شهدت الأسواق السورية انتشاراً كبيراً للسلع الفاسدة ومجهولة المصدر خلال الأيام الأولى لرمضان، ما أرجعه مراقبون إلى ضعف الرقابة الحكومية واندفاع السوريين إلى شراء سلع رخيصة الثمن، في ظل تدهور أوضاعهم المعيشية وارتفاع الأسعار خلال رمضان الحالي بنحو 150% عن أسعارها خلال رمضان العام الماضي.
ويكثر الغش في المشروبات الرمضانية، رغم مضاعفة أسعارها عن العام السابق، من خلال خلط المياه بملونات صناعية، كما زادت عروض اللحوم المفرومة سابقاً بأسعار رخيصة بعد أن تعدى سعر كيلو لحم الخروف في العاصمة السورية دمشق 100 ألف ليرة سورية، ما دفع السوريين، بحسب مصادر، إلى استهلاك اللحوم الرخيصة وإن كانت مجهولة المصدر أو ممزوجة بالدهن ولحم العجل.
ويرى المفتش إبراهيم محمد أن ظاهرة غش السلع الغذائية لم تتوقف بالأسواق، لكنها ازدادت خلال شهر رمضان الحالي نتيجة ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة الحكومية، كاشفاً لـ"العربي الجديد" أن خمس لجان من المحافظة فقط مكلفة برقابة أسواق دمشق، إضافة لعدد قليل من مراقبي التموين التابعين لوزارة التجارة الداخلية.
ويضيف المفتش السابق أنه ورغم قلة المراقبين، فقد جرى تنظيم ضبوط مخالفات بقيمة مليار ليرة في اليوم الأول من رمضان، بعضها حول البيع بسعر زائد، لكن أغلبها حول مواد ومنتجات غذائية منتهية الصلاحية أو لا تصلح للاستهلاك البشري "في مقدمتها اللحوم المفرومة والمعلبات منتهية الصلاحية أو مزورة بطاقة الصلاحية".
ويشير المتحدث إلى انتشار بسطات بيع الأغذية في دمشق "عصائر، معجنات، معلبات، حلويات" على الأرصفة، وهي مخالفة بالأصل كونها على الأرصفة، من دون البحث بسلامة المنتجات، لكن تغاضي الجهات الرقابية، التي تتلقى رشى وتبيع الأرصفة للباعة بالمتر، على حد قوله، زاد من انتشار الجائلين وبيع سلع غير مراقبة صحياً وغير مطابقة للمواصفات القياسية، مبيناً أن كثيراً من التجار يصرّفون سلعاً مخزنة ومنتهية الصلاحية عبر هؤلاء البائعين، بعد تغيير بطاقة الصلاحية "وللأسف يشتريها السوريون لأنها رخيصة رغم تشكيكهم بسلامتها".
ولم ينكر أمين سر جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها، عبد الرزاق حبزة، انتشار السلع المخالفة، مبرراً بأن ارتفاع الأسعار لا يتناسب مع دخل المواطن الفقير، فأمام ضغط زيادة النفقات وعدم إمكانية شراء مواد من النوع الأول، يلجأ المواطن إلى شراء مواد ذات جودة منخفضة تعرضه للوقوع في مطب الغش.
وأكد خلال تصريحات أمس: "لمسنا حالات غش كثيرة في الأسواق مثل خلط لحوم محضرة مسبقاً مع بعضها ووضع النتر في اللحوم، إضافة إلى وضع حشوات غير صحية في المعجنات فيها بعض الإصابات الحشرية، كما ضبطنا حالات لأسماك فاسدة وغير صالحة للاستهلاك البشري، إضافة إلى وضع المبيضات والنكهات وإضافة الخبز اليابس للفلافل والأصبغة للمخلل وخلط السمن النباتي مع الحيواني لإيهام المواطن بأنه حيواني، إضافة إلى وضع المنكهات للسمون المهدرجة وبيع التمر المطحون المدود".
واكتفى أمين سر حماية المستهلك بالتوصيف والتحذير، منبهاً خلال تصريحاته إلى كثرة الغش في الأجبان والألبان في شهر رمضان من خلال بيع اللبن والحليب مسحوب الدسم ووضع المبيضات للحمص والفول والمسبحة لإيهام المواطن أنها مليئة بالطحينة، ناهيك عن غش الزيت البلدي كونه مطلوباً على المائدة في رمضان عبر وضع المنكهات والسمن البلدي، كما يُباع البيض على أنه بلدي بعد صبغه بقشور البصل، ووضع القطر المنكه وبيعه على أنه عسل.
ولم تقتصر حالات غش الأغذية على الأسواق والبسطات على الأرصفة، بل طاولت المنشآت الصناعية بحسب ما كشفت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قي حكومة الأسد، من خلال تنظيم عدة ضبوط في الغش، حيث جرى ضبط 3 معامل كونسروة وعصير في ريف دمشق بمخالفة إنتاج وطرح مواد مخالفة للمواصفات السورية القياسية، إضافة إلى ضبط محال بمخالفة حيازة وعرض مواد منتهية الصلاحية.
ويرى الاقتصادي محمود حسين أن المستهلك السوري "متروك للجشع وقدره"، وربما لا يمكننا لومه لإقباله على شراء سلع مجهولة المصدر أو مشكوك بسلامتها، لأن المنتجات المراقبة أعلى من قدرته الشرائية، فراتب الموظف الشهري يوازي سعر كيلو لحم، فهل يلام إن اشترى لحوماً مفرومة بسعر 40 ألف ليرة ليطعم أولاده خلال شهر الصوم.
ويضيف حسين أن حكومة بشار الأسد تدفع السوريين لشراء السلع المخالفة، سواء عبر قلة الأجور أو الانسحاب من طرح سلع بأسعار منافسة، مذكراً بأن وزارة التجارة الداخلية في حكومة الأسد لم تطرح عبر صالات مؤسسة التجارة سوى 800 سلة غذائية رمضانية مؤلفة من" مربى ورب بندورة ورز كبسة وزيت عباد الشمس وشاي" بسعر 99 ألف ليرة، وهي أقل بنسبة 20% من أسعار السوق، لكن الوزارة توقفت بعد طرح تلك السلل في أول يوم من رمضان وقد نفدت بسرعة، رغم أنها محدودة ولا تلبي احتياجات الأسرة، بل وسعرها، رغم التخفيض، يوازي أجر شهر للموظف السوري.
وحول عصا القانون للمخالفين، يشير حسين لـ"العربي الجديد" إلى أن الفساد والفوضى هما سمتا السوق السورية، وحين نسمع عن ضبوط ومخالفات، صرنا نعرف أن الخلاف على القسمة أو حجم الرشى، وإلا فالمخالفات على مرأى الجميع، من المنشآت وصولاً إلى السوق.
ويذكر أن رئيس النظام السوري بشار الأسد قد أصدر المرسوم 8 لعام 2021 المتعلق بحماية وحقوق المستهلك وضمان سلامة الغذاء ومنع الاحتكار، ونص المرسوم على عقوبات قاسية تتضمن السجن حتى سبع سنوات وغرامة تصل إلى خمسة ملايين ليرة سورية، لمن يبيع سلعاً مجهولة المصدر أو يغش في الميزان والفواتير أو يتاجر بالسلع الإغاثية أو الدقيق التمويني.
لكن الانفلات أصبح سمة في السوق السورية بحسب المراقبين، ولم يجد المرسوم طريقه للتطبيق، كما تنتشر علانية حالات رشى الموظفين والمراقبين التموينيين، رغم أن المرسوم نفسه نص على أنه "يعاقب العامل المخول بمهام الضابطة العدلية بالحبس من شهر إلى 6 أشهر، إذا أهمل واجبه بالرقابة أو أفشى أي معلومة عن المهمة المتعلقة بتنفيذ أحكام المرسوم".