بعد فشل الهدنة بين الطرفين المتصارعين، خرجت الأوضاع المعيشية في السودان عن السيطرة بشكل شبه كامل، جراء الحرب الدائرة دون توقف رغم مساعي التهدئة من أطراف إقليمية ودولية.
5 أيام عاشها السودانيون وسط جحيم الرصاص وشح الغذاء وانقطاع الكهرباء والماء. وحسب مواطنين وتجار تحدثوا لـ"العربي الجديد"، اختفت معظم السلع الاستهلاكية من متاجر الأحياء وتضاعفت أسعار ما تبقى منها، فيما امتنع كثير من التجار عن بيع بعض المواد الغذائية.
وخرجت معظم مخابز الخرطوم عن الخدمة نتيجة لانعدام حصص الدقيق التي كانت تصلها من المخازن الرئيسة بسبب إغلاق الطرق، رغم طمأنة الجهات المختصة بأن المخزون يكفي لأكثر من شهر كامل. كما يواجه المواطنون أزمة كهرباء وانقطاع شبه دائم للمياه، ويأتي ذلك في الوقت الذي توقفت فيه جميع محطات الوقود عن تقديم الخدمة نتيجة للقصف المتواصل في الطرقات الرئيسية بمحليات الخرطوم.
وفي الإطار ذاته، شهدت أسواق ولاية الخرطوم حرائق كثيفة جراء القصف المدفعي الكثيف رغم أنها ظلت مغلقة منذ السبت الماضي، حيث أشار بعض التجار إلى أن الخسارة ستكون كبيرة بسبب عدم تمكنهم من الوصول إلى محالهم التجارية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وارتفعت أسعار السلع الغذائية في متاجر الأحياء بصورة كبيرة، خاصة الدقيق والسكر والأرز والعدس، كما اختفت الزيوت عن أرفف المتاجر.
ويواجه التجار صعوبات في تخزين السلع بعد إغلاق جميع الطرق المؤدية إلى الولايات من قبل الجيش وقوات الدعم السريع.
في الأثناء، انتشرت في المدن والأحياء المحاذية لمعسكرات قوات الدعم السريع عناصر من تلك القوات وبدأوا في شراء كميات كبيرة من الأغذية من المحال التجارية، وهو ما ساهم في خلق أزمات إضافية للمواطنين.
وفي هذا السياق، قال التاجر محمدين إبراهيم لـ"العربي الجديد"، إنه ظل يعمل لمدة ثلاثة أيام في متجره بالبضاعة القديمة، حيث لا وارد من الأسواق نتيجة لاحتراق كثير منها بجانب الإغلاق الذي تشهده الخرطوم.
وأضاف: "أنا أعمل لتغطية مصروفات المنزل فقط في الفترة الصباحية رغم الطلبات الكثيرة من المواطنين المتمثلة في الدقيق والسكر والأرز والعدس والزيت"، وتابع: لقد نفدت كثير من الأصناف وهذا أمر غير جيد، فإذا استمرت الحرب أكثر من يومين آخرين فستختفي أصناف عديدة من المواد الغذائية.
أما صاحب مخبز جنوب أم درمان عمار آدم، فقال إن هناك شحا في الدقيق وأزمة في الغاز والجازولين، وأضاف: بدأنا في ثاني أيام الحرب بتقليص حجم رغيف الخبز، وحاليا نعمل وردية واحدة فقط صباحا، وسوف نتوقف تلقائيا لنفاد المخزون لدينا رغم طمأنة الحكومة بوجود مخزون كاف في مخازنها.
وقال آدم إن جوال الدقيق زنة 25 كيلوغراما ارتفع سعره من 9 آلاف إلى 20 ألف جنيه وهو غير متوفر، وتابع: نحن الآن نعمل بالخسارة دون وجود كهرباء، حيث نعتمد على المولدات الذاتية رغم ارتفاع أسعار الجازولين، حيث بلغ سعر الغالون الواحد 10 آلاف جنيه في السوق السوداء.
وكانت وزيرة التجارة والتموين السودانية آمال صالح قد قالت في تصريحات، أول من أمس الثلاثاء، لـ"العربي الجديد"، إن مخزون البلاد من السلع الاستراتيجية المستوردة يكفي لأكثر من شهر.
وأشارت صالح إلى أن معظم المواطنين تمكنوا من توفير احتياجاتهم من السلع الغذائية (السلة) قبل شهر رمضان، معربة عن أملها في سرعة الوصول لحل جذري للمشاكل الراهنة بين الجيش وقوات الدعم السريع "حتى تتمكن الأسواق والمحال التجارية ومصانع المنتجات الغذائية التي أغلقت أبوابها منذ السبت الماضي، من ممارسة نشاطها المعتاد في طرح مخزونها من السلع للمواطنين".
ويتواصل القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، فيما تستمر الدعوات العربية والدولية لحث الطرفين على وقف إطلاق النار وحلحلة الخلافات بالحوار.
ومن جانبه، توقع المحلل الاقتصادي محمد آدم الزين أن يثور الناس مجددا إذا استمرت الحرب لفترة طويلة بسبب الجوع الذي سيلحق بكل مكونات الشعب السوداني لنفاد المخزون ووقف الأعمال والإنتاج وخروج المصانع عن العمل وتفاقم البطالة كما شهدت كثير من المنشآت المهمة تدميرا شاملا، خاصة المخازن والمصانع.
وأكد المحلل الاقتصادي أن إصلاح أو ترميم ما دمرته الحرب وخاصة البنية التحتية، يحتاج لفترات طويلة، ما يعني مفاقمة معاناة المواطنين.
وتخوف الزين من أن تنقلب الأمور للأسوأ بانعكاسات مجتمعية خطيرة يمكن أن تؤدي إلى انفلات أمني ومجتمعي خطير في سبيل البحث عن لقمة العيش، كما ظهر ذلك في بعض الولايات السودانية، ما يعني تفكك المنظومة المجتمعية والذي قد يقود إلى حرب شوارع أوسع وأخطر من الحالية.