حكومة الأسد تجني القطع الأجنبي من تجارة اللحوم... الدولار أولاً

22 اغسطس 2022
تحديات واسعة تطاول المربين (Getty)
+ الخط -

لم يغيّر قرار السماح بتصدير الأغنام السورية كثيراً من واقع ارتفاع الأسعار، وهذا مستغرب، بحسب تاجر الأغنام بريف دمشق رضوان محمد، لأن عرض اللحوم لم يتأثر "بل لم تشعر الأسواق بالقرار"، لأن ارتفاع الأسعار وتراجع حصة اللحامين من المسالخ، بسبب تراجع القدرة الشرائية وانقطاع الكهرباء، حوّل الاستهلاك إلى حدوده الدنيا.

ويشرح محمد: "بالفعل باتت اللحوم كماليات للسوريين"، إذ لا يقل سعر كيلوغرام لحم الخروف عن 40 ألف ليرة، والبقر عن 32 ألفاً، بل وحتى لحوم الدجاج صارت صعبة المنال بعد مضاعفة الأسعار خلال الفترة الأخيرة.

ويعتبر محمد، خلال اتصال مع "العربي الجديد"، أن قلة المراعي، بسبب التصحر وتراجع هطول الأمطار، حوّلا مهنة تربية أو تسمين المواشي إلى "خاسرة بالمطلق" بواقع ارتفاع أسعار الأعلاف المستمر وتخلي الحكومة، بحسب وصفه، عن المربين "ولن أقول إن قرار التصدير صائب، لكنه أسعف الكثيرين".

لكن للاقتصادي أسامة قاضي رأيا آخر، إذ إن حل أزمة تراجع الاستهلاك رغم وفرة المعروض، يكمن بكسر السعر، ليتاح استهلاك السلعة لأكبر شريحة من السوريين، عدا أنه على حكومة بشار الأسد المحافظة على الثروة الحيوانية بسورية والتي تراجعت بأكثر من 50% خلال عشر سنوات، وعليها تأمين مستلزمات المربين، من أعلاف وأدوية بأسعار معقولة، بدل التذرع بوجود فائض والتوجه للتصدير.

فقدان الثروة الحيوانية

وكان مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة بحكومة النظام السوري أسامة حمود قد أشار إلى فقدان الثروة الحيوانية في سورية نحو 40% إلى 50% من القطعان، بسبب الارتفاع العالمي في أسعار الأعلاف، لافتاً خلال تصريحات أخيراً، إلى وجود مشكلة كبيرة تهدد جهود ترميم الثروة الحيوانية، تتمثل بعدم قدرة المربين على الاستمرار بعملية التربية ما يدفعهم لبيع قسم كبير من قطعانهم لتأمين احتياجات القسم الآخر.

وبحسب بيانات الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة بحكومة الأسد، تقدر الثروة الحيوانية بسورية اليوم بـ832 ألف رأس بقر ونحو 15.4 مليون رأس غنم، ولا يزيد عدد المزارع المرخصة المنتجة للدواجن عن 6.9 آلاف مزرعة.
ويرى قاضي في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن هدف قرار التصدير هو تحصيل الدولار "ولا هدف آخر" بدليل إلزام التاجر إعادة 300 دولار عن كل رأس مصدر "كما نص القرار" وتسليم المُصدّر مقابل الدولار ليرة سورية، ولكن بسعر المصرف المركزي، 2814 ليرة وليس 4500 ليرة كما سعر السوق.

ويعتبر رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية قاضي أن تبجح الحكومة بعدم قدرة المواطن الشرائية "هو القضية"، لأن السؤال لماذا حول نظام الأسد اللحوم إلى كماليات لدى السوريين، والسؤال الآخر لماذا تفسد اللحوم بمحال القصابين بسبب انقطاع التيار الكهربائي، ولماذا لا تتدخل مؤسسات وزارة حماية المستهلك التي تمتلك صالات مبردة وتتمتع بنعمة الكهرباء، فتستجر اللحوم من المسالخ وتبيعها للمستهلكين بأسعار تناسب دخلهم؟ "هذه هي الأسئلة وليس التبرير بالفائض".

وحول قرار حكومة بشار الأسد أن قطع تصدير الأغنام سيستخدم بدعم مستلزمات الزراعة، يقول قاضي "كما ينص كل قرار لتصدير الأغنام كل عام" ولكن على الأرض لا دعم ولا حتى تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي، "أمس تم رفع سعر طن سماد اليوريا من 1.3 مليون ليرة إلى 2.4 مليون، ولا توجد بالأسواق أعلاف، كما يزيد سعر كيلوغرام الشعير إلى 2000 ليرة وكيلوغرام النخالة إلى 1200 ليرة والذرة إلى 2200 ليرة".

العمل الزراعي مغامرة

ويضيف قاضي أن هذا التضييق جعل من العمل الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، مغامرة وحوّل سورية إلى مستورد للقمح بعدما تراجع ما استلمته مؤسسة الحبوب لدى حكومة الأسد 500 ألف طن قمح هذا العام، وربما بعد فترة "تخسر سورية ثروتها الحيوانية" لأن الولادات وزيادة القطيع سنوياً لا تتجاوز العدد المسموح باستيراده "إن لم نحسب التهريب إلى العراق ولبنان".

وكان رئيس مجلس الوزراء بحكومة بشار الأسد حسين عرنوس قد وافق أخيرا على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة السماح بتصدير ذكور الأغنام والماعز الجبلي، على أن تتم إعادة مبلغ 300 دولار عن كل رأس مصدر واستلام المقابل بالليرات السورية، مع إلغاء ربط التصدير بالاستيراد، واعتماد نتائج الاجتماع الفني بين ممثلين عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والزراعة والإصلاح الزراعي ومصرف سورية المركزي واتحاد غرف الزراعة ومديرية الجمارك العامة.

كما نصت الموافقة على السماح بتصدير الخراف عبر كافة المنافذ الحدودية، البرية والبحرية والجوية، وبكمية 200 ألف رأس كحد أقصى ولغاية تاريخ 30/11/2022، بمعدل 1000 رأس لكل مصدر عند التصدير براً، و5000 رأس لكل مصدر عند التصدير بحراً أو جواً.

على أن يتم رصد كامل القطع الناجم عن عملية تصدير الأغنام لصالح استيراد مستلزمات الإنتاج الزراعي للموسم القادم، ولا سيما الأسمدة والمواد العلفية وفق الأولويات التي حددتها وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، وتكليف وزارات الاقتصاد والتجارة الخارجية والمالية والزراعة والإصلاح الزراعي ومصرف سورية المركزي بالمتابعة بما يلزم كل في ما يخصه.

وتراجع استهلاك السوريين من اللحوم بعد تبدل الأولويات وانتشار شراء اللحوم بالأوقية (200 غرام) بسبب محدودية دخولهم التي لا تتجاوز 100 ألف ليرة شهرياً، والتوجه إلى الضروريات بواقع زيادة الإنفاق الشهري للأسرة عن مليوني ليرة سورية.

تراجع الطلب

وكشف رئيس جمعية اللحامين في دمشق وريفها أدمون قطيش عن انخفاض الطلب بشكل واضح على سوق اللحوم والفروج بسبب الغلاء، فـ"الظروف الراهنة انعكست على استهلاك المادة في ظل وضع دخل المواطن".

ويضيف قطيش خلال تصريحات أخيراً، أن الدمشقيين يستهلكون يومياً ما بين 1000 و1500 خروف، و70 عجلاً إضافة إلى ما بين 150 و200 طن فروج، مبيناً أن الاستهلاك والطلب خفيف على المادة، كما أن العرض انخفض بشكل واضح فـ"عدد الخراف المذبوحة في المسلخ انخفض بنسبة 25 في المئة، إذ كان عددها يصل إلى 2000 خروف خلال الفترة الماضية".

ويذكر أن أسعار اللحوم بالسوق السورية، ورغم تراجع الاستهلاك، تزيد بنحو 10 آلاف ليرة عن السعر الرسمي الذي تحدده وزارة حماية المستهلك خلال نشرتها الدورية، ففي حين يزيد سعر كيلوغرام لحم الخروف عن 40 ألف ليرة، تلزم نشرة الأسعار بدمشق الباعة بسعر 32.500 ليرة لكيلوغرام الهبرة وتحدد سعر كيلوغرام لحم الغنم نسبة الدهن 50% بسعر 26.000 ليرة، وكيلوغرام هبرة لحم العجل بسعر 29.500 ليرة، وكيلوغرام مسوفة لحم عجل بسعر 19.000 ليرة.

المساهمون