ارتفع التوتر بحدة في البحر الاحمر، بعدما شنّ الحوثيون في اليمن مساء الثلاثاء أكبر هجوم صاروخي وطائرات دون طيار حتى الآن، أسقطت الطائرات والسفن الحربية الأميركية والبريطانية 18 طائرة دون طيار وثلاثة صواريخ مضادة للسفن حوالى الساعة التاسعة مساءً، بحسب الجيش الأميركي. وكان هذا هو الأحدث في سلسلة من الهجمات على السفن في جنوب البحر الأحمر، وقالت شركة أمبري أناليتكس، إن تسع سفن تجارية عدلت مسارها وقت الهجوم.
وقال يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي، في كلمة بثها التلفزيون الأربعاء إن الجماعة هاجمت سفينة أميركية تقدم الدعم إلى إسرائيل، بعدد كبير من الصواريخ الباليستية والبحرية والطائرات المسيَّرة.
وتستمر سلطة الحوثيين في صنعاء في إجراءات منع مرور السفن الإسرائيلية أو المتجهة نحو موانئ إسرائيل بوتيرة عالية منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في ظل ما تخلفه هذه العمليات من تبعات اقتصادية بالغة على الاقتصاد الإسرائيلي والشحن التجاري العالمي، فيما يعتبر خبراء أن هجمات البحر الأحمر تشبه فرض حصار على إسرائيل بعرقلة وصول البضائع لأسواقها، في ظل الحصار والإبادة التي تطاول أهالي غزة.
وكشفت مصادر مطلعة في سلطة صنعاء، لـ"العربي الجديد"، عن رصد ما يقرب من 17 سفينة، منها نحو 12 سفينة، حاولت كسر قرار صنعاء، حيث أُوقِفَت بالقوة، وجميعها تابعة لشركات أجنبية كانت متجهة نحو الموانئ الإسرائيلية خلال الفترة الماضية منذ بدء العمليات على البحر الأحمر.
تأثير عمليات البحر الأحمر
وأكد خبراء اقتصاد أن هناك أضراراً اقتصادية كبيرة يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي، ولا سيما أن ميناء إيلات أحد أهم الموانئ التابعة لدولة الاحتلال على البحر الأحمر توقف بشكل شبه كلي نتيجة منع السفن من الوصول إليه، فضلاً عن أن عدداً من الشركات الملاحية أبلغت الجانب الإسرائيلي بالتوقف عن الإبحار إلى موانئها.
الباحث الاقتصادي مراد منصور، رأى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن على الشركات الملاحية الدولية أن توقف خدماتها في الشحن التجاري إلى الموانئ الإسرائيلية كما حدث مع شركات الشحن الصينية وغيرها لكي تجنب نفسها مخاطر الاستهداف.
وأعلنت جماعة الحوثي في أحدث بيان صادر عنها الأربعاء استمرارها في منع السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى موانئَ فلسطينَ المحتلة من الملاحة في البحرين العربي والأحمر حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة، فيما تؤكد قيادات في الجماعة أن عملياتها بددت عمليات أميركا وحضورها في البحرين الأحمر والعربي، ومحاولاتها لتدويل الممرات البحرية وعسكرتها رداً على الموقف اليمني الذي أربك كل أوراق تحالف حماية السفن الإسرائيلية الذي أعلنته الولايات المتحدة.
وبالفعل، قال عامي دانيال، الرئيس التنفيذي لشركة ويندوارد لمراقبة المخاطر البحرية، لموقع "غلوبس" الإسرائيلي إن المزيد من خطوط الشحن تتجنب مخاطر الإبحار إلى إسرائيل. لا يتذكر دانيال حدثاً لم يرقَ إلى مستوى الحرب الشاملة وسبّب تعطيل الملاحة والتجارة العالمية، ما أثر بشكل أساسي في سفن حلفاء الولايات المتحدة، مثل الوضع الحالي في البحر الاحمر.
وقال إن عملية "حارس الرخاء"، التي أطلقتها الولايات المتحدة في البحر الأحمر وتهدف إلى الرد على الهجمات، بدأت تتراجع. وشرح: "من الواضح أنّ الولايات المتحدة تقودها، وبريطانيا جزء منها، ولكن هناك دول مثل فرنسا وإسبانيا انضمت وخرجت من العملية، وعشر دول أخرى لم تحدد موقفها تماماً. هذا التحالف ضعيف التنظيم، والقوات تعمل بشكل مستقل من المحتمل أن يقوم الفرنسيون، على سبيل المثال، بحماية سفن الشركة الفرنسية CMA CGM بشكل أساسي، أما الهنود الذين لم ينضموا إلى العملية، فقد نشروا مدمرات في أعقاب الهجوم الإيراني، وهذه توفر حلاً بالقرب من الصومال". وينبع هذا جزئياً من خوف الدول من أن يُنظر إليها على أنها تقف إلى جانب إسرائيل، بحسب غلوبس".
وشرح دانيال: "لقد رأينا قباطنة يطلبون صراحة عدم مرافقة السفن الأميركية لهم، ويقولون: "أنا أفضل ألا أكون محمياً على أن يحميني الأميركيون. وهذا اتجاه جديد لم نشهده من قبل، وقد رأينا بالفعل عدة سفن تبث في تقارير مواقعها عبارة "ليس لدينا أي صلة بإسرائيل"، وذلك رداً على إعلان الحوثيين أنهم سيتجنبون أي سفينة تفعل ذلك.
العقوبات الصامتة
ولفت إلى أنه "تواجه إسرائيل خطر العقوبات الصامتة. فهي ليست مستهلكاً كبيراً أو مستورداً ومصدراً للبضائع، في حين أن الإبحار إليها أصبح أكثر خطورة. ويتزايد عدد أفراد الطاقم على عدد متزايد من السفن الذين يطلبون من مديريهم أن لا ينبغي أن يبحر في البحر الأحمر ولا يذهب إلى إسرائيل.
وتدعم خطوط الشحن هذا الاتجاه، مثل شركة كوسكو، التي أعلنت أنها لن ترسو في إسرائيل، وغيرها من الشركات التي تضع إدارة المخاطر بالاعتبار. الإبحار إلى إسرائيل يحمل المخاطر نفسها التي يحملها الإبحار إلى أوكرانيا". وأدت الهجمات إلى ارتفاع تكاليف الشحن وأقساط التأمين ارتفاعاً حاداً، لكن تأثيرها بتدفقات النفط جاء أقل من المخاوف مع استمرار شركات الشحن في استخدام الممر الرئيسي بين الشرق والغرب.
وكانت هناك 76 ناقلة محملة بالنفط والوقود في المتوسط يومياً في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن في ديسمبر/ كانون الأول، وهي المنطقة القريبة من اليمن والتي شهدت الهجمات. ويقلّ هذا العدد بمقدار سفينتين فقط عن متوسط شهر نوفمبر/ تشرين الثاني وبواقع ثلاث سفن فقط عن المتوسط خلال أول 11 شهراً من عام 2023، وفقاً لبيانات من خدمة ماري تريس لتتبع السفن.
ورصدت خدمة كبلر لتتبع السفن عبور 236 سفينة يومياً في المتوسط بمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن بأكملها في ديسمبر/ كانون الأول، وهو ما يزيد قليلاً على المتوسط اليومي البالغ 230 سفينة في نوفمبر. وذكرت ويز بوكمان أن التكلفة الإضافية للإبحار عبر طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا بدلاً من المرور عبر البحر الأحمر ستجعل رحلات توصيل النفط أقل ربحية.
وانخفضت حركة الناقلات في منطقة جنوب البحر الأحمر لفترة وجيزة بين 18 و22 ديسمبر/ كانون الأول عندما كثفت جماعة الحوثي هجماتها على السفن، لمتوسط 66 ناقلة، لكن الحركة استؤنفت بعد ذلك، وفقاً لخدمة ماري تريس. وتراجعت حركة سفن الحاويات في المنطقة بشكل أكثر حدة بنسبة 28 في المائة في ديسمبر مقارنة بنوفمبر مع انخفاضات حادة في النصف الثاني من الشهر بسبب تصاعد الهجمات، بحسب ماري تريس.
وأوضح تحليل بيانات لمجموعة بورصات لندن أن العديد من شركات النفط الكبرى والمصافي وشركات خدمات الشحن واصلت استخدام طريق البحر الأحمر. ووفقاً للتحليل عبرت السفينة دلتا بوسيدون التي تشغلها شركة شيفرون، قناة السويس والبحر الأحمر في نهاية ديسمبر/ كانون الأول في طريقها إلى سنغافورة.
وأظهرت البيانات أن السفينة سانمار سارود، التي تشغلها شركة التكرير الهندية ريلاينس، عبرت البحر الأحمر أيضاً في أواخر ديسمبر لتسليم مكونات البنزين للولايات المتحدة. عبرت ناقلات أخرى، تستأجرها وحدة كليرليك التابعة لشركة جانفور التجارية، وشركة التكرير الهندية بهارات بتروليوم، وشركة أرامكو تريدينغ السعودية، هذا الطريق في الأسابيع القليلة الماضية.
ويمكن لاستخدام البحر الأحمر أن يختصر حوالى 3700 ميل بحري لرحلة من سنغافورة إلى جبل طارق. أوقفت بعض الشركات مثل بي بي وإكوينور جميع عمليات العبور عبر البحر الأحمر مؤقتاً، وأعادت توجيه سفنها في المنطقة. وتشير بيانات شركة فورتسكا لتتبع السفن إلى أن 32 ناقلة على الأقل حولت مسارها أو سلكت طريق رأس الرجاء الصالح بدلاً من استخدام قناة السويس منذ النصف الثاني من ديسمبر.
وأضافت فورتسكا أن الناقلات التي يُحوَّل مسارها هي في الغالب تلك التي استأجرتها الشركات التي أعلنت تعليق الإبحار في البحر الأحمر مؤقتاً، أو تلك التي تديرها كيانات أميركية أو مرتبطة بإسرائيل.