حرب الأسعار في تونس: منتجو الغذاء يعاندون الحكومة ويرفضون إجراءاتها الأخيرة

31 أكتوبر 2021
المواطنون يعانون من موجات غلاء كبيرة للسلع الضرورية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

رفض المنتجون مجدداً التدخلات الحكومية لتحديد أسعار مواد غذائية رئيسية، مطالبين بالتشاور مع الهيئات المهنية في تونس قبل فرض سياسة الأمر الواقع التي تهدد هوامش ربحهم وإمكانيات تواصل الإنتاج للمنظومات الغذائية.
وأخيراً، أعلنت وزارة التجارة تحديد أسعار قصوى وهوامش ربح عند توزيع مادتي البيض المعد للاستهلاك والأسماك، ودعت الوزارة "كافة المتدخلين إلى التزام واجب تزويد السوق عبر مسالك التوزيع المنظمة وتطبيق الأسعار والهوامش المحددة".
وقالت وزارة التجارة في بلاغ لها إن "كل مخالف للأسعار والهوامش المحددة من قبل الإدارة، معرض لتسليط أقصى العقوبات المنصوص عليها بالقوانين الجاري بها العمل".

ويأتي التدخل الحكومي لتحديد هوامش الربح عن البيع بالجملة والتجزئة بعد قفزات متتالية شهدتها أسعار الدواجن والبيض والسمك ومختلف المواد الغذائية، ما سبّب ضغوطاً غير مسبوقة على نفقات الأسر التونسية التي أنهكها الغلاء.

لكن منتجي الغذاء يرفضون الامتثال للقرارات الحكومية دون فتح مشاورات مع هياكلهم المهنية، مطالبين بتجنّب القرارات التي تسبّب "تصادماً" بين المنتجين والسلطة ممثلة بوزارة التجارة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويرى عضو منظمة المزارعين، فتحي بن خليفة، في تحديد هوامش الربح بقرارات أحادية، ضرباً لمنظومات غذائية لا تزال تقاوم وضعاً صعباً من أجل توفير العرض في الأسواق.
وقال بن خليفة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تحديد هوامش الربح دون مراعاة تفاقم كلفة الإنتاج، والتدخل لخفض أسعار أعلاف الدجاج يهدد بانهيار المنظومة وشحّ الإنتاج الذي سيترتب عنه ارتفاع قياسي في الأسعار، لن تتمكن السلطة من السيطرة عليه.
ودعا عضو منظمة المزارعين إلى فتح حوارات مع الهياكل المهنية للقطاعات المنتجة للغذاء من أجل إيجاد حلول تضمن التوازن لكل المتدخلين في حلقات الإنتاج، وتساعد على توفير منتج بأسعار مقبولة.
وانتقد بن خليفة قرار وزارة التجارة تحديد الأسعار القصوى لسعر البيض، دون التشاور مع المنتجين، معتبراً أن "تحديد التسعيرة أحادية الجانب سيؤدي وجوباً إلى تعكّر الأجواء وتصادم بين المُنتجين والوزارة".
واعتبر أنّ التسعيرة الحكومية مجحفة في حق المنتجين بسبب عدم مراعاة الكلفة الحقيقية للإنتاج، مشيراً إلى أن أسعار علف الدواجن سجلت ارتفاعاً كبيراً، وأن منتجي البيض سجلوا خلال الـ 6 سنوات الفارطة خسارة تقدّر بـ100 مليار دينار، وفق تقديرات الهياكل المهنية.
وبسبب الغلاء المتصاعد وتراجع دخول الأسر، أخذت علاقة التونسيين بالدواجن ومنتجاتها التي توفر نحو 70 من البروتينات للتونسيين منحىً جديداً تسارعت وتيرته هذا العام مع تسجيل أسعار لحوم الدجاج زيادة لا تقل عن 60% في الفترة بين أغسطس/ آب من العام الماضي والشهر نفسه من 2021، فيما سجل سعر البيض زيادة 16 بالمائة خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي.
وتستغل منظمات المزارعين في تونس أزمات غلاء موادّ استهلاكية، لإقناع الحكومة بالتحرير الشامل للأسعار، معتبرة أن نظام تحديد الأرباح يضعف قدرة المنظومات الزراعية على التطور، ويهدد بوقف الاستثمار الزراعي وإحالة ربع مليون تونسي على البطالة.

وحذّر رئيس غرفة الدواجن في النقابة الوطنية للفلاحين، وسيم بوخريص، من تداعيات ارتفاع كلفة الإنتاج في قطاع الدواجن على سعر المنتجات النهائية، معتبراً أن عدم تدخل الدولة لدعم الفلاحين والمربين يزيد في الكلفة ولا يساعد على خفض الأسعار.
وقال بوخريص في تصريح لـ"العربي الجديد" إن عرض البيض قد ينخفض وينحصر في البيض المعلّب الذي تستأثر المتاجر الكبرى ببيعه، منبهاً من تصاعد قياسي لأسعاره.
واستنكر رئيس غرفة الدواجن قرار تسعير منتجات الدواجن أخيراً، دون الرجوع إلى أصحاب المهنة والمنتجين مقابل خضوع الأعلاف المركبة لحرية الأسعار.
ويقول العاملون في المهن الزراعية ومنظومات الإنتاج الغذائية، إن التدخل الحكومي في سياسة الأسعار يحدّ من قدرتهم على تطوير الإنتاج، ويسبّب خسائر كبيرة في منظومات أساسية، على غرار البيض والألبان واللحوم، داعين إلى اعتماد سياسة التحرير التامّ للأسعار.
ومثّل الخلاف على سعر البيض الذي تعيش على وقعه السوق التونسية محفزاً للمنتجين، لمطالبة وزارة التجارة بكفّ يدها عن السوق والسماح للمنتجين بتحديد الأسعار تماشياً مع الكلفة، بحسب مبرراتهم.
وتصاعدت ما بعد 25 يوليو/ تموز الماضي، معركة كسر العظام بين السلطة وكارتلات الغذاء التي دخلت في مواجهة غير مباشرة مع الرئيس قيس سعيد، بسبب إعلانه ما وصفها بـ"حرب التصدي للمحتكرين والمضاربين"، بهدف حماية قوت المواطنين من الغلاء القياسي الذي يعيش على وقعه التونسيون.
تشهد أسواق تونس بسبب حرب الكرّ والفرّ بين السلطة والكارتلات نقصاً في تزويد مواد أساسية، ومنها زيت الطهو والمياه المعدنية إلى جانب ارتفاع قياسي في أسعار اللحوم البيضاء ومشتقات الدواجن.