صادق مجلس الوزراء اللبناني، اليوم الخميس، على قانون موازنة العام 2024 تزامناً مع وقفة احتجاجية غاضبة نفذها العسكريون المتقاعدون اعتراضاً على عدم إنصافهم ومنحهم حقوقهم الطبيعية بزيادة رواتبهم التقاعدية بغية تأمين الحدّ الأدنى من المعيشة في ظلّ زيادة الضرائب والرسوم والغلاء الشامل ودولرة السوق.
وعمد العسكريون المتقاعدون، صباحاً، إلى إقفال المداخل المؤدية إلى مقرّ مجلس الوزراء في بيروت وحاولوا إزالة الحواجز من أمام مدخل السرايا الحكومية، ما أدى إلى تدافع كبير بينهم وبين عناصر الجيش اللبناني والقوى الأمنية الذين ألقوا القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين وإبعادهم، وقد سُجّل بعض حالات الاختناق في صفوفهم.
واعترض العسكريون على عدم بتّ مجلس الوزراء مطالبهم، مؤكدين أنهم لن يتركوا الشارع وسيواصلون التصعيد الذي بدأ قبل أيّام حتى منحهم حقوقه كاملة وتحسين أوضاعهم، مشددين على أن هذه الموازنة لم تنصفهم، والرواتب التقاعدية بالكاد تصل قيمتها إلى 200 دولار، وهو مبلغٌ لا يكفي لتسديد بعض الفواتير المنزلية من دون احتساب المأكل والمشرب والدواء وغيرها من الحاجيات الأساسية.
ويعتبر العسكريون أن المساعدات أو حتى التحفيزات المالية لا تكفي للعيش بكرامة، وتفقد قيمتها في ظلّ دولرة السوق، والغلاء الفاحش الذي يشمل مختلف القطاعات، وزيادة الضرائب والرسوم، آسفين لطريقة إذلال السلطات لهم بعد عقودٍ من تأدية واجبهم الوطني وتكريس حياتهم للمؤسسة.
في الإطار، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن تخصيص جلسة وزارية يوم السبت المقبل لدراسة وضع العسكريين العاملين والمتقاعدين وموظفي القطاع العام.
وقال ميقاتي: "في بداية الجلسة تم التصديق على قانون موازنة العام 2024 لما لها من أهمية كبرى لتسيير أمور الدولة، وفور نشرها ستكون موضع تنفيذ".
وأضاف في كلمة له بعد الجلسة: "الموضوع الثاني الذي بحثناه وقد أثاره بعض الوزراء، يتعلّق بزيادة بدل الإنتاجية للقطاع العام وللعسكريين والمتقاعدين، علماً أنّ هذا البند لم يكن أصلاً مطروحاً على الجلسة، وأنا أستغرب كلّ هذه الضجة لأنه لم يكن مدرجاً لمناقشته اليوم، بل أعطيت فرصة أكبر لمزيدٍ من التريث والدرس، ولكن من حرص الوزراء على إقرار هذا الموضوع في أسرع وقتٍ ممكنٍ من أجل استمرار العمل في القطاع العام وإعطاء كل ذي حق حقه، قرّرنا عقد جلسة استثنائية السبت المقبل للبحث في هذا البند بالذات".
وأردف ميقاتي: "أنا أعي تماماً الواقع الحالي والوضع الاجتماعي للمتقاعدين والأوضاع التي يمرّون بها، ولكننا محكومون بسقفٍ معيّنٍ للإنفاق لا نستطيع تجاوزه، وضمن هذا السقف طالب بعض الوزراء بالنظر في إمكانية تحقيق العدالة أكثر في التوزيعات المطلوبة، فلهذا السبب ستكون الجلسة التالية يوم السبت المقبل للبحث في هذا الموضوع".
وتابع: "أؤكد حرصي على المتقاعدين الذين خدموا البلد وهم موجودون فيه ولا يمكن أن ننسى فضلهم، ولكن أكرر القول إننا محكومون بسقفٍ معيّنٍ، ونحن نحاول توزيع الاعتمادات المتوافرة على القطاع العام وعلى العسكريين العاملين والمتقاعدين".
وينفذ بدورهم موظفو الإدارة العامة والمساعدون القضائيون إضراباً منذ أيامٍ اعتراضاً على تدني قيمة الرواتب والأجور التي يستمر مسار انهيارها بفعل الضرائب والرسوم المرتفعة، وحرمانهم من الحوافز المالية والمساعدات التي تعطى بشكل استنسابي.
ويرى موظفو الإدارة العامة أن الموازنة زادت الضرائب على الرواتب وأعفت كبار الأغنياء منها، فيما لا يزال التهرب الضريبي والجمركي مشرّعاً بها، كما نهب الأملاك العامة من دون أية مقاربة وعلاج، مشددين على أنها ستزيد الانكماش الاقتصادي والجمود والركود وستعطل الدورة الاقتصادية.
كما نفذ المهندسون المتقاعدون أمس الأربعاء اعتصاماً في مركز النقابة في بيروت، مطالبين بتأمين مساعدة اجتماعية إضافية، وراتب يؤمن العيش الكريم وتخفيض رسوم الاستشفاء في الموازنة الجديدة.
وأقرّ البرلمان اللبناني في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، الموازنة العامة لعام 2024، التي بلغ مجموع نفقاتها 295 ألف مليار و113 مليارا و451 ألف ليرة، يوازي 3.3 مليارات دولار أميركي (سعر صرف 89.400 ليرة للدولار).
وخُصِّصت نسبة 44.66% من النفقات، أي من مجمل الموازنة، لكل من المخصّصات والرواتب والأجور ومخصّصات اجتماعية ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة وتحويلات للقطاع العام.
في المقابل، بلغ مجموع الإيرادات الرقم نفسه أي بمجموع 3.3 مليارات دولار أميركي، ويتوزع بين الإيرادات الضريبية وقد بلغت نسبتها 77.8% من مجموع الإيرادات، والإيرادات غير الضريبية التي بلغت نسبتها 22.1% من مجموع الإيرادات.
كما صدّق المجلس ضريبة استثنائية على التجار الذين استفادوا من الدعم الذي أمّنه مصرف لبنان بنسبة مقدارها 10% من حجم الأعمال، الأمر الذي دفع الشركات المستوردة للسلع المدعومة، على رأسها، النفطية، إلى الاعتراض على هذا البند والتوقف عن الاستيراد وتسليم المواد.
كما لحظت الموازنة جملة تعديلات أدخلتها لجنة المال والموازنة النيابية، بيد أن عدداً من بنودها لاقى انتقادات كثيرة من اقتصاديين وخبراء ماليين وقانونيين، خصوصاً أنها أتت خالية من الإصلاحات والتقديمات الاجتماعية، ومثقلة بالضرائب والرسوم خصوصاً منها على الرواتب التي يتقاضاها الموظفون في القطاع الخاص، بالدولار الأميركي، فيما تستنزف بشكل كبير تعويضات نهاية الخدمة.