كشف المرصد العمالي الأردني "مؤسسة مجتمع مدني" عن انتهاكات خطيرة متصاعدة من قبل الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء قطاع غزة العاملين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وبات معظمهم دون مأوى بعد ترحيلهم إلى أماكن أخرى، دون مراعاة لأدنى شروط ومتطلبات القانون الإنساني ومواثيق حماية العمال.
وقال رئيس المرصد أحمد عوض لـ"العربي الجديد" إنه من خلال التواصل مع النقابات العمالية وعدد من العمال في فلسطين كُشف عن انتهاكات وتجاوزات خطيرة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق العمال من أبناء غزة، وصلت إلى الفصل من أعمالهم وترحيلهم إلى أماكن أخرى بعد تعريضهم للمضايقات غير المسبوقة.
وأضاف أن هذه الانتهاكات تمثل تعدياً على القانون الدولية والمواثيق التي يفترض أن توفر الحماية اللازمة للعمال، أياً كانت الظروف، ومن ذلك عدم فصلهم من أعمالهم أو تعرضهم للمضايقات والتحقيق والترحيل دون مسوغات مشروعة، إنما فقط تقع في إطار الانتقام منهم.
وأكد أهمية تصدي المجتمع الدولي ومنظمات حماية العمال لهذه التصرفات المشينة من قبل الاحتلال الإسرائيلي بحق العمال الفلسطينيين، وبخاصة أبناء قطاع غزة الذين أمضوا سنوات بالعمل في الأراضي المحتلة.
وبحسب عوض، فإنّ من الممكن التنسيق مع النقابات العمالية في فلسطين ومنظمات العمل العربية والدولية لمقاضاة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه بحق العمال الفلسطينيين، بالتوازي مع القضايا الأخرى المزمع إقامتها ضد الاحتلال على جرائم الحرب التي ما زال يرتكبها بحق أبناء قطاع غزة.
وبين أنه وفقاً لتقرير أعده المرصد العمالي، يعاني أبناء قطاع غزة العاملون في فلسطين المحتلة عام 1948 بشكل متواصل من الانتهاكات العمالية، وأبرزها صعوبة التنقل عبر الحواجز الإسرائيلية وإجراءات الحصول على تصاريح عمل في الداخل الفلسطيني المحتل. لكن منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، وانتقاماً للعملية، قطّعت السلطات الصهيونية أوصال عمال غزة مثلما قطّعت أوصال القطاع.
ووفق تقرير المرصد العمالي الأردني "مارس الاحتلال أشكالاً واسعة من الانتهاكات على العمّال، وألغى تصاريح العمل لجميع العمّال من قطاع غزة الذي يُقارب عددهم 18 ألف عامل، وفق ما أكدته عن النقابات العمّالية الفلسطينية.
ورحلت سلطات الاحتلال آلاف العمّال الفلسطينيين من قطاع غزة العاملين في الداخل المحتل حاملين حقائبهم إلى رام الله وأماكن أخرى مجاورة قبل أن تنقلهم سلطات الاحتلال إلى نقاط التفتيش في الضفة الغربية، فيما استمر عدد العمّال الذين يطلبون المساعدة في التزايد مع وصول المزيد منهم إلى مأوى مؤقت.
وحسب المرصد، فقد شنّت سلطات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة في أنحاء متفرّقة من الضفة الغربية، إذ اعتقلت نحو 1600 فلسطيني، وفق ما تؤكده هيئة شؤون الأسرى، من ضمنهم 50 عاملاً غزيّاً في رام الله.
وفي محاولة لتقييد الرأي، قال تقرير المرصد العمالي: لقد أصدرت السلطات الصهيونية عشرات أوامر الفصل لعمّال فلسطينيين بادّعاء "دعمهم للإرهاب"، فمنذ بداية الحرب استقبلت "نقابة العمّال العرب في مدينة الناصرة" عشرات حالات الفصل من العمل بشكل نهائي.
ونقل المرصد عن نقابات عمالية فلسطينية مطالبة نقابة المحامين العرب بالتطوع للدفاع عن العمّال أمام لجان التوفيق والعقوبات بعد استدعاء عشرات العمّال من قبل المشغلين وأصحاب العمل وفصل العمّال بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر تعاطفاً مع الأطفال والنساء المدفونين تحت الأنقاض في قطاع غزة.
محمد أشرف، وهو عامل غزيّ يعمل بمجال الإنشاءات في الداخل المحتل يفكر، حسبما يقول المرصد العمالي، بشكل مستمر في أسرته التي تركها وراءه للعمل. فمنذ بدء العدوان الصهيوني سيطرت أسئلة كثيرة على أشرف لا يجد إجابات عنها، بعد ما تعرض له من محاولات اعتداء وتفتيش وإهانة وتنكيل وإلغاء تصريح عمله وترك أسرته في قطاع غزة المكلوم إلى جانب فقدانه وظيفته ومصدر رزقه الوحيد.
وقال أشرف إنه بعد أن بات ليلتين في المصنع الذي يعمل به في الداخل المحتل، انتقل وثمانية من العمّال إلى يافا وأقاموا أربعة أيام فيها، وفي أثناء الطريق تعرضوا لاعتداءات من قبل جيش الاحتلال على الحواجز. ثم توجه وزميله إلى رام الله وأصبح في مكان آمن، ولكنه لا يعرف ماذا جرى لأسرته البعيدة عنه خلال عدوان الاحتلال المتواصل على غزة.
وأشار إلى أن له أجوراً مستحقة لم يحصّلها بعد من صاحب العمل، ولا يعرف مصيره. في حين أن "يوسف" عامل من منطقة "جباليا" شماليّ قطاع غزّة، ويعمل في بئر السبع، قال إنه خرج من منزله قبل عدة أسابيع ولم يرَ أطفاله بعد، وعند بدء العدوان الإسرائيلي كان الوضع مأساوياً لا يوصف، حينها أدرك خطورة الوضع، وتوجه وزملاءَه إلى الضفة الغربية، وتعرضوا خلال الطريق للعديد من المضايقات من قبل قوات الاحتلال.
وأكد يوسف أن قوات الاحتلال قتلت عمّالاً يعرفهم، وبعضهم اعتقلتهم وعاملتهم بصورة مهينة ومذلة، وثمة آخرون لا يعرف أين ذهبوا وما مصيرهم.
من جانبه، قال الأمين العام لاتحاد عمال فلسطين، شاهر سعد، في تصريح نقله عنه المرصد العمّالي الأردني، إنه حالياً لا يوجد أي موقع يعمل فيه العمّال الفلسطينيون، بمن فيهم الغزيون، إلا وألغيت تصاريحهم وتعرضوا للظلم والاعتقال من قبل جيش الاحتلال والشرطة الإسرائيلية.
وبحسب سعد، فإن الاتحاد أصدر بياناً يؤكد فيه مخالفة الاحتلال بشكل واضح القانون الدولي الإنساني وأحكام البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وإلحاق كل أنواع الأذى بالعمّال الفلسطينيين، وبخاصة عمّال غزة الذين كانوا يوجدون في سوق العمل لدى الاحتلال.
وأوضح الاتحاد تعرض العمّال للاعتداء الجسدي ومصادرة ممتلكاتهم الشخصية، كالأموال وبطاقات الهوية وتصاريح الدخول وبلاغات تفيد فقدان أثر للعديد منهم واحتجاز جزءٍ منهم في معسكر "عناتوت" شمال مدينة القدس المحتلة ضمن ظروف مهينة تحطّ من كرامة البشر، ودون محاكمة أو تمثيل قانوني.
"يوسف" عامل من منطقة "جباليا" شماليّ قطاع غزّة، ويعمل في بئر السبع، قال إنه خرج من منزله قبل عدة أسابيع ولم يرَ أطفاله بعد
وطالبت نقابات عمالية أخرى سلطات الاحتلال بالكشف عن مصير العمّال الذين فُقدت آثارهم داخل فلسطين المحتلة، ووجهت نقابة العمّال العرب في مدينة الناصرة رسائل عاجلة إلى إدارة سلطة سجون الاحتلال والإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، تطالبها بالكشف عن مصير العمّال الغزيين الذين اختفت آثارهم منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
وأكدت النقابة أن عدداً كبيراً من العمّال دخلوا إلى الضفة الغربية، وأن قسماً منهم وصلوا إلى مدينة رام الله، ولكن عدداً منهم أُوقِفوا على الحواجز العسكرية وتعرضوا للتنكيل والضرب المبرح وسرقة الأموال التي كانت بحوزتهم، وأن المئات منهم يُحتجَزون في معسكرات لجيش الاحتلال في الضفة الغربية.
وقال بدر زماعرة، مدير منتدى "شارك" في فلسطين، وأحد منسقي عمّال الداخل المحتل لـ"المرصد العمّالي الأردني"، إنه عندما بدأت الحرب لم يكن جميع العمّال في الداخل، لسببين: الأول أنها كانت نهاية أسبوع، وجزء منهم عاد إلى قطاع غزة، والآخر وجود إشكالية في تجديد التصاريح من قبل سلطات الاحتلال بسبب عطلة الأعياد الدينية.
وأكد إلغاء 18 ألف تصريح عمل لعمّال قطاع غزة، كعقوبة مارسها الاحتلال بحقهم، ثم طلبوا منهم مغادرة الداخل المحتل "جمعوهم وألقوا بهم على الحواجز".
ووفق إفادة زماعرة، فإن الكثير من العمّال لا يعرف عنهم أي معلومة "بدأنا بإحصاء العمّال المفقودين، ووجدنا في مكان عمل واحد فقط ما يُقارب 190 عاملاً سجلنا بياناتهم، وما زالت تصلنا كل يوم أعداد كبيرة من العمّال المفقودين والمعتقلين وعمّال تعرضوا للتنكيل".
وقال إن بعض العمّال لديهم مهارات عالية، وبعضهم يعمل بنظام المياومة، ونهاية الأسبوع يأخذون أجرهم ويعودون إلى غزة دون أن يحصلوا على أي نوع من الحمايات الاجتماعية، وهم يعملون في قطاعات خطرة مثل الزراعة والصناعة والإنشاءات.
وأضاف مدير منتدى "شارك" أنه منذ عامين، وفق ترتيبات بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال، "أُصدِرَت تصاريح للعمل في الداخل المحتل، وحصل آلاف العمّال من قطاع غزة على تصاريح للعمل حينها".