تتصاعد حدة التصريحات المتبادلة بين جناحي الحكومة الانتقالية في السودان (المدني والعسكري) على خلفية عمل الجيش في الأنشطة الاقتصادية، ليعلن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أن مشاركة الجيش في شركات القطاع الخاص أمر "غير مقبول" وأن مثل هذه الشركات يجب أن تتحول إلى شركات "مساهمة عامة".
وقال حمدوك في مؤتمر صحافي، مساء الاثنين، "كل جيوش العالم بكون لديها علاقة بالاستثمار، لكن الاستثمار المتعلق بميزتهم التفضيلية، مثل الاستثمار في الصناعات الدفاعية، وده (هذا) مهم ومشروع، لكن كون أن المؤسسة العسكرية تستثمر في قطاع الإنتاج وتزيح وتحل محل القطاع الخاص ده أمر غير مقبول".
ويسيطر الجيش السوداني، الذي يحكم مع تحالف مدني خلال فترة انتقالية بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في إبريل / نيسان 2019، على العديد من الشركات في قطاعات الزراعة والتعدين والطاقة.
وأضاف حمدوك، وفق وكالة رويترز "ما ممكن تدير موارد خاصة بالشعب السوداني من غير شفافية ومساءلة، فده أمر ما فيه تنازل". وتحدث في مؤتمر صحافي بشأن شطب السودان من قائمة أميركية للدول الراعية للإرهاب، وهي خطوة تم اتخاذها في وقت سابق، الاثنين، ومن المتوقع أن تؤدي إلى مساعدات مالية واستثمارات أجنبية يحتاجها السودان بشدة.
وجاءت تصريحات رئيس الوزراء السوداني رداً على سؤال حول قانون أقره الكونغرس الأميركي يطالب بالشفافية المالية والسيطرة المدنية على الشركات السودانية المملوكة للدولة كشرط لمساعدة الولايات المتحدة للسودان، والتي قال إنها ستساعد بالتأكيد في التحول الديمقراطي.
وقال حمدوك إن رغبة حكومته هي تحويل الشركات المملوكة للجيش إلى شركات مساهمة عامة يمكن للجمهور الاستثمار فيها، مضيفا : "يصبح السؤال ما هي قدرتنا على تحقيق هذا الأمر؟! فالكلام والقول أسهل من العمل".
ويرفض الجناح العسكري في المقابل رفع قبضته عن الأنشطة الاقتصادية ويصر على تمسّكه بها ووضعها تحت بند "الخطوط الحمراء"، بحجة أن الشركات والمؤسسات العسكرية "قطاع عام". وبالتالي، فإن إدارة هذه الشركات لا تتناقض مع فهم الحكومة وإلحاحها على إعادتها للقطاع العام نفسه، حسب الجناح العسكري.
وقال رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، في لقاء أخير مع ضباط وجنود في المنطقة العسكرية، إن الجيش السوداني حصر 450 شركة حكومية غير تابعة له، فوجد أن ما يعمل منها بصورة رسمية نحو 200 شركة فقط، بينما يتبع الباقي منها لمؤسسات ووزارات من دون أساس، وقد طرحنا هذا الأمر على مجلس الوزراء.
وقال إن شركات الجيش لم تحتكر تصدير السمسم أو المواشي أو الذهب، والفاشلين هم من يريدون تعليق شماعة إخفاقاتهم الاقتصادية على القوات المسلحة.
وأقر مجلس الوزراء السوداني، في جلسة 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أهمية إجراء تقييم أداء موازنة عام 2020 ضمن مشروع موازنة عام 2021، والتأكيد على ولاية وزارة المالية على المال العام، وإشراف وزارة المالية على جميع الشركات الحكومية والمملوكة للقوات النظامية المختلفة.
وانقسم، في المقابل، المحللون الاقتصاديون والأمنيون ما بين مؤيدين ومعارضين لإمكانية تبعية شركات الجيش لوزارة المالية، وهو ما نشرته "العربي الجديد" في تقرير موسع في وقت سابق.
ويأتي احتدام الخلاف حول السيطرة على الشركات بين الجناحين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية، في وقت تشهد فيه البلاد أزمات معيشية حادة، حيث تعصف ارتفاعات حادة للأسعار بموارد ملايين المواطنين، الذين يعانون من تداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد وإلغاء دعم الوقود، ما ينذر بتضخم جامح يصفه خبراء اقتصاد بأنه الأعلى على مستوى العالم.
ويهدد ارتفاع الأسعار عملية الانتقال السياسي بموجب اتفاق اقتسام السلطة بين العسكريين والمدنيين، بينما تعوّل الحكومة الانتقالية على صندوق النقد لإيجاد مسار لإصلاح الاقتصاد المتداعي.
وقفز معدل التضخم خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى 254.34%، مقارنة بأكتوبر/تشرين الأول الذي سجل 229.85%، وفق بيانات صادرة في وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول الجاري عن الجهاز المركزي للإحصاء.
وأظهر رصد لـ"العربي الجديد" تسارع وتيرة ارتفاع التضخم السنوي منذ بداية العام الجاري، حيث بلغ في سبتمبر/ أيلول 212.29%، وفي أغسطس/ آب 166%، وفي يوليو/ تموز 143.7%، وفي يونيو/ حزيران 136.3%.
وسجل التضخم السنوي في مايو/ أيار 114.2%، وإبريل/ نيسان 98.8% مقارنة بـ 81.6% في مارس/ آذار، بينما بلغ في فبراير/ شباط 71.36%، فيما استهل العام بنسبة 64.2% خلال يناير/كانون الثاني، مقارنة بنحو 57% في ديسمبر/ كانون الأول 2019.