استمع إلى الملخص
- تواجه الطبقة المتوسطة صعوبة في شراء السيارات بسبب ارتفاع الأسعار وغياب البدائل في النقل العام، مما يزيد الأعباء المالية ويؤدي إلى ركود السوق واستغلال بعض الجهات للوضع.
- تسعى الحكومة لتقليل الاعتماد على الاستيراد بتشجيع التصنيع المحلي لمواجهة الأزمة المالية، مع توقع استمرار التحديات الاقتصادية وارتفاع التضخم، مما يدفع الشركات للبحث عن حلول بديلة.
دفعت قرارات حكومية مصرية، إلى ارتفاع هائل في أسعار السيارات، ومنها تقييد شراء الموزعين ودخول السيارات مع المصريين في الخارج، مع إلزام وكالات السيارات بحصص استيرادية ثابتة" كوتة" توقف تنفيذها حتى نهاية العام.
يتوقع خبراء صعود معدل الزيادة في أسعار السيارات خلال الفترة المقبلة، لوضع البنك المركزي قيوداً على توفير الدولار في البنوك لشراء السيارات باعتبارها سلعة ترفيهية لأجل غير مسمى.
سبّبت الإجراءات نقص السيارات في الأسواق، وزيادة في سعر الواحدة بمتوسط يراوح ما بين 20 ألف إلى 60 ألف جنيه بالفئات المفضلة للطبقة الوسطى المطروحة من جانب وكالات الشركات الأوروبية والآسيوية، التي تصل قيمتها ما بين 850 ألف إلى مليون و200 ألف جنيه.
توقعات باختفاء السيارات الجديدة
يتوقع محللون في سوق السيارات اختفاء سيارات الركوب، لدى الموزعين خلال الفترة المقبلة، جراء توقف بند التسجيل الخاص بسيارات الركوب على منظومة التسجيل المسبق للشحنات الواردة للجمارك ACID التي فرضتها وزارة المالية منذ عام 2020، والقيود المشددة على استيراد السيارات.
يؤكد عضو شعبة السيارات في الغرفة التجارية عبد السلام عبد الجواد، صعود أسعار السيارات خلال شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول المقبلين، متأثرة بتوقف منظومة التسجيل المسبق لاستيراد السيارات، وتراجع الاستيراد، وتعطيل الإفراج الجمركي المؤقت "التربتك" ووقف تسجيل الدخول المسبق للسيارات لصالح المصريين العاملين بالخارج، في اتجاه معاكس لحالة الطلب التي ترتفع عادة خلال هذه الفترة، المرتبطة باحتفالات نهاية العام.
تتضاءل قدرات الطبقة المتوسطة على شراء سيارة شعبية، في ظل غلاء فاحش ومعدلات تضخم متصاعدة، وتراجع بقيمة الدخل، وزيادة في تكلفة المعيشة لا تمكنهم من مواجهة الزيادة في سعر شراء السيارات، مع اختفاء البديل الآمن من وسائل المواصلات الحكومية والعامة، القادرة على نقلهم إلى إعمالهم ومدارسهم وبيوتهم بتكلفة مناسبة، في ظل غلاء المواصلات الخاصة المتأثرة بزيادة متصاعدة في أسعار المحروقات وقطع الغيار والتشغيل.
يذكر المواطن أحمد عبد اللطيف (50 عاماً) أن فرصة حلمه الذي يطارده منذ 4 سنوات، في امتلاك سيارة حديثة انتهت للأبد، بعد أن تضاعفت أسعار الطراز نفسه الذي خصص "تحويشة" (مدخرات) العمر لشرائه، مشيراً لـ "العربي الجديد" إلى أن الزيادة تعلو فوق مستويات التضخم وسعر الدولار، بسبب استغلال التجار حاجة المشترين، وعرقلة الحكومة للاستيراد، مع عدم قدرتها على طرح بديل محلي بعد اختفاء دور شركات القطاع العام، في التصنيع واهتمام الشركات المحلية المحدودة بتجميع طرازات سيئة، وبمواصفات قديمة.
يؤكد عبد اللطيف أن وكلاء السيارات يفرضون على المستهلكين الشراء نقداً، مع شراء شهادة تأمين إجباري، أسوة بالمشتريات التي تجري بالتقسيط عبر البنوك التي تعرض تمويل الشراء بسعر مضاعف للقيمة وبفائدة تصل إلى 32%، بما يضيف أعباء مالية على المستهلكين. استغل بعض المسجلين على قوائم مصلحة الجمارك بنظام ACID عجز واردات السيارات، في بيع رقم السجل للراغبين في شراء سيارة مقابل 200 ألف جنيه (الدولار= 48.5 جنيهاً) للتنازل عن ورقة التسجيل بشراء السيارة.
صعوبة تدبير الدولار
أفصح وكلاء السيارات وتجارها عن صعوبة تدبير العملة من قبل البنوك، في وقت أوقفت فيه الحكومة استيراد كل أنواع السيارات للاستخدام الشخصي والتجاري وحظرت استيراد سيارات الأشخاص ذوي الإعاقة، قبل إتمام عمليات المراجعة الشاملة لملف الإفراجات التي أجريت، خلال الفترة من 2021 إلى 2024، وإلى حين تعديل قانون الإفراج الجمركي للأشخاص ذوي الإعاقة.
قال عضو شعبة السيارات في الغرفة التجارية، عبد السلام عبد الجواد، لـ"العربي الجديد" إن البنك المركزي ألزم البنوك المحلية بعدم صرف الدولار لشراء سيارات من الخارج، لوكلاء شركات تصنيع السيارات الأجنبية والمستوردين من التجار أو الأفراد، مؤكداً قصر الحكومة عملية استيراد السيارات عبر نظام الحصص "الكوتا" التي ستوجه للوكلاء المعتمدين، مع خضوعهم لقيود استيراد السلع، وجداول تدبير العملة، وفقاً لجداول الحجز المسبق و"الكوتة".
أشار عبد الجواد إلى توقف دخول السيارات في كل المنافذ الجمركية، من الطرازات القديمة أو لعام 2025، منوهاً إلى وقف استيراد السيارات للعاملين المصريين في الخارج، بدون إخطار مسبق ومسجل لشحن السيارة، ووضع قيود مشددة على دخول السيارات بنظام" التربتك" بما يضمن خروج السيارة، قبل انتهاء مدة السماح بوجودها في البلاد، وفرض غرامات هائلة في حالة التأخير.
أكد عبد الجواد أن الضغوط التي تمارسها الحكومة تستهدف وقف استخدام الدولار في استيراد سيارات، باعتبارها سلعاً ترفيهية، وتدفع بالمبالغ المخصصة لها إلى مواجهة زيادة تكلفة شراء السلع الأساسية التي تمثل 80% من احتياجات البلاد، والأزمة المالية التي تتطور حالياً بسبب نقص الدولار وتراجع عائدات قناة السويس، ومواجهة خدمات الدين الخارجي والمحلي التي تلتهم ثلثي الموازنة العامة، وكلّ ما تحصّله الدولة من قروض وإيرادات بالدولار.
أشار عبد الجواد إلى رغبة الحكومة في تضييق الخناق على المستوردين، ودفع الشركات العالمية إلى تصنيع السيارات محلياً، بما يضمن تطوير صناعة السيارات محلياً، وتوجيه نسبة من الإنتاج للأسواق الخارجية، تمكن الوكلاء من توفير العملة الصعبة، لشراء مستلزمات الإنتاج للسوق المحلي والدولي.
أكد عضو شعبة السيارات في الغرفة التجارية أن ضغوط الحكومة أسفرت عن زيادة في أسعار السيارات، بنحو 10% خلال الشهرين الماضيين، رغم حالة الركود التي تنتاب الأسواق عادة في شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول، بينما يتوقع أن تزيد تلك النسبة خلال شهري نوفمبر وديسمبر حيث يرتفع الطلب على الشراء، وقد تزيد عن 20% مع ندرة العرض، وتمسك الموزعين بـ"الأوفر برايس" وتوقع التجار زيادة مرتقبة في سعر الدولار، قبيل نهاية العام الجاري.
يشير عبد الجواد إلى ضرورة تحرك الحكومة، عبر تشجيع الشركات العالمية الكبرى بعمل مصانع في مصر، وارتباطها بمجموعة من الصناعات المغذية لصناعة السيارات، بما يضمن توفير السيارات ذات السمعة الجيدة وقطع الغيار الرخيصة، متوقعاً أن يزداد الطلب على السيارات خلال العامين المقبلين، بسبب تراجع الواردات على مدار السنوات الأربع الماضية، وحاجة المواطنين إلى سيارة جيدة ومناسبة للطبقة المتوسطة.
مخاوف على المستقبل المالي
تأتي القيود الحكومية على السيارات، وسط مخاوف يصفها خبراء ماليون، بأنها كبيرة لمستقبل الدولة المالي، مع استمرار حالة عدم اليقين القائمة منذ مارس/ آذار 2022. أعاد البنك المركزي السيارات ضمن قائمة السلع الترفيهية التي يحظر استيرادها كاملة الصنع، من دون موافقته، حتى نهاية العام الجاري 2024، ووضع مطالب المستوردين بقائمة انتظار تدبير العملة في البنوك المحلية، وفقاً لأولويات الاستيراد التي تمنح الدولار، عادة للسلع الاستراتيجية كالغذاء والأدوية، ومستلزمات التشغيل بالمصانع.
عمم البنك المركزي تعليماته، متأثراً بوجود عجز صاف في الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي، لأول مرة، منذ 4 أشهر، من 13.261 مليار دولار إلى 9.723 مليارات، بنسبة 26.6% في أغسطس/ آب 2024، على أساس شهري، فضلاً عن انخفاض الاستثمار الأجنبي غير المباشر في أذون الخزانة، من 37.45 مليار دولار إلى 36.71 ملياراً، في يونيو/ حزيران 2024.
يضغط الدولار على سوق السيارات بشدة، حيث يؤدي نقصه في البنوك إلى صعوبة تمويل عمليات الشراء للأفراد والشركات، وندرة وجود السيارات لدى الوكلاء والموزعين، وارتفاع سعره مقابل الجنيه إلى صعود متواصل بقيمة سعر السيارات الحديثة، واقتران الزيادة بالموديلات القديمة في ظاهرة معاكسة لأسواق السيارات عالمياً.
أدى تعويم الجنيه 4 مرات متتالية من مارس 2022، إلى تدهور قيمته مقابل الدولار، حيث تراجع من مستوى 15.70 جنيهاً إلى نحو 48.50 جنيهاً، ما سبّب ارتفاع سعر السيارة بنحو 4 أضعاف قيمتها السائدة حالياً عن فترة ما قبل مارس/آذار 2022، عدا ما يفرضه الموزعون، من إتاوة "أوفر برايس" تمثل السعر المضاف على قيمة السيارة، وفقاً لكثافة الطلب وندرة السيارة والطراز.
يتوقع الخبراء مزيداً من تدهور الجنيه ليصل إلى أعلى من 50 جنيهاً عام 2025، وارتفاعاً تاريخياً في معدلات التضخم فاقت 40%، ويتشارك الخبراء في توقع الأسوأ مع تأثر الاقتصاد بحالة الحرب المستمرة من دون سقف زمني على غزة ولبنان والتوتر الجيو- سياسي في البحر الأحمر والمنطقة.
تدفع زيادة تكاليف الشحن والصعوبات التي تواجه سلاسل الإمداد عند المرور بالبحر الأحمر، والقيود المفرطة على استيراد السيارات، كبار الوكلاء المحليين إلى البحث عن تحالفات مع الشركات الموردة ومصانع دولية، لتجميع الطرازات المطلوبة محلياً.