تشهد الساحة البريطانية نقاشاً حامياً بخصوص العملات المشفرة، بين من يؤيدها كفرصة استثمار مستقبلية مهمة، وبين من يرى فيها تلاعباً واحتيالاً ومخاطر عالية جداً قد تؤدي إلى الإفلاس.
في السياق، يأتي بحث العام 2021 الصادر عن "هيئة الرقابة المالية" بعد الاهتمام العام المتزايد والنمو المستمر لسوق العملات المشفرة وارتفاع أسعارها، حيث لم تقتصر المشاركة على أفراد، بل جذبت هذه السوق أيضا استثمارات مؤسسية كبيرة داخل البلاد.
وبشكل عام، يصل الوعي العام وتقدير هيئة الرقابة المالية لملكية العملات المشفرة إلى حوالي 2.3 مليون في المملكة المتحدة، ارتفاعاً من حوالي 1.9 مليون في عام 2020.
ويشير البحث إلى أنّ 78% من البالغين سمعوا حديثاً عن العملات المشفرة وهي زيادة كبيرة عن الدراسة السابقة، بيد أن مستوى الفهم العام بها انخفض، حتى أن بعض المالكين لا يفهمون بتاتاً قيمة أو فائدة العملات التي يشترونها، وهو ما يشكلّ مخاطر تحذّر منها هيئة الرقابة المالية.
يبين البحث أنّ من بين أولئك الذين تعرفوا على عملة مشفرة واحدة على الأقل، تعرّف 70% منهم على عملة بيتكوين فقط، بزيادة قدرها 15 نقطة عن عام 2020. وكتب الباحثون أنه من المحتمل أن العديد من البالغين الذين سمعوا حديثا عن العملة المشفرة يعرفون فقط عملة بيتكوين.
على الرغم من هذا الجهل بالعملات المشفرة، ارتفع متوسط الحيازات من 260 جنيها إسترلينيا إلى 300 جنيه. ولا تزال الفئة الأكبر من المستثمرين بهذه العملات من الرجال الذين تزيد أعمارهم عن 35 عاما ويعملون في وظائف إدارية ومهنية عليا ومتوسطة.
أما مشترو العملات المشفرة الجدد فتتراوح أعمارهم بين الـ25-44 عاما، ومنهم اقترض الأموال لشرائها ثمّ ندم وقالوا إن الإعلانات على وسائل التواصل الإجتماعي شجّعتهم على الشراء عندما كانوا يفكرون جدياً في الأمر.
من جهته، يقول دان (33 عاماً)، في حديثه إلى "العربي الجديد"، إنه كان يسمع عن هذه العملات منذ أكثر من عام تقريباً، لكنّه لم يجرؤ على شرائها آنذاك كونه يجهل ماهيتها تماماً. لكن مع بداية هذا العام وازدياد اهتمام من حوله بها، اشترى عدداً من العملات المشفّرة وأنفق حوالي ألفي جنيه إسترليني فقط في البداية.
يتابع: "رحت أتابع كل ارتفاع وانخفاض لها وكسبت بعض المال، وهو ما شجّعني على استثمار المزيد، لكنّ حماسي كان كبيرا فوضعت كل المال الذي كنت أجمعه لشراء منزل، وأنفقت ما يزيد عن 40 ألف جنيها إسترلينيا على العملات المشفرة. لغاية اليوم خسرت الكثير من المال، لكني لست نادما ويحدوني الأمل بأنها ستكون عملة المستقبل، وقريبا ستبدأ بالارتفاع وسأجني أرباحها".
ولا ينفي دان أنّه يعيش في قلق دائم، لكنّه يرى أنّ العملات المشفرة قد تختصر عليه سنين من العمل الشاق في حال ارتفاع أسعارها.
في المقابل، يقول خليل (43 عاماً) إنّه بدأ بشراء العملات المشفّرة في فبراير/ شباط من هذا العام، وإنّه إلى غاية اليوم كسب حوالي 30 ألف جنيه إسترليني. ويكمل: "ما أن ترتفع أي عملة أملكها وأرى أنني أحرزت بضعة آلاف أبيعها على الفور".
ويضيف: "أصدقائي والكثير من حولي ينتقدوني أحيانا ويعتبرون خطوتي متسرعة، وأنه كان بإمكاني جني المزيد. هم ينتظرون أن يحققوا مئات الآلاف أو الملايين، لكني أفضّل ضمان الربح ولو كان بنظر آخرين بسيطاً ولا يغير نمط حياتهم كما يأمل المستثمرون في هذه العملات".
دوافع الاستثمار تتغيّر
إلى ذلك، يشير البحث إلى أن دوافع شراء العملات المشفرة تغيرت، حيث يبدو أن عدداً أقل من مستخدميها يعتبرها مقامرة (38% بانخفاض من 47%) بينما يرى كثيرون أنها بديلا أو مكملا للاستثمارات السائدة.
ويخطط حوالي نصف مستخدمي هذه العملات لشراء المزيد، وتقول نسبة مماثلة منهم إنهم "يعرفون أنهم سيكسبون المال في مرحلة ما".
ومنذ عام 2020، وصل الاهتمام بالأصول المشفرة إلى ما هو أبعد من مستهلكي التجزئة، حيث أظهر المستثمرون المؤسسون وشركات الخدمات المالية التقليدية إقبالاً متزايداً على الانخراط في هذه السوق.
وشهد العام الماضي أيضا زيادة قوية جدا في سعر بيتكوين، الذي بلغ في نهاية عام 2019 حوالي 7000 دولار وبحلول نهاية عام 2020 كان يقترب من 30 ألف دولا،ر ليقترب في يناير/كانون الثاني 2021 من 41 ألف دولار، وبعد ذلك 60 ألف دولار. ثم ليعود وينخفض مرة أخرى إلى حوالي 38 ألف دولار.
انتعاش العملات الرقمية الأخرى
وينعكس هذا الارتفاع على الأصول المشفرة الأخرى. فبعد بيتكوين أظهرت العملات التالية الأكثر شيوعًا تغيرًا، بما في ذلك الإيثر، واللايتكوين، والريبل، والكاردانو والبيتكوين كاش.
أمّا العملات المستقرة التي تعتبر جزءا من اتجاه ناشئ، والتي كانت هيئة الرقابة المالية حريصة على استكشافها لأول مرة، فوجدت أنّ واحدا من كل 3 من مستخدمي العملات المشفرة (33%) سمعوا عن شركة تيثر "Tether" الرائدة في سوق العملات المستقرة، تليها عملة ديم "Diem" والدولار الأميركي "USDC" وعملة "TrueUSD" وباكسوس ستاندرد.
لكن كانت ملكية هذه العملات أقل بكثير وبلغت ذروتها عند 6% للتيثر، بينما قال 87% من مستخدمي العملات المشفرة إن أياً من العملات المشفرة التي اشتروها لم تكن عملات مستقرة.
وبالنظر إلى مستقبل مالكي العملات المشفرة، وجدت هيئة الرقابة المالية أن 37% من مستخدميها لا يعرفون المدة التي يتوقعون خلالها الاحتفاظ بها، بينما قال 16% من أولئك الذين قدموا فترة زمنية إنهم يعتزمون البيع في غضون 3 أشهر، وذكر 49% أنهم يعتزمون الاحتفاظ بها لمدة 5 سنوات أو أكثر.
"فقاعة يغذيها الجهل"
في المقابل، علّق عدد من الخبراء على أبحاث هيئة الرقابة المالية هذه، وقالوا إنّها تعطي صورة إيجابية عن الاستثمار في العملات المشفرة وتشجّع على الاستثمار بها، بدلاً من تفادي مخاطرها الفادحة.
وبحسب ما أورد موقع "إي تي أف إكسبرس"، قال ريك إلينغ، مدير الاستثمار في شركة كويلتر، إن "حقيقة أن المشاركة في العملات المشفرة آخذة في الارتفاع مقابل انخفاض مستوى الفهم يرسم صورة مقلقة".
ويضيف: "بدلا من رؤية الناس للعملات المشفرة على أنها مقامرة، يشير بحث هيئة الرقابة المالية إلى أنهم يرونها استثمارا. بالنسبة لي إن صعود العملات المشفرة ليس أكثر من فقاعة يغذيها الجهل".
وتابع: "حقيقة الأمر هي أنه إذا تمكن شخص ما من جني الكثير من المال بسرعة، فقد يخسر الكثير بالسرعة ذاتها. هذا محض قمار. هناك أوجه تشابه تاريخية بين جنون التشفير الحالي وهوس السكك الحديدية في أربعينيات القرن التاسع عشر، حيث تم جذب المضاربين إلى الأصول الخطرة على أساس أن السكك الحديدية ستغير العالم".
وانتهى إلى القول: "لقد فعلت ذلك في الواقع، لكن ليس قبل أن تؤدي دورة الترويج الذاتي التي تستند فقط إلى المضاربة (وغالبا الاحتيال) إلى إفلاس العديد من العائلات. حقيقة أن التكنولوجيا الجديدة لديها إمكانات كبيرة لا تعزل في حد ذاتها الناس عن مخاطر فقاعة أسعار الأصول المرتبطة بها".