يجاهد المصريون للحصول على سيارة جديدة أو مستعملة، وسط ارتفاع جنوني للأسعار التي تضاعفت بنحو 3 إلى 4 أضعاف العام الماضي، حيث امتنع أغلب الموردين عن التعامل مع السوق المصرية، منذ مارس/آذار 2022 في ظل أزمة شح الدولار، لتبقى صالات العرض خالية من الموديلات الحديثة.
وجاءت مبادرة الحكومة نهاية العام الماضي، بفتح باب الاستيراد أمام المصريين العاملين والمقيمين في الخارج، مقابل وديعة تعادل قيمة الضرائب والجمارك المستحقة على السيارة، في حساب خاص باسم وزارة المالية، تسترد بعد 5 سنوات، كومضة ضوء في نهاية نفق مظلم، يسود الأسواق، مع عدم قدرة البنوك على توفير النقد الأجنبي لشراء سيارات ومستلزمات إنتاجها من الخارج.
واعتبر وزير المالية محمد معيط حينها، أن المبادرة تفتح أملا أمام الكادحين بالخارج، لتحقيق حلمهم في ركوب سيارة بسعر مناسب، يغنيهم عن تلاعب الوكلاء الذين أخفوا السيارات التي بحوزتهم من الأسواق، ليرفعوا أسعارها عدة مرات متتالية، فضلا عن وضع الموزعين ما يعرف بـ"الأوفر برايس" والذي يعادل ضعف القيمة، حتى شارف سعر السيارة الشعبية المليون جنيه (40.6 ألف دولار).
اعتبر الوزير أن المبادرة صفقة مربحة لعدة أطراف، فهي وسيلة إنقاذ للحكومة، من العجز الخطير في العملة الصعبة، وتخدم المصريين الراغبين في امتلاك سياراتهم التي يحتفظون بها في أماكن إقامتهم المؤقتة أو يرغبون وأسرهم في العودة بالجديد منها، وتعمل على تهدئة التضخم الكبير في أسعار السيارات، وتساهم في توطين صناعة السيارات محليا، مع توسيع حجم سوق الاستهلاك، وتوفير البنية الصناعية القادرة على تلبية احتياجات المستهلكين.
مرت على بدء تنفيذ المبادرة ما يقرب من شهرين، فإذا بها تلقى نفوراً من المصريين بالخارج، وزادت الأمور تعقيدا مع مزيد من الارتفاع في أسعار السيارات، ليختفي الأمل أمام المستهلكين في ظهور سيارات بصالات العرض قبل منتصف العام الجديد 2023.
قال وزير المالية في بيان متلفز مطلع الشهر الماضي: "نتوقع أن يصل عدد طالبي الاستفادة من المبادرة، ما بين 500 ألف إلى مليون طلب لاستيراد سيارة في نهاية المدة المحددة وفقا للقانون في 14 مارس/آذار المقبل".
يأمل الوزير أن تحقق المبادرة دخلاً للدولة، يتراوح ما بين ملياري إلى 2.5 مليار دولار، تساهم في تخفيف الضغط على طلب المصريين على الدولار، وتساهم في السيطرة على حالة التضخم الذي أصبح قضية كبرى أمام الحكومة.
لكن البيانات الرسمية تشير إلى أن قيمة التحويلات التي تلقتها وزارة المالية من المتقدمين للحصول على تسهيلات المبادرة منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، بلغت بضعة ملايين الدولارات، إذ تلقت وزارة المالية مئات طلبات التحويلات فقط، ما يظهر عزوفاً كبيراً من قبل المصريين في الخارج عن الإقبال على المبادرة الحكومية.
يعزو المصريون في الخارج ضعف الإقبال، إلى الشروط المجحفة التي وضعتها وزارة المالية، التي حرمت المغتربين من استيراد السيارات من الأسواق الأفضل في التسهيلات والأقل سعراً، بغض النظر عن مناطق إقامتهم، ما دفع الحكومة إلى إقرار تيسيرات جديدة منتصف الشهر الماضي، بسبب ضعف الإقبال من جانب المصريين المقيمين في الخارج، الذين يزيد عددهم على 10 ملايين مواطن، لم يسجل منهم سوى 30 ألفاً فقط حتى حينه لطلب استيراد سيارة من الخارج، بعد مرور شهر كامل على فتح باب التسجيل.
يقول حسين مصطفى رئيس رابطة مصنعي السيارات السابق لـ"العربي الجديد" ساخراً إن "المبادرة التي لاقت دعما كبيرا من القيادة السياسية والبرلمان واستجابة لمطالب تاريخية للمصريين بالخارج، قفز عليها أبو المعاطي البيروقراطي الذي أفسد قيمتها بالتشدد العجيب في بنود اللائحة التنفيذية، بما جعل من المستحيل أن يستفيد منها المتعبون في الأرض سعياً وراء أرزاقهم، منهم 4.5 ملايين مصري في دول الخليج و1.6 مليون عامل في الأردن".
ينتقد مصطفى شروط الاستيراد التي حرمت المقيم في الخليج من التسهيلات الممنوحة للمقيمين في أوروبا الذين يستفيدون من إعفاءات جمركية للكثير من الطرازات، معربا في الوقت نفسه عن دهشته من تجاهل حقوق المصريين في الولايات المتحدة، الذين سيتحملون قيمة شحن عالية، ولا يمكنهم استيراد سيارات ذات سعة كبيرة، لا تناسب الدخل ولا البيئة الاقتصادية المصرية.
ويشير إلى أن هذه الشروط حرمت 95% من المصريين في الخارج من الاستفادة من المبادرة، التي انتهت قبل أن تبدأ، مؤكدا أن الحكومة لم تلتق بخبراء الأسواق ولا أهل المهنة، عندما وضعت اللائحة، لذلك نالت غضب الجميع، ولن تأتي بثمارها المرتجاة.
ويرى أن أسعار السيارات ستظل مرتفعة في الأسواق، لأن المبادرة لن تساهم في إدخال العدد الكافي الذي يؤدي إلى تهدئة الطلب، ومع زيادة سعر الدولار المتوالي ونقص المعروض في السوق المحلي، لعدم قدرة الوكلاء على الاستيراد، في ظل استمرار حظر البنك المركزي على استيراد السيارات، وفشل وزير قطاع الأعمال السابق، هشام توفيق، في وعده بإنتاج سيارة مصرية عام 2022، وتراجع التصنيع المحلي لعدم استيراد مستلزمات الإنتاج، سيقل العرض عن الطلب، وترتفع الأسعار باستمرار.
يؤكد أن الأسعار لن تتراجع بسهولة لوجود نقص في إمدادات سلاسل التوريد، أدت إلى انخفاض إنتاج السيارات عالمياً بنسبة 30%، مع ارتفاع تكاليف الشحن والعملة الصعبة، وعدم التزام البنوك بتوفير العملة، في حدها الأدنى المقرر بنحو 500 ألف دولار للموردين إلا لبعض السيارات التي ما زالت محجوزة داخل المنافذ الجمركية منذ مارس/آذار الماضي.
ويقترح أن تبدأ الدولة وضع حصص استيرادية لوكلاء السيارات، بما يوازي نسبة عن نشاط 3 سنوات سابقة، وإزالة العوائق أمام مبادرة العاملين بالخارج، بزيادة العمر الافتراضي للسيارة، أكثر من 3 سنوات مع سنة الصنع، وجلبها من المكان الأقل تكلفة، بدون شرط الإقامة في الدولة، وإلغاء مدة صلاحية الحساب المدفوع منه قيمة الضرائب والجمارك، للسيطرة على القفزات في أسعار السيارات.
في الأثناء، أشار خبراء إلى عودة سباق رفع الأسعار، بين شركات السيارات، بعد تراجع حماس العاملين في الخارج للمشاركة في مبادرة استيراد السيارات، مع توقعهم باستمرار التداعيات السلبية للحرب الروسية في أوكرانيا وتزايد قيمة الدولار مقابل الجنيه.
يقول وائل النحاس الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد" إن السبب الرئيسي لارتفاع أسعار السيارات وكافة السلع الحيوية في مصر يرجع إلى اعتماد التجار والموزعين على "إعادة تسعير الأصول" التي بحوزتهم، وفقا لسعر الدولار المتوقع في المستقبل القريب.
يشير النحاس إلى أن سعر الدولار أصبح متغيراً ومتزايداً، حتى أصبح له 3 أسعار، أحدهما في البنوك، حيث بلغ 24.62 جنيها مقابل الدولار، وسعر مواز لدى المصنعين والتجار بلغ 28.5 جنيها، والثالث لدى تجار الذهب ومروجي الشائعات الذين يستغلون حاجة المواطنين للادخار أو الاستثمار بالدولار أو الذهب، ليباع بأكثر من 30 جنيهاً.
يؤكد أن شح الدولار وارتفاع تكلفة اقتناء العملة، دفعا الجميع إلى "التحوط" في بيع السيارات والسلع، مستغلا عدم وضوح الرؤية وشح النقد الأجنبي، في وضع السعر الذي يراه مناسبا لتوقعاته من عوائد على النشاط التجاري والاستثمار.
ويتوقع أن تظل حالة السوق غير مستقرة، لحين تدخل الدولة لوقف المضاربات على العملة الصعبة والسلع، وبيع أصول تمكنها من توفير 26 مليار دولار قيمة التزاماتها المالية عام 2023، وإعادة تشغيل المصانع المعطلة التي يمكنها توفير سيارات محلية.
ودفع ارتفاع الأسعار إلى تصاعد الدعوات لمقاطعة الوكلاء والمنتجين المحليين، الذين اتهمهم نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي باستغلال الأزمة المالية، لجني أرباح طائلة وبيع سيارات أقل مستوى فنيا عن نظيرتها من نفس النوعية بالأسواق الدولية.
استشهد عمرو حافظ خبير السيارات و"اليوتيوبرز" بقيام شركة صينية بتعديل أوراق دخول صفقة كبيرة من السيارات، لتغيير سنة الصنع، على موديلات منتجة منذ عام 2016، و2017، توقف إنتاجها في بلد المنشأ، لتباع في السوق المصرية على أنها إنتاج 2022.