استمع إلى الملخص
- منظمات مدنية وخبراء يعبرون عن قلقهم بشأن تأثير هذه المشاريع على الموارد المائية في تونس، مشددين على ضرورة الحفاظ على التوازن الإيكولوجي وتوجيه مشاريع تحلية المياه لدعم الاقتصاد المحلي.
- الحكومة والخبراء يؤكدون على أهمية تقييم الآثار البيئية لإنتاج الهيدروجين الأخضر وإدارة تحلية المياه بعناية، معتبرين المشروع فرصة للتنمية المستدامة والمساهمة في الاقتصاد التونسي مع مراعاة الاستدامة والمنفعة الاجتماعية.
يثير توقيع تونس اتفاقيات مع شركات أوروبية بشأن إنجاز وتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر جدلاً بشأن تداعيات هذه المشاريع على الموارد المائية للبلاد التي وصلت إلى مرحلة الإجهاد المائي بسبب تواصل سنوات الجفاف. ونهاية مايو/ أيار الماضي وقعت تونس مذكرة تفاهم مع مجموعة "توتال" الفرنسية، و"فاربوند" النمساوية، تتعلق بتطوير مشاريع للهيدروجين الأخضر في تونس وإنجازها.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى تطوير وإنجاز مشروع لإنتاج 200 ألف طن من الهيدروجين الأخضر في مرحلته الأولى، مع تركيز 5 جيغاوات من الطاقات المتجددة في أفق 2030، ومن المرجّح أن تصل الطاقة الإنتاجية إلى مليون طن سنوياً في المرحلة النهائية للمشروع، بقيمة استثمارات تصل إلى حوالى 8 مليارات يورو في المرحلة الأولى و40 مليار يورو في مرحلته النهائية.
ورغم أهمية الاستثمارات المعلنة في الطاقات المتجددة للبلد الذي يحتاج إلى محفزات اقتصادية جديدة، تبدي منظمات مدنية قلقاً بشأن تأثيرات هذه المشاريع في الموارد المائية، نظراً للاحتياجات الكبيرة من الماء لإنتاج الهدروجين الأخضر. لكن منسّق المرصد التونسي للمياه، علاء المرزوقي (منظمة مدنية)، رأى أنّ إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس مشروع مستنزف للموارد المائية، رغم الإعلان رسمياً عن التوجه نحو استخدام مياه البحر المحلاة.
وقال المرزوقي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن موارد المياه العذبة أو مياه البحر المحلاة التي ستستعملها الشركات المدرجة تُصنَّف موارد طبيعية مائية، ويتعيّن التعامل معها بحذر حفاظاً على التوازن الإيكولوجي.
تأثير الهيدروجين الأخضر على المياه
وأشار المتحدث إلى أن المياه المتوقع استهلاكها لإنتاج الهدروجين الأخضر المعد للتصدير إلى أوروبا سيكون في حدود 248 مليون متر مكعب، وهو ما يعادل نصف الكمية التي توزعها شركة استغلال وتوزيع المياه سنوياً على المواطنين في تونس.
وشدد المرزوقي على أهمية كشف فحوى الاتفاق الموقع مع المستثمرين الأوروبيين حفاظاً على حقوق التونسيين في مواردهم المائية مهما كان نوعها. وأضاف أن الهيدروجين الأخضر الذي سينتج في تونس سيوجه للتصدير نحو دول أوروبا ومن غير المقبول أن تستنزف الموارد المائية التونسية لتوفير كهرباء وطاقة لفائدة مواطنين أجانب.
وأكد المصدر في السياق ذاته، أن المرصد التونسي للمياه سيواصل التحري بشأن تفاصيل الاتفاق الموقع نهاية مايو الماضي مع شركتي "توتال" و"فاربوند"، معتبراً أن شحّ المعطيات بشأن الاتفاق الذي وقعته السلطات التونسية مع الطرفين مقلق.
وأضاف المرزوقي أنّ شحّ المياه في تونس لا يسمح لبلاده بأن تنفذ مثل هذه المشاريع، خصوصاً أنّه معد أساساً للتصدير، مشدداً على ضرورة توجيه مشاريع تحلية المياه نحو توفير موارد لفائدة أنشطة اقتصادية محلية وتحسين نسبة التغطية بالمياه المحلاة في المناطق التي تشكو عطشاً نتيجة الجفاف.
وتخطط سلطات تونس عبر الاستراتيجية التونسية للهيدروجين الأخضر ومشتقاته إلى استقطاب الاستثمار المحلي والأجنبي مع استغلال الإمكانات المتاحة على الصعيد الوطني من كفاءات وبنية تحتية صناعية وطاقية متوافرة. وأكد وزير الطاقة والمناجم السابق منجي مرزوق، أن مشاريع الهيدروجين تستهلك كميات كبيرة من المياه، وقد تكون مقلقة للمناطق التي تواجه إجهادًا محليًا للمياه.
وقال مرزوق في تصريح لـ "العربي الجديد" إن الطلب على المياه في صناعة الهيدروجين الأخضر ليس سوى جزء صغير من قطاع الطاقة، ومن المرجح أن يظل كذلك في العقدين أو الثلاثة عقود القادمة. وشرح وزير الطاقة السابق أن استخدام المياه للتبريد يمثل جزءًا كبيرًا من إجمالي الاحتياجات المائية لإنتاج الهيدروجين، وتوفر زيادة كفاءتها فرصة لتقليل الطلب الإجمالي.
وأشار إلى أن مياه البحر خيار لكل من إنتاج الهيدروجين والتبريد، ومع ذلك يجب إدارة آثار تحلية المياه بعناية. وشدد مرزوق على أهمية تقييم الآثار والمخاطر المتصلة بالمياه تقييماً دقيقاً في خطط تطوير إنتاج الهيدروجين، ولا سيما في المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي، حيث يجب وضع أنظمة صارمة لاستخدام المياه وإنفاذها في هذا القطاع، وفق تقديره.
وتحدث المسؤول السابق والخبير الطاقي، قائلاً إن التنافس على أشدّه على مشاريع الهيدروجين الأخضر، إنتاجاً وأسواقاً بين شركات الطاقة العالمية، وأيضاً بين الدول التي لها إمكانات كبيرة للإنتاج. وقال إن "الدول الأوروبية تواجه مشكلات في القطاعات التي يصعب تعويض الطاقات الأحفورية فيها، وتعتبر أن الهيدروجين الأخضر حل واعد، غير أن كلفة إنتاجه محلياً مرتفعة جداً، بينما تنخفض هذه الكلفة في دول شمال أفريقيا".
ونصح المتحدث بتحويل فرص الشراكة إلى واقع نافع على تونس، مع مراعاة شروط الاستدامة، والمنفعة الاجتماعية والبيئية. ويذكر أن تونس أطلقت منذ سنة 2022 مشروع الهيدروجين الأخضر في خدمة التنمية المستدامة والاقتصاد الخالي من الكربون، بما يخوّل للبلاد أن تكون أول مصدر لهذه الطاقة نحو أوروبا، والاستفادة من أنبوب الغاز الطبيعي الذي يربط بين تونس وإيطاليا في تأمين عملية التصدير.