استمع إلى الملخص
- يمنع الاحتلال دخول شاحنات المساعدات، مما يزيد من خطر المجاعة، حيث يواجه نحو 345 ألف شخص في غزة خطر الجوع الكارثي مع تراجع المساعدات والنزوح الداخلي.
- تتعرض غزة لدمار واسع بسبب العمليات العسكرية، مما يزيد من معاناة السكان في ظل غياب الدعم الدولي الفعال.
يعيش 400 ألف فلسطيني في محافظتي غزة والشمال في حصار إسرائيلي مشدّد وقاتل منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وسط شح شديد في المواد الغذائية الأساسية وعدم تمكن المواطنين من شراء احتياجاتهم في ظل استمرار العملية العسكرية البرية للأسبوع الثالث على التوالي.
ويشتد الحصار الإسرائيلي المفروض على محافظة شمالي القطاع ومخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين ومنطقة بيت لاهيا، حيث يمنع الاحتلال الإسرائيلي وصول شاحنات المساعدات المحملة بالأغذية لصالح السكان، في حين يسمح بعبورها بكميات شحيحة لا تكاد تكفي حاجات الفلسطينيين إلى مدينة غزة.
لا سلع في أسواق شمال غزة
ومع تصاعد العمليات البرية سجلت الأسعار ارتفاعات قياسية غير مسبوقة مقارنة بالفترة التي سبقت الأول من أكتوبر الجاري، في وقتٍ لا تمتلك فيه العائلات الفلسطينية الأموال الكافية لشراء ما يلزمها من سلع ومواد غذائية.
ويبدو المشهد المرتبط بالأمن الغذائي سيئاً للغاية في ظل حالة النزوح من منطقة لأخرى داخل مناطق الشمال ومدينة غزة والتحكم الإسرائيلي في عدد الشاحنات التي يسمح لها بالمرور إلى تلك المناطق، وسط تصاعد التحذيرات من انتشار المجاعة بشكل كبير.
وتخلو الأسواق والطرقات حتى من المعلبات التي كانت توصف بأنها ذات جودة منخفضة، حيث لا يجد الفلسطينيون إلا الطحين والخبز، وسط غياب تام للسلع الأساسية من خضروات ومعلبات تمكنهم من الصمود في ظل استمرار العملية العسكرية التي أوشكت على دخول شهرها الأول، فيما تعتبر الثالثة على التوالي منذ بداية الحرب الإسرائيلية.
وبحسب رصد "العربي الجديد"، فقد ارتفعت أسعار السلع الأساسية، مثل السكر، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى 150 شيكلاً إسرائيلياً، أما كيلوغرام الأرز فارتفع إلى 60 شيكلا، في حين بلغ سعر لتر زيت الطعام 80 شيكلاً. (الدولار = 3.78 شيكلات).
أغلى أسعار في العالم
أما أسعار المعلبات فسجلت هي الأخرى قفزات قياسية غير مسبوقة، إذ سجلت لحوم الدواجن المعلبة 35 شيكلاً إسرائيلياً للعلبة الواحدة، وارتفعت أسعار معلبات الفول إلى 15 شيكلاً للعلبة الواحدة، وبلغت كلفة علبة "الحلاوة" 30 شيكلاً، فيما سجلت أسعار معلبات التونة 25 شيكلاً للعلبة الواحدة و15 شيكلاً لعلبة السردين "الأسماك المعلبة".
ويعتبر غياب المساعدات وعدم إدخال الشاحنات عبر المعابر المختلفة السبب الرئيسي وراء الارتفاع الكبير في أسعار المعلبات والسلع، حيث لم تدخل أي شاحنة جديدة منذ الأول من أكتوبر الجاري بالرغم من المزاعم الإسرائيلية بوجود قرار من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإدخال 250 شاحنة لتفادي تقليص المساعدات العسكرية التي يحصل عليها الاحتلال من أميركا.
وحسب نائب مدير شؤون الأونروا في غزة سام روز، فإنه لا تصل تقريباً أي إمدادات إلى غزة وعاد الوضع في المدينة ومنطقة الشمال إلى ما كان عليه في شهر أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي مع انطلاق العملية العسكرية الإسرائيلية وحرب الإبادة.
وذكر روز في تصريح وزعته أونروا على الصحافيين أنه لا تصل أي مساعدات إلى جنوب غزة، حيث إن هنالك 1.7 مليون شخص محاصرون، أو إلى الشمال، في جباليا، حيث تم قطع الإمدادات الأساسية عن أكثر من 100 ألف شخص لأكثر من 3 أسابيع.
سياسة التجويع والحصار القاتل
ويأتي كل هذا بالتزامن مع إغلاق جيش الاحتلال لآخر معبر في قطاع غزة منذ 169 يوماً، وإحكام الحصار بشكل خانق على جميع محافظات قطاع غزة، قام خلالها بمنع إدخال أكثر من رُبع مليون شاحنة مساعدات وبضائع منذ بدء حرب الإبادة الجماعية ويواصل تعزيز سياسة التجويع، وخاصةً في محافظة شمال القطاع وفي جباليا تحديداً، وفق بيان للمكتب الإعلامي الحكومي، صدر أمس الثلاثاء، ذكر فيه أنّ ذلك يأتي في إطار استخدام التجويع سلاحَ حرب ضد المدنيين وضد الأطفال خصوصاً من خلال منع إدخال الغذاء وحليب الأطفال والمكملات الغذائية، وهو ما يُعدّ جريمة ضد الإنسانية.
في الأثناء، يتحدث الفلسطيني محمد المجبر عن غياب السلع وعدم وجود أي مخزون لدى العائلات الفلسطينية المحاصرة في مناطق الشمال فضلاً عن ارتفاعها في مناطق مدينة غزة بشكل كبير يقارب ما كان عليه الحال مع بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع.
ويقول المجبر لـ"العربي الجديد": "تم حصارنا منذ بداية العملية العسكرية في مخيم جباليا وخرجنا نحو المناطق الغربية لمدينة غزة، غير أنه لا توجد أي سلع أو مواد غذائية، وما هو متوفر مرتفع الكلفة ولا نستطيع شراءه".
ويضيف: "الاحتلال يقوم بقتلنا بالتهجير والتجويع والعالم يشاهدنا بصمت ولا يتحرك لإدخال المساعدات أو توفير الأكل لنا، ويوفر الحماية للاحتلال للاستمرار في قتلنا، والأطفال يحتاجون للأكل هم وكبار السن".
تضاعف أسعار السلع 5 مرات
سبق أن طالبت الإدارة الأميركية الاحتلال الإسرائيلي بالسماح بإدخال المساعدات الغذائية إلى مناطق غزة والشمال، غير أن الاحتلال لم يدخل أي شاحنات جديدة، فيما عادت واشنطن لالتزام الصمت تجاه حالة التجويع المتبعة.
أما الفلسطيني علاء الدريوي فلا يجد لعائلته ما يسد رمقها في ظل محاصرته مع عائلته في منطقة بيت لاهيا ومشروعها وحالة الحصار المطبق الذي فرضته القوات الإسرائيلية التي تسيطر بالقوة النارية على المنطقة.
ويقول الدريوي لـ"العربي الجديد"، إنه لا يجد ما يأكله هو وعائلته في ظل الحصار الإسرائيلي الحالي لمناطق الشمال وعدم وجود أسواق وارتفاع أسعار السلع بنسبة تصل لخمسة أضعاف ما كانت عليه قبل بداية شهر أكتوبر الجاري.
ويتحدث عن أن المعلبات المتوفرة لا تكفي إلا ليومين أو ثلاثة على الأقل، وهي بجودة منخفضة للغاية وبعضها اقترب من التلف نتيجة النزوح من منطقة لأخرى وعدم امتلاك العائلات أي مستلزمات تمكنها من الحفاظ على صحة الطعام.
ووفقاً لمنظمات حقوقية فلسطينية، فقد استشهد نحو 50 ألف فلسطيني منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع بفعل التجويع وانعدام الأمن الغذائي، معظمهم في المناطق الشمالية من القطاع، فضلاً عن حالات أخرى لم توثق بفعل انقطاع الاتصالات وعدم مقدرة الجهات الصحية على رصدها.
انعدام كارثي للأمن الغذائي
أظهر تقرير صدر الأسبوع الماضي عن الأمم المتحدة أن نحو 345 ألفا من سكان قطاع غزة سيواجهون جوعا "كارثيا" هذا الشتاء في ظل تراجع تدفق المساعدات الإنسانية، محذرا من خطر توسع المجاعة في مختلف أنحاء القطاع. وأشار التقرير إلى أن هذا العدد مقارنة بـ133 ألف شخص مصنفين حاليا بأنهم يعانون من "انعدام كارثي للأمن الغذائي".
وفي تقرير "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" (إي بي سي)، تم التأكيد على أن زيادة المساعدات الإنسانية خلال الصيف ساهمت في تخفيف معاناة أهالي غزة، ولكن في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، تم تسجيل دخول كمية أقل من الإمدادات التجارية والإنسانية إلى القطاع، الأمر الذي يثير القلق.
وتتعرض غزة، ولا سيما شمالها، إلى أكبر حرب إبادة في العصر الحديث، حسب منظمات دولية، إذ قال محقق الأمم المتحدة المستقل المعني بالحق في السكن الملائم بالاكريشنان راجاجوبال، يوم الجمعة الماضي، إنّ غزة تعرّضت لـ"وابل غير مسبوق من الدمار" منذ أن شنت إسرائيل حربها على القطاع المحاصر في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
وأضاف راجاجوبال أنّ "وحشية" الدمار في غزة لم تظهر في الصراعات في سورية وأوكرانيا. وتابع راجاجوبال قائلاً إنه بحلول يناير/ كانون الثاني 2024، كان قد تم تدمير ما يراوح بين 60% و70% من جميع المنازل في غزة، وفي شمال غزة كانت النسبة 82% من المنازل. وأضاف أنّ "الأمر أسوأ بكثير الآن"، خاصة في الشمال الذي تقترب فيه نسبة التدمير من مستوى 100%.