حكومة ضبط الانهيار في لبنان... عقبات إصلاحية ودعم خارجي "بعيد"

12 سبتمبر 2021
أزمة وقود خانقة تسببت في إغلاق محطات البنزين في بيروت نهاية أغسطس (Getty)
+ الخط -

تتجه أنظار اللبنانيين والأوساط الدولية إلى الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، التي ولدت بعد مخاض عسير شهدت خلاله البلاد انهياراً اقتصادياً ومعيشياً غير مسبوق، على وقع صراعات سياسية طغت فيها مصالح الأحزاب التقليدية على هموم الناس ومعاناتهم اليومية وسط حصار الأزمات.

وجاءت الحكومة الجديدة بعد 13 شهراً من استقالة حكومة حسان دياب إثر انفجار مرفأ بيروت المروّع في 4 أغسطس/ آب 2020، الذي أدى إلى مقتل أكثر من مئتي شخص وإصابة أكثر من 6500 بجروح، ودمر أحياء من العاصمة، مفاقماً معاناة اللبنانيين الذين بات أكثر من نصف سكانه يعيشون تحت خط الفقر.

ترفع الحكومة الجديدة شعار الإصلاح، وتعد بالعمل على استقطاب المساعدات الخارجية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، إلا أن الأمر لا يبدو يسيراً وفق مراقبين ومحللين، إذ إن هناك الكثير من الصعوبات التي قد تجعل من قدرة هذه الحكومة تتوقف عند حد "وقف الانهيار".

هناك من يرى أن ميقاتي "ليس وافداً حديثاً على الرئاسة، واقترن اسمه بالكثير من ملفات الفساد، وهناك استياء شعبي من عودته إلى الحكم بدل محاسبته، وأنه من اختيار الطبقة السياسية الواجبة مساءلتها أيضاً، ما يجعل عملية الإنقاذ مستحيلة، وهنا تأتي المخاوف من استمرار نهب المال العام وصرف ودائع اللبنانيين على تمويل صفقات ستغرق لبنان في العجز والانهيار".

ويؤكد مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"العربي الجديد" أن "أنظار العالم تتجه لأداء الحكومة الجديدة ومسار عملها بعد نيلها الثقة في البرلمان... سنُقيّم طريقة تعاطي الوزراء مع الملفات، ولن تكون هناك أي مساعدة مجانية أو ما يعرف بشيك على بياض".

يقول المصدر إنّ "الدعم سيستمر من الناحية غير المباشرة، أي إنسانياً واجتماعياً، ولن يمرّ عبر الدولة أو يكون نقدياً، إلا بعد مباشرة العملية الإصلاحية الجدية، أما العقوبات فستبقى دائماً موجودة وتطاول كل معرقل للحلول ولعملية الإصلاح والإنقاذ".

وأدلى ميقاتي (65 عاماً)، رجل الأعمال الثري المتحدر من مدينة طرابلس (شمال) الذي كُلّف تشكيل الحكومة في 26 يوليو/ تموز الماضي، بكلمة من القصر الجمهوري، يوم الجمعة، تحدّث فيها عن أزمات الأدوية والكهرباء وغياب أفق المستقبل، داعيا الجميع إلى التعاون.

وقال: "سأتصل بالهيئات الدولية لنؤمن أبسط أمور الحياة" للمواطنين، مضيفاً: "لن نفوّت فرصة من دون أن ندق أبواب العالم العربي"، في إشارة ضمنية إلى دول الخليج، خصوصاً السعودية التي كانت تعد الداعم الأبرز للبنان قبل أن يتراجع دعمها تدريجياً امتعاضاً من دور حزب الله المدعوم من إيران، خصمها الإقليمي الأبرز.

ويؤكد عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال، لـ"العربي الجديد"، أنّ "وجود حكومة يبقى أفضل من عدمها، خصوصاً أن حكومة حسان دياب المستقيلة كانت اعتكفت عن ممارسة تصريف الأعمال بالحد الأدنى".

في المقابل، يرى رمال أن "الحكومة الجديدة لن تكون قادرة على إنجاز الكثير، خصوصاً في ظلّ ضيق عمرها الذي لن يتجاوز أربعة أشهر من العمل، قبل الدخول إلى مرحلة التحضير للانتخابات النيابية المقرر عقدها في 8 مايو/أيار 2022، كما أنها حكومة أسقطت من فوق، وبالتحاصص بين القوى السياسية، ولم تولد من رحم وجع الناس وهمومهم المعيشية".

وفقاً لذلك، يلفت رمال، وهو عضو في جمعية تجار بيروت، إلى أنّ "هذه الحكومة قد تتمكن لفترة قصيرة من تهدئة الانهيار وإيقافه في مكانٍ معيّن، ولكن من المستبعد أن تخرج البلاد من المكان الذي تقف فيه، وبالتالي، لن نكون أمام إعادة نهوض بل فقط التوقف عن النزول أكثر في الهوّة، عدا عن أن الوزراء بأكثريتهم لا يتمتعون بتجارب اقتصادية يعوّل عليها وتقوم بما نسمّيها معمودية النار".

من ناحية ثانية، يرى رمال أن "هناك ضرورة للنظر بكيفية تعاطي الوزارات الأساسية المعنية بالملف الاقتصادي، خصوصاً المال والاقتصاد والطاقة والعمل والصناعة مع بعضها البعض، حيث إن التجانس مطلوب وأن يكونوا فريق عمل واحداً، وكذلك إنشاء خلية أزمة اقتصادية، وهذا ما كان غائباً تماماً في حكومة حسان دياب، حيث إن كل وزارة كانت تتصرّف وكأنها جمهورية مستقلة، وهذا كان من أبرز أسباب الفشل".

ولا يستبعد رمال أن يتكرر "سيناريو العجز" على مستوى هذه الوزارات إذا بقيت على ذهنية العمل نفسها المشار إليها، ولا سيما أن كل وزير يأتي من انتماء سياسي حزبي مختلف، ووصل أصلاً في ظلّ صراعٍ على الحقائب الوزارية وتجاذبات سياسية استمرت حتى اللحظة الأخيرة، وكل فريق يريد أن يسجل نقاطاً على الآخر، وبهذا الأسلوب لن تستقيم الأمور ولن نكون أمام أي حلول جذرية أو تغييرية، من هنا، أرى أن الحلول، إذا كان هناك أفق لها، لن تكون إلا مع الحكومة التي ستشكل بعد الانتخابات النيابية".

على صعيدٍ متصل، ينصح رمال المواطنين بادخار دولاراتهم للحفاظ على قدرتهم الشرائية، إذ إنّ ودائع اللبنانيين أصبحت بحوالي 80% مدولرة، والاستيراد والاستهلاك من الخارج يقارب الـ85%، في حين أن الصناعة المحلية تقتصر على 15%، علماً أن المواد الأولية ربطاً بها هي أيضاً مستوردة وبالدولار، وكذلك المحروقات وغيرها من السلع والخدمات التي تعتمد الدولار عملةً مرجعيةً للشراء.

وتأتي هذه النصيحة من "بوابة اقتراب رفع الدعم عن المحروقات وسلع حياتية أساسية، والشح في الدولار ولجوء القطاعات إلى السوق السوداء لشرائه وتحويل الأموال للبضائع المستوردة، وانتهاء موسم الصيف في ظل عدم ضخ أموال من الخارج ولا استثمارات أجنبية، في حين أن المؤسسات الدولية لن تعطي لبنان القروض سريعاً أو أي مساعدات قبل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي".

وفي هذا المجال، يعتبر رمال أن "المسار سيكون طويلاً، حيث إن صندوق النقد الدولي سيكون هو المتحكم وفارض الشروط، وعلينا هنا أن ننتظر ردود الفعل السياسية، فهناك ما يعرف بالسيادة الاقتصادية التي يمكن أن نفقدها مع صندق النقد الدولي... صندوق النقد ليس جمعية خيرية، بل لديه برنامج تقشفي يفرضه عادة على الدول، في حين أن لبنان سيدخل مرحلة شعبوية، أي الانتخابات، وهناك ديون عليه في المقابل بمليارات الدولارات".

بدوره، يقول الخبير الاقتصادي والمالي اللبناني إيلي يشوعي لـ"العربي الجديد": "هذه الحكومة هي حكومة موظفين لدى أحزاب سلطة مسؤولة عن إيصال لبنان إلى الحالة الراهنة من فقدان الناس أموالها وحقوقها المالية في ظل ارتفاع معدلات الفقر، خصوصاً ما يعرف بـ"الفقراء الجدد"، ومن أزمات جمّة معيشية واقتصادية ونقدية واجتماعية.

ويلفت يشوعي إلى أنّ "وجعنا اليوم مالي واقتصادي، وبالنظر مثلاً إلى من تولى حقيبة المال، أي الوزير يوسف خليل، نجد أنه شغل منصب مدير العمليات المالية في البنك المركزي، وله رئيس هو الحاكم رياض سلامة، فكيف بالتالي لشخص أن ينقلب على رئيسه في حكومة عنوانها الأكبر لناحية المهام هو الإصلاح؟ كذلك جيء به بالاتفاق بين حاكم مصرف لبنان ورئيس البرلمان نبيه بري، من هنا، لا يمكن الاعتماد عليه أبداً في أي مسار إصلاحي مالي".

من جهة ثانية، يشكك يشوعي في إمكانية أن تمضي الحكومة قدماً في التدقيق الجنائي، مشيراً إلى أنّ "أموالنا مجهولة المصير، وحتى الانتخابات التشريعية لن تحدث تغييراً نوعياً، لأنّها باتت بيد أحزاب السلطة التي أوصلت البلاد إلى حالة الإفلاس والإفقار والسطو على الحقوق المالية للمواطنين".

المساهمون