أصدرت عائلة الرئيس المصري الراحل حسني مبارك بياناً، الثلاثاء، بمناسبة "الختام الناجح" لجميع إجراءاتها القضائية الدولية، أكدت فيه أنها "لن تبقى صامتة في مواجهة التقارير الإعلامية التي تشهر بها، خاصة مع عدم وجود دليل على امتلاك مبارك أو قرينته سوزان ثابت لأي أصول خارجية".
وقال نجل الرئيس المخلوع، جمال مبارك، في بيان مصور ألقاه باللغة الإنكليزية نيابة عن عائلته: "انتهت المعركة القانونية لعائلة مبارك في أعقاب الحكم الأخير للمحكمة العامة للاتحاد الأوروبي، الذي أقرّ مرة أخرى بأن التدابير التقييدية التي فرضها مجلس الاتحاد على الأسرة كانت غير قانونية، في ظل قرار مكتب المدعي العام الفيدرالي السويسري بتبرئة علاء وجمال مبارك بشكل كامل، بعد 11 عاماً من التحقيق الجنائي".
وأضاف جمال، في البيان الذي حمل عنوان "انتصرنا يا أبي... ارقد في سلام": "بالنظر إلى الحملة العالمية الدولية المتواصلة حول ادعاءات كاذبة بالفساد، والتي تم إطلاقها ضد أسرتي منذ 10 سنوات؛ قررت العائلة ببساطة أنها لا تستطيع أن تبقى صامتة بعد الآن في مواجهة مثل هذه التقارير التشهيرية المستمرة، إذ حان الوقت أن ترد عليها بشكل مباشر".
وتابع: "منذ عام 2011، تم الشروع في العديد من إجراءات التحقيق والعقوبات ضد أفراد عائلة مبارك في الاتحاد الأوروبي وخارجه؛ وكانت الإجراءات التقييدية الواسعة النطاق التي فرضها مجلس الاتحاد الأوروبي ضد الرئيس الراحل وعائلته ذات أهمية خاصة، حيث إنها استمرت لما يزيد على عشر سنوات، ووصلت الآن إلى نهايتها".
وزاد: "لقد برأتنا تلك الإجراءات تماماً، وأثبتت الموقف الذي طالما تمسكت به أسرتي على مدار أكثر من عقد من الزمان، وتأكيدها دائماً أن عقوبات الاتحاد الأوروبي ضدنا كانت غير قانونية. لقد كانت رغبة والدي الراحل أن يتم شرح مثل هذه الإجراءات للعالم بأسره، وجاءت وفاته قبل الانتهاء من هذه الإجراءات لتلقي بهذا العبء على أكتافي، وهو عبء أحمله بكل فخر والتزام".
واستكمل بالقول: "عندما قرر الرئيس مبارك التخلي عن الحكم في فبراير/شباط 2011، أعلن استعداده للرد على أي اتهامات جنائية ضده وضد أسرته؛ ورفض قبول أي نوع من الحصانة، وكذلك أي اقتراح بمغادرة مصر. وأكد في رسالة مسجلة له في إبريل/نيسان 2011 أن المصريين بحاجة إلى معرفة أن رئيسهم السابق يحتفظ بأمواله في بنك واحد فقط في مصر".
تبريرات وهجوم
وقال: "والدي الراحل رحب بأي تحقيق في ممتلكاته وممتلكات أسرته؛ ومنذ ذلك الوقت وحتى وفاته، تحمّل وأسرته عدداً لا يحصى من التحقيقات، والإجراءات القضائية في مصر وخارجها. والتزم وشارك وعائلته بجميع هذه الإجراءات، مع إعلان احترامهم الكامل للقضاء، والإجراءات القضائية".
وواصل: "بذلك النهج أكد مبدأً أساسياً مكرساً في سيادة القانون، والذي كان يحترمه احتراماً عميقاً، وهو أنه لا أحد فوق القانون؛ بما في ذلك الرئيس. وقبل أكثر من عشر سنوات، شُنت حملة شرسة من الادعاءات الكاذبة بالفساد ضد الرئيس مبارك وأسرته".
وأضاف جمال: "استغلت القوى المعارضة للرئيس هذه الادعاءات لتأجيج المشاعر الشعبية؛ وساهم ذلك بشكل كبير في التأثير على مجريات الأحداث السياسية التي تلت ذلك في مصر. واستمرت الحملة بلا هوادة فوق ما يقرب من عشر سنوات، في حين كنا نحن منهمكين في خوض معاركنا القانونية، حيث كان موقفنا والتزامنا أن نثبت براءتنا أمام القضاء المصري فقط".
واستكمل: "السلطات المصرية أجبرتنا على اتخاذ توجه مختلف بعد أن قررت ملاحقتنا قانونياً في الخارج؛ مستندة إلى ادعاءات زائفة، وغير معقولة، بأن هذه الأموال قد تم نهبها أو تهريبها إلى الخارج من قبل أسرتي. وقدمت تفاصيل جميع الإجراءات الجنائية المحلية المرفوعة ضدنا كدليل إلى السلطات الدولية ذات الصلة".
وتابع جمال: "كان الهدف استرداد الأموال التي زُعم أنها استولت عليها أسرتي بشكل غير قانوني، بناءً على طلبات من مصر؛ واتخذت سلطات خارجية مختلفة إجراءات احترازية، وعقوبات داخلية، وفتحت تحقيقات مع أفراد أسرتي. وكان الهدف هو التحقق مما إذا كانت المزاعم الموجهة ضدنا في مصر مبنية على أسس سليمة، أو لها أي صلة بأي أصول محتفظ بها في الخارج؛ شمل ذلك عقوبات الاتحاد الأوروبي التي استندت بشكل خاص إلى الإجراءات المصرية ضدي وضد أسرتي".
حديث عن العقوبات
وأردف: "لم يكن أمامنا خيار آخر سوى الدفاع بقوة عن موقفنا أمام السلطات القضائية الأجنبية؛ واضطرت عائلتي إلى تحمّل معركة استمرت عشر سنوات للرد على كل ادعاء تشهيري ضدنا. واستهدفنا من هذه المعركة إلغاء عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة علينا، وإثبات عدم شرعيتها، إذ تحلينا بالصبر والمثابرة والثبات، ولم نسمح باستمرار هذه الأكاذيب من دون رد".
وقال جمال: "اليوم، وبعد عشر سنوات من التحقيقات المستفيضة، بما في ذلك العديد من طلبات المساعدة القانونية الدولية المتبادلة بين مختلف السلطات القضائية، والإجراءات القضائية في دول عديدة؛ فقد ثبت أن جميع الادعاءات الموجهة ضدنا كانت كاذبة تماماً. مع عدم وجود دليل واحد على أن والدي الراحل أو والدتي قد تملكا أصولاً خارجية من أي نوع، أو إثبات صحة أن أفراداً آخرين من الأسرة قد أخفوا أصولاً في الخارج".
وزعم بقوله: "كان هناك إفصاح طوعي وشفاف عن جميع أصولنا، بما يتماشى مع القوانين المعمول بها؛ ولم تثبت صحة كل الادعاءات بشأن النشاط المهني لي ولأخي علاء، حيث تبين قضائياً مشروعية مصادر دخلنا. ولم تكتشف سلطة قضائية واحدة في أي دولة أوروبية أي انتهاك قانوني لنا من أي نوع. أو إثبات وجود أصول غير مشروعة أو مخفية".
وأكمل جمال: "ومع رفع عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على مبارك وأسرته في مارس/آذار 2021، إلا أننا واصلنا معركتنا القانونية ضد المجلس الأوروبي في محاكم الاتحاد الأوروبي؛ وكان هدفنا أن نثبت بشكل قاطع أن العقوبات كانت غير قانونية منذ البداية، نظراً لارتكازها على إجراءات قانونية انتهكت حقوقنا الأساسية".
وأضاف: "لقد طلبت من محامينا دراسة جميع السبل القانونية الممكنة والمتاحة للشروع في المطالبات بالتعويض ضد مجلس الاتحاد الأوروبي، بسبب سلوكه تجاهي وتجاه أسرتي؛ خصوصاً مع القرار التاريخي للمدعي الفيدرالي السويسري بتبرئتنا من جميع الاتهامات الموجهة لنا، وهو ما ينهي جميع الإجراءات القضائية الدولية المتعلقة بأسرة الرئيس المصري الراحل".
وختم جمال: "يجب أن أنهي هذا البيان ببضع كلمات مخصصة لوالدي الراحل، الذي ربما ينظر إلينا الآن، وأقول له: لم يمهلك القدر لتشهد نهاية جميع الإجراءات القانونية التي اتخذت ضدك منذ عام 2011، ولقد أكدت لك في أيامك الأخيرة أنني سوف استمر على الطريق لتحقيق البراءة التي لا لبس فيها. ووعدتك بمواصلة الطريق بتصميم لا يلين لتحقيق هذه التبرئة في ساحة القضاء الدولي؛ وأننا سننتصر في النهاية، حتى ولو بعد رحيلك"، حسب البيان.
وجاء بيان جمال مبارك عقب يوم واحد من أدائه، وشقيقه الأكبر علاء، واجب العزاء في وفاة رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد، واستقبالهما من قبل محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات الجديد، وحاكم أبوظبي.
قضية القصور
وكانت أسرة مبارك قد أعلنت تسلمها مبلغاً مالياً "كبيراً" من مجلس الاتحاد الأوروبي، وأنها بانتظار أموال أخرى منه، بعد صدور حكم أوروبي برفع التجميد عن أموالها. وذلك عقب قرار المحكمة العامة الأوروبية إلغاء التدابير التقييدية بحق جمال وعلاء مبارك، وأمهما سوزان ثابت، وزوجتيهما هايدي راسخ، وخديجة الجمال.
وفي 28 سبتمبر/أيلول 2021، قررت جهات التحقيق المصرية رفع التحفظ على أموال نجلي حسني مبارك، وأسرتيهما، بعد قرار هيئة الفحص والتحقيق بإنهاء أثر أمر المنع من التصرف رقم 3 لسنة 2011.
والقضية الوحيدة التي اكتملت بالإدانة ضد أسرة مبارك هي الخاصة بفساد القصور الرئاسية، التي صاغتها النيابة العامة في عهد الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي، وانتهت بصدور الحكم بإدانته مع نجليه بحكم نهائي وباتّ، أيدته محكمة النقض بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات، وتغريمهم متضامنين مبلغ 125 مليوناً و779 ألف جنيه، وإلزامهم متضامنين برد 21 مليوناً و197 ألف جنيه.
وفي أعقاب انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، انتهت المطالبة بأهداف الثورة بوصول قائد الجيش الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، وجمدت جهود استرداد الأموال من الخارج. واكتفي باستخدام هذه الورقة للضغط على علاء وجمال، ومنعهما من العمل السياسي أو الظهور الإعلامي، كأداة تخويف ومنع من إعادة إنتاج نظام مبارك بشخوصه القديمة.
وأصدر السيسي في عام 2015 قانوناً يمكّن رموز النظام السابق من التصالح المالي في جرائم الكسب غير المشروع، لكن مبارك لم يستفد من ذلك، نظراً لعدم تقديم تقارير الخبراء بشأن ثروته هو ونجليه؛ بما يؤكد غياب الإرادة السياسية للتصالح معهم أو حتى معاقبتهم. ونتج من ذلك إبقاء الوضع كما هو عليه بإبقاء أسرة مبارك تحت الحصار، دونما عقاب أو تمكين بالعودة لآجال طويلة.
ورغم أن علاء وجمال ما زالا ممنوعين من المشاركة السياسية، شأن والدهما الراحل حتى وفاته، بسبب إدانتهم في قضية القصور الرئاسية، إلا أن هذا لم يمنع استمرار تخوف نظام السيسي من عودتهما، بالتوازي مع ما يشهده من تصدعات داخلية وضغوط خارجية وغضب شعبي مكتوم، من جراء الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بفعل تراكم الديون الخارجية وأعبائها، والارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات كافة.