تعتبر مشكلة البطالة في العراق أبرز تحديات رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني، حيث تؤكد جميع الأرقام أنها آخذة بالاتساع، ومعها يرتفع مؤشر الفقر في دولة غنية بالنفط، وذلك ضمن سلسلة مترابطة تنهك بلاد الرافدين منذ ما يقارب عشرين عاماً بعد الغزو الأميركي للبلاد.
ويتزايد أعداد خريجي الجامعات الذين لم يتمكّنوا من الحصول على وظائف، بسبب عدم وجود رؤية حقيقية لدى الدولة العراقية، فضلاً عن عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي. وتستمر احتجاجات الشباب المعطّلين عن العمل في محافظات عراقية عديدة، لتصل إلى إغلاق مؤسسات الدولة، ومقار الشركات النفطية في جنوبي العراق، على الرغم من تعهد السوداني، بالعمل على الحد من البطالة والفقر في البلاد.
وقال علي الخزعلي، من محافظة ذي قار، إن حكومة السوداني لا تختلف عن سابقاتها من حيث الوعود والبرامج، ولا يمكن الوثوق بالتصريحات الإعلامية ما لم يكن هناك تنفيذ وتطبيق فعلي على أرض الواقع. وبيّن الخزعلي لـ"العربي الجديد"، أن الشباب اتبعوا السبل القانونية والدستورية كافة في سبيل الحصول على وظيفة بعد سنوات الدراسة الشاقة في الجامعات، إلا أن الحكومة العراقية تتجاهل مطالب العاطلين عن العمل، وتزيد معاناتهم، من خلال القوانين الاقتصادية التي أُقرت، ومنها تغيير سعر صرف الدولار الذي أدى الى ارتفاع أسعار السلع في السوق.
وأضاف الخزعلي، أن تزايد العمالة الأجنبية، وتأخير إقرار الموازنة الاتحادية، وسيطرة الأحزاب على قرارات التوظيف، والحد من البطالة، جميعها عوامل فاقمت معاناة الشباب العراقي إلى حد كبير.
وانتقد الخزعلي دور الحكومة في عدم إيجاد حلول حقيقية تعالج مشكلة البطالة، بالإضافة إلى عجزها عن رفع المعاناة عن المواطن العراقي، مؤكداً الاستمرار في الاحتجاج والتصعيد حتى يجري العمل على معالجة المشاكل الاقتصادية، والحد من مشكلة البطالة، والعمل على توفير فرص العمل.
وأعلنت وزارة التخطيط العراقية أخيراً أن نسبة البطالة في العراق بلغت 16.5 في المائة، بموجب المسح الذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، من مجموع السكان النشطين اقتصادياً.
وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، إن هذه النسبة ترتفع لدى النساء بأكثر من 25 في المائة مقارنة مع الذكور التي تتراوح بين 11 إلى 12 في المائة، عازياً سبب تسجيل هذه النسبة الى "الظروف الاجتماعية المعروفة في العراق".
وأشار إلى أن وزارته تعمل على دعم وتمكين القطاع الخاص، ليكون قادراً على تحقيق شراكة مع القطاع الحكومي، وتوفير فرص عمل، فضلاً عن إعادة تشغيل المشاريع الاقتصادية المتلكئة التي يمكن أن توفر فرص عمل تساهم في تحقيق خفض نسبة البطالة.
من جانبه، قال الباحث في الشأن الاقتصادي، عبدالله العبيدي، إن الدراسات العلمية أكدت أن نسبة البطالة في العراق تصل إلى أكثر من 40 في المائة، وأن الحكومة العراقية تحاول تقليل هذه النسبة من أجل التغطية على فشلها في معالجة هذه المشكلة.
وأضاف العبيدي، لـ"العربي الجديد" أن محاولة الحكومة العراقية الانفتاح على التوظيف الحكومي هو حل ترقيعي يساهم في تفاقم مشكلة الترهل الوظيفي، بينما يحتاج العراق إلى سوق عمل تنموي يستطيع توفير الفرص الكاملة للحد من مشكلة البطالة.
وأشار العبيدي إلى أن ما يثير القلق والغضب هو تجاهل الحكومة معدلات البطالة المتصاعدة، التي وصفها بأنها "قنبلة موقوتة" تثير غضب فئة كبيرة من المجتمع العراقي، خاصة مع ارتفاع معدل نمو السكان والأعداد الهائلة من الخريجين سنوياً التي تضاف باستمرار إلى جيش كامل من المعطّلين عن العمل.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، أن قضية ارتفاع معدلات البطالة في العراق إلى مستويات كبيرة معقدة، وتحتاج إلى جهد وطني كبير، حيث وصل معدل البطالة إلى أكثر من 35 في المائة من نسبة الشباب في العراق. وأشار المرسومي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أهمية تدخل الدولة العراقية وتفعيل القوانين التي جرى التصويت عليها من قبل مجلس النواب سنة 2018 والتي تنص على إنشاء مشاريع متوسطة للحد من ارتفاع ظاهرة البطالة.
وأوضح أن هناك تأثيراً كبيراً على معدلات البطالة بسبب عدم وجود موازنة حتى الآن، مبيناً أن تضمين معالجة البطالة داخل الموازنة المقبلة قد يعالج نسبة ضئيلة من حجم البطالة المتزايد في العراق. وأضاف المرسومي أن معالجة البطالة في العراق لن تجري إلا من خلال تنويع الاقتصاد العراقي، وتحديد الأنشطة الإنتاجية السلعية والخدمية، من خلال استحداث أنشطة جديدة تخلق فرص عمل وتشغيل الشباب، مشدداً على أنه لا يمكن الاستمرار بالحلول والمعالجات الترقيعية السائدة.
ولفت إلى أن النمو السكاني يتزايد سنوياً بمعدل مليون نسمة، فيما تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر من نصف مليون فرد يدخلون إلى سوق العمل، مما يتطلب جهوداً حقيقية ودراسات شاملة للنهوض بالواقع الاقتصادي العراقي، والحد من مشكلة البطالة المتراكمة.