استمع إلى الملخص
- **تحديات قطاع التطوير العقاري**: واجه القطاع ركودًا كبيرًا بسبب ارتفاع التضخم وكلفة القروض، مما أدى إلى تراجع المبيعات بنسبة تضخم بلغت 7% في يوليو 2023.
- **استمرار تثبيت الفائدة وتحديات التمويل**: يصر البنك المركزي على تثبيت الفائدة عند 8% لدعم الاقتصاد، بينما يسعى القطاع العقاري للحصول على امتيازات ضريبية وتعديل الفائدة لبيع مخزون عقاري راكد.
لم تساعد إجراءات تجميد الضريبة على العقارات في تحريك الطلب على المساكن والشقق في تونس، إذ كشفت أحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي التونسي تباطؤ القروض السكنية في السنوات الأخيرة، حيث لم تزد نسبة الأسر التي حصلت على قروض مصرفية لشراء مساكن سوى بنسبة 3,2% ما بين عامي 2022 و2024.
وأبرزت الأرقام أن قروض الأسر لتمويل شراء أو بناء مساكن ما بين عامي 2022 والربع الأول من العام الحالي لم تتجاوز قيمتها 407 ملايين دينار، حيث بلغت المبالغ المستحقة على العملاء نحو 12.873 مليار دينار في مارس/ آذار الماضي، مقابل 12.466 مليار دينار نهاية سنة 2022. وخلال السنوات الثلاثة الأخيرة، تفاقم عزوف التونسيين عن شراء المساكن نتيجة الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة الفائدة البنكية على القروض السكنية التي تصل إلى أكثر من 13%. وبداية العام الجاري، حاول البرلمان انتشال قطاع التطوير العقاري من موجة ركود جديدة بعد إحباط تمرير زيادة من 13% إلى 19% في الضريبة على العقارات كانت الحكومة تنوي فرضها.
وواجهت نية الترفيع الضريبي انتقادات واسعة من قبل التونسيين وسط ارتفاع الأسعار على الرغم من إطلاق مطوري العقارات حملات دعائية لتحريك الطلب على مخزون الشقق لديهم خوفا من المزيد من ركود المبيعات. وأشار مطور العقارات رأفت العياري إلى أن تباطؤ إقبال التونسيين في الحصول على قروض السكن يعكس عمق الأزمة التي وصل إليها القطاع، ما أدى إلى تراجع كبير في المبيعات.
تراجع القروض السكنية
وقال العياري في تصريح لـ"العربي الجديد" إن قروض السكن هي مقياس نشاط القطاع، مؤكدا أن بوادر هذا التباطؤ ظهرت قبل أكثر من ثلاثة سنوات نتيجة الأزمة المالية وتأثيرات ارتفاع التضخم على مستوى معيشة المواطنين وقدرتهم على الإنفاق.
وأضاف: "يصل تمويل اقتناء العقارات من قبل الأسر التونسية عن طريق القروض إلى أكثر من 80%، غير أن النفاذ إلى هذه التمويلات لم يعد متاحا بالقدر الكافي مع تصاعد نسبة الفائدة وارتفاع كلفة القروض". واعتبر المتحدث أن تمويل شراء العقارات عن طريق القروض البنكية يفتح العديد من الفرص أمام الأسر لامتلاك مساكن، إلا أنه أيضا يطرح تحديات كبيرة نظرا إلى طول فترة السداد وضرورة توفير تمويل ذاتي يصل إلى 30% من قيمة العقار.
وأشار العياري إلى أن قطاع التطوير العقاري شهد طفرة في المبيعات عام 2016، حيث سجل القطاع انتعاشاً مهماً قبل أن تنتكس السوق مع بداية صعود التضخم الذي أضر بإنفاق التونسيين بشكل كبير. ووفق أحدث البيانات الرسمية لمعهد الإحصاء، بلغت نسبة التضخم خلال شهر يوليو/ تموز الماضي 7% مسجلة تراجعا بأكثر من نقطتين، بعد أن بلغت رقما قياسيا تاريخيا بـ10.4% خلال شهر فبراير/ شباط 2023.
وشرح رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي أن إحجام التونسيين عن الاقتراض على المدى الطويل لتمويل شراء مساكن أمر طبيعي في ظل الإنهاك الذي سببه الغلاء. وقال الرياحي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن تباطؤ قروض تمويل السكن يعد تغييرا في أولويات التونسيين الذين تنازلوا عن حلم امتلاك السكن لفائدة أولويات أخرى أساسية تستحوذ على إنفاقهم. وأكد رئيس منظمة إرشاد المستهلك أن اقتراض التونسيين بات موجها لتمويل الاستهلاك عبر ديون قصيرة المدى رغم كلفتها العالية مع استمرار تثبيت سعر الفائدة عند نسبة 8%.
ويصر البنك المركزي التونسي على تثبيت نسبة الفائدة الرئيسية عند 8% رغم توقعات دولية بتراجع التضخم المحلي إلى مستوى 5.7% في غضون سنة 2025. وأعلن مجلس إدارة البنك المركزي التونسي، عقب اجتماع لمجلس إدارته بداية الشهر الحالي، إبقاء نسبة الفائدة الرئيسية من دون تغيير عند مستوى 8%، مبرراً القرار بـ"إعطاء الأولوية في الوقت الحالي لدعم المسار التنازلي للتضخم والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي".
ويرحّل قطاع التطوير العقاري في تونس من عام إلى آخر مساعي إنعاش المبيعات، على أمل الحصول على امتيازات ضريبية يطالب بها العاملون في القطاع. وسعى مطورو العقارات لإقناع الحكومة والقطاع المصرفي بخفض الضرائب على المبيعات وتعديل نسبة الفائدة المخصصة لقروض الإسكان، من أجل بيع رصيد عقاري راكد فاقت قيمته مليار دينار، أي ما يزيد عن 322 مليون دولار، وسداد ديون متفاقمة لدى البنوك دخلت مرحلة التعثر.
وأبرزت بيانات صادرة عن وزارة التجهيز والإسكان أن القطاع شهد منذ أربع سنوات انخفاضًا ملحوظًا في عدد تراخيص بناء المنازل المسندة وعدد المنازل المبنية بنسبة تصل إلى 30%، ما يعادل ستة آلاف ترخيص لبناء 11 ألفاً و400 منزل. في المقابل، ارتفعت أسعار الشقق بنسبة 9% للعقارات الجديدة و6% للعقارات القديمة، حسب آخر دراسة لموقع مبوب الذي عرض أرقام متعلقة بالنصف الأول من العام 2023.