- البنك المركزي في عدن حذر من التعامل مع العملة الجديدة، بينما اعتبرتها سلطات صنعاء إنجازاً ورداً على العدوان وتأثيره على العملة الوطنية، مشيرة إلى أنها لن تؤثر على أسعار الصرف.
- الأزمة النقدية تتعمق بسبب اختفاء العملة المعدنية وتلف الأوراق النقدية، مما أدى إلى أزمة في التعاملات اليومية وتعميق الانقسام السياسي والاقتصادي، مع توقعات بإجراءات مستقبلية مثل النقد الإلكتروني أو طباعة عملات جديدة.
أعلنت حكومة صنعاء التي تسيطر عليها جماعة الحوثي أول من أمس، إصدار عملة معدنية من فئة 100 ريال يمني، وقررت بدء تداولها أمس الأحد، رغم رفض حكومة عدن المعترف بها دولياً لهذا القرار الذي اعتبرته غير شرعي، واصفة العملة الجديدة بالمزورة.
وأثارت هذه الخطوة جدلاً واسعاً في البلاد بعد أيام من التكهن والتداول للخطوة التي قالت سلطة صنعاء إنها ستتخذها لمعالجة مشكلة الأوراق النقدية التالفة.
وأشارت سلطة صنعاء إلى أن هذا الإصدار سيعقبه إصدار أخر للعملات المعدنية للفئات الأقل من 100 ريال، مؤكدةً أن طرح هذه الفئة الجديدة من العملة لن يؤثر على أسعار الصرف كون الإصدار خصص لاستبدال العملات التالفة ولن تكون هناك إضافة إلى أي كتلة نقدية معروضة.
يأتي ذلك في الوقت الذي يلاحظ فيه اختفاء كلي للعملة المعدنية التي كانت متداولة من فئة 10 و20 ريالاً مع وصول الأمر إلى تلاشي العملة الورقية من الفئات الصغيرة واندثارها؛ 50 و100 و200 و250 ريالاً، وترفض سلطة صنعاء منذ العام 2020، قبول تداول الأوراق النقدية المطبوعة من الحكومة المعترف بها دولياً في الوقت الذي يتم فيه تداول أوراق نقدية تالفة لم تعد صالحة للاستخدام.
"عملة مزروة"
كان البنك المركزي الحكومي في عدن قد استبق إعلان سلطة صنعاء، بإصدار بيان حذر فيه من التعامل أو القبول بما قال إنها "عملة مزورة"، كما أصدر بياناً آخر عقب إعلان الحوثيين صك العملة المعدنية من فئة 100 ريال، وفيه أبدى رفضه لهذا الفعل الذي وصفه بالتصعيدي الخطير وغير القانوني، والذي لا يأخذ بالاعتبار أي شكل من مشكلات المواطنين. ولفت إلى أنه يحتفظ بحقه القانوني في اتخاذ الإجراءات القانونية الاحترازية لحماية الأصول المالية للمواطنين والمؤسسات المالية والمصرفية.
وحمّل "المليشيات الحوثية تبعات هذا التصعيد اللامسؤول وما يترتب عنه من تعقيد وإرباك في تعاملات المواطنين والمؤسسات المالية والمصرفية داخلياً وخارجياً".
حل مؤقت
في السياق، اعتبر الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن صك العملة حلّ مؤقت لجأ إليه الحوثيون للتعامل مع الأوراق النقدية التالفة من الفئات الصغيرة وكذلك من الفئات الكبيرة من فئة 500 و1000 ريال، والهدف منه توفير فكة من العملة المعدنية، لكن عملياً وفق حديث العوبلي؛ أصبحت الورقة النقدية فئة 500 ريال فكة أيضاً.
تعتبر سلطات صنعاء صك هذه العملة المعدنية إنجازاً أهدته للشعب اليمني، والذي جاء، وفق ما أكدت في مؤتمر صحافي عقدته قيادة البنك المركزي في العاصمة اليمنية التابع للحوثيين، نتيجةً لما وصفته بالعدوان الظالم على اليمن وحربه على العملة الوطنية وتسبّبه تراجع قيمتها مقابل العملات الأجنبية وانخفاضها مقابل الدولار الواحد من 215 إلى 530 ريالاً سعر الصرف المتداول في مناطق نفوذها. يذكر أن سعر الدولار في المناطق الخاضعة لحكومة عدن يبلغ نحو 1660 ريالاً.
وتحولت فئة 100 ريال الورقية من عملة أساسية إلى عملة مساعدة يتداولها كثيراً أبناء الشعب، والذي جعل معالجة العملات المساعدة أولوية لدى البنك في صنعاء، ولذلك جاء الإصدار المعدني لفئة 100 ريال نظراً إلى طول العمر الافتراضي للعملات المعدنية مقارنة بالعملات الورقية، بحسب المركزي في صنعاء.
ويرى العوبلي أن أي إجراء يتخذه الحوثيون غير قانوني باعتبارهم سلطة غير شرعية، ولن يكونوا قادرين فيها على صك كمية كبيرة منها لأنها في الأخير ليست عملية لأن فيها مخاطرة وكثيراً من التعقيدات والمشكلات، إضافة إلى عدم وجود أي قيمة لها لأنها لا تستخدم إلا بصورة محدودة في التعاملات اليومية البسيطة مثل دفع أجرة مواصلات داخلية في حال استعمال الباصات الصغيرة والمتوسطة والحافلات، لذا هو حل مؤقت، وقد تكون هذه الخطوة مقدمة لطباعة نقود ورقية.
وأضاف أن عملية الصك تتم في صنعاء، أما الطباعة الورقية فيختلف الأمر لأن العملية تنجز خارجياً، وتحتاج إلى جهة قانونية تتولى هذا الإجراء.
أزمة الفكة
ولم تعد العملة المعدنية تشاهد إلا نادراً في التداولات اليومية في مختلف المناطق اليمنية في مؤشر واضح يدل على أزمة انخفاض كبيرة في مختلف فئاتها المتداولة.
تعتبر سلطات صنعاء صك هذه العملة المعدنية إنجازاً أهدته للشعب اليمني
كما أن العملة المعدنية المعتمد تداولها في اليمن كانت تتركز فقط في فئة 10 ريالات و20 ريالاً، في حين لم يعد هناك أي وجود لفئة 5 ريالات منذ نحو 15 عاماً، إذ لم يتم صك أي عملة معدنية في اليمن منذ نحو عقدين من الزمن.
وأدى انعدام العملة المعدنية "الفكة" مع تلف الأوراق النقدية الصغيرة من فئة 50، 100، 200، 250 ريالاً واندثارها، إلى تفجير أزمة فكة في التعاملات اليومية التي تجري في الأسواق ومحال البيع بالتجزئة، وفي وسائل النقل مثل الباصات العاملة بين المدن، وتطور ذلك إلى نشوب خلافات واسعة تصل في بعض الأحيان إلى اشتباكات بالأيدي بين مستخدمي هذا النوع من المواصلات وسائقي الباصات ومركبات النقل.
بدورهم، يرى خبراء اقتصاد أن طباعة نقود جديدة من "مركزي صنعاء" قد تحقق أهدافاً تكتيكية وقصيرة المدى، لكنه بالتأكيد يمثل إخفاقاً كبيراً في البعد الاستراتيجي للدولة وللاقتصاد الوطني، لأن طباعة نقود جديدة من دون التنسيق والتفاهم مع البنك المركزي في عدن يعمق الانقسام السياسي والتشطير الاقتصادي لليمن الموحد.
من جانبه، يعتقد الباحث المالي والاقتصادي وحيد الفودعي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هذا الإجراء من سلطة صنعاء مجرد قياس لرد الفعل لدى الحكومة المعترف بها دولياً، ومدى قبول المواطنين به، ثم ستأتي بعد ذلك خطوات أخرى قد تشمل النقد الإلكتروني، وطباعة عملات ورقية أو صك نقود معدنية، أو مزيجاً من الخيارين.