آلاف الأردنيين مهددون بالحبس. السبب، عدم قدرتهم على سداد ديونهم. "قانون التنفيذ" يجيز السجن للمدينين المتعثرين. الشارع يضغط لإلغاء العقوبة، مع تصاعد الفقر والبطالة وتردي الأوضاع المعيشية بسبب ارتدادات أزمة كورونا. المصارف والشركات المالية تطالب بالإبقاء عليها لحفظ حقها في استرداد القروض. أما الحكومة الأردنية فهي بين حدي الكماشة، مع تزايد الضغوط الشعبية من جهة، والمصرفية من جهة أخرى.
ويراقب الشارع الأردني باهتمام مخرجات اللجنة المكلفة دراسة القانون، وتضم ممثلين عن القطاعين العام والخاص، وتعمل على اقتراح التعديلات اللازمة في ما يتعلق بالسجن والعقوبات الجزائية على الشيكات من دون رصيد. وبعد إنهاء اللجنة توصياتها، ترسلها إلى مجلس الوزراء لإقرارها ومن ثم يتم إرسال القانون إلى مجلس النواب. و
ذكر مصدر مطلع لـ "العربي الجديد" أن اللجنة أقرت مبدئيا بعض التوصيات من بينها إلغاء العقوبة الجزائية عن أصحاب الشيكات من دون رصيد خلال فترة محددة وتخفيض قيمة التسويات من 25 إلى 15 في المائة، ووضع نص جزائي على الربا الفاحش ليصبح هناك عقوبة عليه، وكذا تخفيض مدة الحبس إلى 60 يوما عن الدين الواحد و120 يوما مهما بلغت الديون وعدم حبس الأشخاص ممن يزيد عمرهم عن 65 عاماً.
وأعدت اللجنة دراسة حول حجم الديون على المطلوبين فوجدت أن 57 في المائة منها أقل من ألفي دينار فقررت إلغاء حبس أصحاب الديون التي تبلغ قيمتها ألفي دينار بشكل متدرج.
وتصاعد الجدل بين مؤيدي إلغاء عقوبة حبس المدين ورافضيه، استنادا إلى عدد من المسوغات القانونية والاجتماعية والاقتصادية والتي يراها كل طرف من زاويته. والحكومة بحسب ما أكدته مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد"، ستحاول حمل العصا من المنتصف والبحث عن معادلة توائم بين حقوق الدائن وفي نفس الوقت عدم حبس المدين.
ارتفاع عدد المتعثرين
وصدر قانون التنفيذ في إبريل/ نيسان 2007. وتنص المادة 22 من القانون على أنَّه يحق للدائن حبس مدينه إذا لم يسدد الدين أو يعرض تسوية تتناسب مع مقدرته المادية خلال مدة الإخطار، على ألّا تقل الدفعة الأولى بموجب التسوية عن 25 في المائة من المبلغ المحكوم به ويجب ألّا تتجاوز مدة الحبس 90 يوما في السنة الواحدة عن دين واحد.
وبحسب المادة 23 من القانون، لا يجوز حبس موظفي الدَّولة ومن لا يكون مسؤولا بشخصه عن الدين، والمدين الذي لم يبلغ 18 عاماً، والمجنون، والمدين المفلس، والحامل حتى انقضاء 3 أشهر بعد الوضع، وأم المولود حتى إتمام المولود سنتين من عمره. وتوقع مقرر اللجنة المالية في مجلس النواب ضرار الحراسيس، أن يرتفع عدد المتعثرين ماليا خلال العام الحالي بسبب تداعيات جائحة كورونا وضعف النشاط الاقتصادي.
وقال لـ"العربي الجديد" إن على الحكومة الإسراع بإجراءات تعديل قانون التنفيذ لتفادي كارثة اجتماعية وإنسانية تهدد الأردن بسبب الارتفاع المتزايد في أعداد المتعثرين ماليا سواء من الأفراد أو رجال الأعمال والمستثمرين.
وبحسب بيانات البنك المركزي الأردني، تجاوزت مديونية الأفراد في الأردن 15 مليار دولار وهو الرقم الموثق في كشوفات البنوك المحلية، فيما هنالك مديونية لجهات أخرى غير المصارف، ما يرفع حجم ديون الأفرد عن هذا المبلغ بكثير.
وقال وزير العدل بسام التلهوني قبل تقديم استقالته من الحكومة أخيراً، إن مراجعة قانون التنفيذ رقم 25 لسنة 2007 وتعديلاته ستكون بالاستماع لوجهات النَّظر كافة المعنية بهذا القانون، وصولاً إلى تحقيق العدالة لكلِّ الفئات.
وأشار إلى قرار رئيس الوزراء بشر الخصاونة بتشكيل لجنة لمراجعة القانون برئاسة وزير العدل وعضوية 16 شخصًا من أصحاب الاختصاص والعلاقة للاستماع لملاحظاتهم ومراجعتها، حيث إنَّ هذه المراجعة ستنطلق من مبدأ أساسي وأصيل وهو الحِفاظ على حقوق الدائنين وحماية المدينين، وهي معادلة مهمة تنتهي نتائجها بسيادة القانون وحماية الحقوق.
موازنة العقوبات
وشرح رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، وهو عضو في اللجنة، أنه تم تقديم عرض للجنة من قبل الجهات المعنية حول أعداد المساجين والمطلوبين في قضايا مالية، موزعين حسب الفئات العمرية وحسب قيمة المبالغ، وتم إطلاع اللجنة على هذه المعلومات لتعينها على التشخيص واتخاذ القرار المناسب. وقال إنه يوجد توافق على بعض النقاط، فيما بقيت بعض المسائل في إطار المناقشات من دون البت بها.
وأكد لـ"العربي الجديد" على ضرورة معالجة حالات التعثر المالي بما يضمن عدم حبس المدين وضمان حقوق الدائن. وأصدرت وزارة العدل كتاباً إلى مدير الأمن العام بعدم جواز حرمان المتعثرين والمدينين من شهادة عدم المحكومية، فيما لا يتم حاليا حبس المتعثر ماليا إلا في حالات محددة وذلك منذ مارس/ آذار من العام الماضي بسبب تداعيات كورونا.
وحسب تقرير للبنك المركزي، فقد بلغ مجموع الأقساط المؤجلة من قبل البنوك لكل من العملاء الأفراد والشركات خلال الفترة من شهر مارس/ آذار ولغاية يونيو/ حزيران من العام الماضي حوالي 1.7 مليار دينار (2.4 مليار دولار تقريباً)، منها 573.186 مليون دينار للأفراد، و1.113 مليار دينار للشركات.
ووفقاً لبيانات البنك المركزي، فقد ارتفعت قيمة الشيكات المرتجعة من قبل البنوك الأردنية العام الماضي لتبلغ 2.3 مليار دولار وبزيادة نسبتها 4 في المائة عن عام 2019، وذلك من إجمالي قيمة الشيكات المتداولة في الأردن والتي بلغت قيمتها 48.4 مليار دولار.
تناقض حقوقي
وقال المحامي عمر العطعوط لـ"العربي الجديد"، إن التشريع الأردني ما قبل عام 2002 كان أكثر إنصافًا للمدين غير القادر على سداد دينه بمنع حبسه في حال عدم اقتداره وعرضه تسوية تتناسب ووضعه المالي، وكان ذلك قبل أن يصادق الأردن على المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية بعقود.
لكن قانون التنفيذ الذي أقر لأول مرّة كقانون مؤقت عام 2002، في ظل النفوذ المتزايد للبنوك والشركات المالية الكبرى سمح بحبس المدين بغض النظر عن كونه قادرًا على سداد الدين أو غير قادر.
وأشار إلى أن أصحاب الرأي المطالب بضرورة إلغاء حبس المدين يستندون إلى أن الأردن قد صادق على المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية ونصوصها وهي تسمو على نصوص القانون العادي، حيث تنص على عدم جواز حبس المدين لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي واجب التطبيق، ولا بد من تعديل قانون التنفيذ على ضوء ذلك.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن عدد المتعثرين مالياً في الأردن يتجاوز مليون شخص، وهم مدينون لبنوك ومؤسسات مالية وآخرين بموجب شيكات مؤجلة الدفع ولا توجد أرصدة تغطيها.
وقال رئيس اللجنة القانونية في مجلس الأعيان (الشق الثاني للبرلمان في الأردن)، العين أحمد طبيشات، إنه آن الأوان لإعادة النظر بقانون التنفيذ وإلغاء عقوبة الحبس على المدين، إلا إذا تبين أن المدين قد أخفى ماله أو قام بتهريبه أو امتنع عن الأداء رغم قدرته على السداد. وأضاف طبيشات في بيان صحافي أن عدد المدينين المتعثرين المطلوبين للتنفيذ القضائي أكثر من عدد موظفي الدولة بالكامل، مما يجعل الحكومة غير قادرة على تحمل نفقات حبس هؤلاء المدينين بسبب الكلفة المالية الباهظة، والتي ستشكل عبئا كبيرا على موازنة الدولة الأردنية.
وأضاف العين طبيشات "سوف تتكبد خزينة الدولة نفقات على حبس المدين تزيد عن 600 دينار شهرياً (850 دولارا) للمدين الواحد، من دون أن يعود ذلك على الدائن بأي فائدة على الإطلاق، اللهم إلا إذا كان التشفي هو الهدف من حبس المدين المعسر وتشريد عائلته، وهذا ما لا يرضى به إنسان عاقل أو صاحب ضمير".