كشف مصدر مسؤول من دمشق، اليوم الثلاثاء، أنّ حكومة بشار الأسد "تتدارس الآن طرح شركات حكومية للخصخصة بذريعة الخسائر"، معتبراً أنّ بيع الشركات ولو بوصفها أراضي بمناطق مهمة، سيؤمّن موارد للدولة تسعفها بتمويل الشق الجاري من الموازنة، مثل دفع الأجور، وتمكنها من استيراد السلع الضرورية كالنفط والقمح "لأنّ خزينة الدولة خالية تماماً"، على حسب وصفه.
وأكد المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنّ البداية كانت بمؤسسة توزيع المطبوعات الحكومية، متوقعاً أن يمتد مشروع الخصخصة إلى الشركات الصناعية وإدارة بعض المواقع السياحية، بحجة أنّ بعضها وُجد لأسباب تاريخية أيام تحوّل سورية إلى النهج الاشتراكي، وذلك قبل صدور قانون الاستثمار عام 1991.
خصخصة أم تشاركية؟
وفي حين يضيف المسؤول السوري أنّ الموضوع لم يلق معارضة من الحكومة، مشيراً في الوقت عينه إلى أنّ "وجهات النظر تتوزع بين الخصخصة الكاملة والتشاركية"، مرجحاً أن يجري طرح شركات بالقطاع الصناعي "قريباً" للبيع، لأنّ التشاركية لم تلق إقبالاً بعد طرح 38 منشأة للقطاع الخاص العام الماضي، ليساهم بإدارتها ومشاركة الدولة بملكيتها.
وكان وزير الإعلام بحكومة النظام السوري، بطرس الحلاق، قد أعلن، أول أمس الأحد، عن حلّ الشركة السورية لتوزيع المطبوعات التي تأسست عام 2009، بذريعة أنها عاطلة عن العمل، ما اضطر الحكومة لطرح طوابقها للتأجير لتؤمن موارد لتسديد أجور العاملين، بعد وقف التوزيع خارج سورية، وتوقف الصحف السورية عن الطباعة الورقية.
ويقول الاقتصادي السوري عماد الدين المصبّح، إنّ حلّ شركة توزيع المطبوعات "هو أول اعتراف رسمي بحل شركة حكومية"، مضيفاً أننا "سنرى، من خلال العذر نفسه، بدء طرح الشركات الحكومية الخاسرة أو التي انتفى مبرر وجودها للبيع، فالهدف هو البحث عن تمويل لنظام الأسد".
ويرى الأكاديمي المصبح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ نظام الأسد "يهندس ويمهّد للخصخصة منذ سنوات، مذكّراً بالقانون رقم 5 لعام 2016 وقت أصدرت الحكومة السورية 38 منشأة صناعية للاستثمار".
وأضاف أنّ "تلك الخطوة لم تلق إقبالاً من رأس المال المحلي أو الدول التي يصفها الأسد بالصديقة، حيث نصّ القانون بصراحة أنّ التشاركية مع الدول الصديقة التي وقفت إلى جانب الشعب السوري"، مشيراً إلى أنّ "موعد الطرح للبيع بات الحل الوحيد أمام النظام".
وأبدى المصبح تخوّفه من بيع شركات رائدة ومتفرّدة، مثل شركة إنتاج الدواء "تاميكو"، لأنّ خروج الدولة من إنتاج بعض السلع، سيقلل من المنافسة ويزيد من تفرّد القطاع الخاص بالسوق وتحديد الأسعار، وذلك سينعكس سلباً على السوريين، في وقت يتراجع مستوى المعيشة وتبلغ نسبة الفقر 90%.
وأشار المصبح إلى أنّ "الموقف ليس من خصخصة بعض الشركات، لأنّ الواقع ربما يفرض ذلك، والعديد من الدول الناشئة، كتركيا أيام الرئيس توركوت أوزال دخلت التطور والصناعة الحديثة بعد الخصخصة".
لكن المعضلة في الحالة السورية، بحسب ما يوضح المصبح، "تكمن في أمرين؛ أولهما من سيشتري الشركات وهل سيحافظ على طبيعتها الإنتاجية بآلات متطورة؟ أم ستتحول إلى قواعد ووجود لحلفاء الأسد بطهران أو موسكو؟ والأمر الآخر في كيفية استخدام عائدات بيع ممتلكات السوريين التي سيموّل منها النظام بقاءه وحربه، فتضيع الأصول ويجري تسريح العمال ويخرج الإنتاج الحكومي عن السوق".
50 شركة للبيع
في المقابل، يكشف المدير العام السابق لمؤسسة النسيج السورية الحكومية، سمير رمان، أنّ حكومة بشار الأسد شكّلت لجنة متخصصة لدراسة واقع الشركات الصناعية وطرح الخاسر منها للتشاركية والبيع، مبيّناً لـ"العربي الجديد"، أنّ عدد الشركات الصناعية المدرجة على قائمة الخصخصة، يبلغ 50 شركة؛ منها 6 شركات تتبع للمؤسسة الهندسية، و8 شركات لمؤسسة الصناعات الكيميائية، و7 شركات تتبع لمؤسسة الصناعات الغذائية.
وحول من يمكن أن يشتري شركات خاسرة بواقع ركود السوق وتراجع القدرة الشرائية واستمرار الحرب، يقول رمان: "لننظر للشركات على أنها أراض شاسعة وسط المدن الكبرى أو على أطرافها، فهي فرص استثمارية مهمة ورخيصة، وعلى الأرجح ستتحول إلى استثمارات عقارية، فالبيع مطروح حتى للدول الحليفة للنظام، والتوقعات بإقبال إيراني على الشراء".
لكن الأمر الذي لم تناقشه حكومة الأسد، كما يوضح رمان، هو "مصير العمالة بتلك الشركات، فرغم أنّ أجورها لا تصل إلى مئة ألف ليرة شهرياً، فإنها تسد ولو بعض النفقات، فماذا يمكن أن يحدث فيما لو جرى تسريحها ودُفعت التعويضات بالليرة السورية التي هوت اليوم إلى 4775 ليرة مقابل الدولار، ولم يعد تعويض نهاية الخدمة أو الراتب التقاعدي يساوي شيئاً بواقع التضخم وغلاء الأسعار؟".
ويعتبر رمان أنّ بيع ممتلكات الشعب السوري، "هي الخطوة المنتظرة من نظام الأسد المفلس، بعد تأجير المقدرات لروسيا لمدة 49 عاماً، كالمرفأ وشركة الأسمدة واستثمارات النفط والغاز".
وأضاف أنّ التخلّي عن القطاع الحكومي الذي بدأ من ربط شبكة نقل وتوزيع الكهرباء بشركات خاصة قبل عامين، توبع بتسمية لجنة تصفية القطاع العام التي قدمت للحكومة قائمة بخمسين شركة خاسرة ولا فائدة منها، الأمر الذي يبرر لنظام الأسد، تصفية تلك الشركات بدلاً من إعادة هيكلتها ودوران آلاتها.