنك الدولي والاتحاد الأوروبي ومؤسسات التمويل الأخرى ضوءاً أخضر لتنفيذ تلك التعهدات غير المؤكدة، لتقديم التمويلات المقترحة، مع انفراجة في عودة الصندوق لضخ قروضه الجديدة، بعد أن تجمدت شرايين الاقتصاد الذي يعاني من شح خطير في العملة الصعبة.
وشدد الخبير الاقتصادي على أن الحكومة ستظل رهينة الالتزام بتعليمات الصندوق وتطبيق سياسة سعر الصرف المرن، وإدراج الشركات العامة في البورصة، واستكمال المراجعة ربع السنوية لاتفاق الإصلاح الاقتصادي التي لن تكون سهلة أو ميسورة خلال الأشهر المقبلة.
وتعهدت الحكومة المصرية بممارسة إجراءات تقشف في الميزانية الحالية 2023-2024.
كذلك رفضت الحكومة الاستجابة لمطالب نواب يرون في كثرة الاعتماد على القروض تهديدا للاستقرار الاجتماعي، وتجاهلا لأولويات صرف المال العام، حيث تراجعت قيمة المخصصات الموجهة للتعليم والصحة والبحث العلمي، بما يخالف النصوص الدستورية، ويدفع إلى زيادة تسرب التلاميذ من المدارس وتدهور أحوال المعيشة.
ويعتبر رئيس لجنة الخطة والموازنة في البرلمان والمستشار الاقتصادي لمؤسسة الرئاسة، فخري الفقي، في تصريحات صحافية، أن موافقة الجهات الدولية على إقراض الحكومة يدل على ثقة تلك الجهات في الاقتصاد المصري، رغم انخفاض التصنيف الائتماني للبلاد، من قبل أكبر مؤسسات التمويل الدولية.
ويعتمد وزير المالية محمد معيط سياسة اقتراض تحلّ قروضاً جديدة متوسطة وطويلة الأجل، محل أخرى قديمة قصيرة الأجل، ذات تكلفة أعلى وغير قابلة للتأجيل، للاستفادة من فروق التكلفة والوقت لتدبير السداد.
ويتراجع سعر الجنيه الثابت منذ مارس/ آذار الماضي في مواجهة العملات الصعبة رسميا، ليهوي في السوق الموازية مقابل الدولار إلى 51.5 جنيها، في حين يبلغ رسميا نحو 30.85 جنيها، بما يزيد الضغط على البنك المركزي، للتوجه نحو تخفيض رابع خلال عامين في قيمة العملة.
وتتوقع مؤسسات التمويل أن تخفض الحكومة قيمة الجنيه المصري عقب الانتخابات الرئاسية، منتصف الشهر المقبل، استحابة لضغوط صندوق النقد الدولي والشركاء الاقليميين.