من المتوقع أن تتعمق الأزمة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، عقب توجيه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بتجميد أموال المقاصة الفلسطينية وعدم تحويلها إلى السلطة، ما من شأنه أن يخفّض مصادر دخل 245 ألف عاملٍ ومتقاعد في الوظيفة العمومية أو ممن يتقاضون المخصصات الشهرية من الحكومة، إضافة إلى تعطّل الحركة النقدية في السوق، عدا عن توسّع الأزمة بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي.
ووفق اتفاقية باريس الاقتصادية التي وقعت بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، في التاسع والعشرين من إبريل/نيسان 1994، فإن إسرائيل تقوم بمهمة جمع الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية مقابل واردات الفلسطينيين على السلع المستوردة، وتحول الأموال إليها شهريًا، بمتوسط 750 مليون شيكل (190 مليون دولار).
تراكم الأزمات
انعكاسات قرار وزير مالية الاحتلال، من المقرر أن تدفع السلطة الفلسطينية لعدم الإيفاء بالتزاماتها المادية تجاه مختلف القطاعات، ومن أبرزها: تسديد رواتب للموظفين، وصرف النفقات اليومية، وسداد الديون الواجبة عليها للبنوك والقطاع الخاص، حيث بلغت ديون السلطة الفلسطينية عام 2022، نحو 12.5 مليون شيكل (الدولار = 3.98 شواكل)، وفق الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة، كما يوضح الخبير الاقتصادي الفلسطيني نبهان عثمان في حديث لـ "العربي الجديد".
ووفق عثمان، فإن إدارة السلطة الفلسطينية للملف الاقتصادي بشكل خاطئ وعدم أخذ العبر من التجارب السابقة خلال السنوات الماضية، التي استخدمت فيها إسرائيل "سلاح المقاصة" في مرات عديدة، أدى لتراكم الأزمات الاقتصادية.
ويقول الخبير الاقتصادي: "كان يجب على السلطة أن تبحث عن مصادر دخل أخرى غير جباية الضرائب التي تديرها إسرائيل، وذلك عبر التسهيلات الاقتصادية للمشاريع الناشئة ودعم القطاعات المنتجة مثل القطاع الزراعي، والأخذ بتوصيات واستشارات مؤسسات أهلية اقتصادية وخبراء، لكن ذلك كله لم يحدث".
أزمة يدفع ثمنها الموظف
تشكّل رواتب الموظفين العموميين ما نسبته 46 بالمائة من موازنة السلطة الفلسطينية، وما تبقى من 54 بالمائة تعتبر نفقات أخرى لمؤسسات السلطة، كما يوضح عثمان، الذي أكد أن تحمل الموظفين لعبء الخصم الإسرائيلي أمر مجحف بحقهم، إذ كان الأجدر أن تتحملها مؤسسات السلطة التي لا فائدة من عملها، وفق تعبيره. يشير الخبير الاقتصادي إلى أن أزمة المقاصة ستطاول الحركة النقدية في الأسواق الفلسطينية؛ لأنها تعتمد على رواتب الموظفين التي ستنخفض بعد الخصم، كما تعتمد على الحركة الشرائية للعمال الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، وهي أيضًا معطّلة.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2021 يتقاضى الموظف الفلسطيني لدى السلطة، رواتب منقوصة تقدر بـ 80 بالمائة من الراتب الأساسي، جرّاء الاقتطاعات الإسرائيلية المتكررة لأموال المقاصة، والتي تقدر بنحو ملياري شيكل منذ بداية عام 2019 حتى نهاية 2022.
ما الحل؟
يؤكد عثمان في إجابته حول الحلول الممكنة بيد السلطة لمواجهة الأزمة، أن "الأصل الآن تقليل النفقات حيث إن أكثر من 60 مليون شيكل تصرف نفقات لمركبات السلطة على سبيل المثال، عدا عن نفقات الوزارات والسفارات والسفر ورواتب المستشارين، وامتيازات الوزارات، كل هذه النفقات يجب التخفيض منها، ولا ينبغي اللجوء للحلول المعتادة برفع نسبة الضريبة والجمارك".
بدوره، يرى مدير مركز مسارات لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية، هاني المصري في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إسرائيل تريد من السلطة الفلسطينية أن تبقى أكثر طواعية لها حتى تستمر في الحصول على مستحقاتها، ورغم ذلك فإن الاقتطاعات المالية مستمرة. يقول المصري: "إن قرار سموتريتش لا يصدر عنه وحده في هذه الظروف، بل بتوجيهات من المجلس الحربي المصغر (الكابينت) بقيادة بنيامين نتنياهو، وبالتالي قرار اقتطاع الأموال يعني أن الاحتلال لا يريد سلطة فلسطينية بالشكل الحالي، ويسعى لإيجاد سلطات محلية بلا هوية وطنية".
المشكلة لدى السلطة الفلسطينية وفق المصري، هي عدم إدراكها أن مشهد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، غيّر المشهد السياسي في المنطقة، لكنها رغم ذلك لن تتخذ خطوات تصعيدية ردًا على قرار سموتريتش. ويقول المصري: "لن تستطيع السلطة اتخاذ موقفٍ لوحدها، وسط إمكانية دعم مادي سعودي يسد مسد الاقتطاع الإسرائيلي بعد أن قدّمت السلطة الفلسطينية شكلًا من أشكال الطاعة للمملكة السعودية، إضافة لعدم اتخاذها موقفًا من قتل ما يقارب 10 آلاف فلسطيني في العدوان على غزة، وبالتالي لن تحركها الاقتطاعات المالية، إلا إن حصل حراك شعبي واسع في الشارع الفلسطيني".