جحيم البطالة في غزة: أجور متدنية وظروف قاسية للعمال تقترب من السخرة

13 ديسمبر 2021
يشهد القطاع زيادة مطردة في أعداد العاطلين عن العمل (عبد الحكيم أبو رياش/أرشيف)
+ الخط -

وافق الشاب عبد الحميد، على العمل في إحدى المنشآت التجارية في قطاع غزة كعامل نظافة بمبلغ مالي لا يتجاوز 20 شيكلاً إسرائيلياً يوميًا، وبإجمالي شهري لا يزيد عن 600 شيكل (نحو 190 دولارا) في أحسن الأحوال نظرًا لحاجته الماسة للعمل.

وتزيد عدد الساعات التي يعمل بها عبد الحميد في المنشأة عن 12 ساعة يوميًا، وتصل في بعض الأحيان إلى 15 ساعة، فيما يبقى العائد المالي الذي يتحصل عليه كما هو، رغم ارتفاع عدد ساعات العمل وهو ما يفاقم معاناته.
ويشهد قطاع غزة الذي يرزح تحت حصار إسرائيلي مشدد منذ عام 2006 زيادة مطردة في أعداد العاطلين عن العمل، وانخفاضا في معدل فرص العمل والأجور اليومية التي يتلقاها العاملون في مختلف المؤسسات الحكومية أو الخاصة.

ولجأ الطالب عبد الحميد للعمل من أجل استكمال دراسته، إذ إنه شارف على التخرج من تخصص هندسة الديكور ويحتاج إلى توفير احتياجاته الجامعية.
وخلال فترة دراسته لجأ الشاب العشريني إلى تأجيل دراسته عدة فصول بسبب ظروفه المالية الصعبة، وعدم القدرة على دفع الرسوم الجامعية والواقع المعيشي الصعب الذي تمر به عائلته بفعل غياب فرص العمل في غزة.

أما الشاب عبد الله إبراهيم، فقبل هو الآخر أن يعمل في أحد محال البقالة في القطاع بواقع 3 أيام أسبوعيًا، بمبلغ مالي لا يزيد عن 20 شيكلاً إسرائيلياً مقابل 11 ساعة عمل في كل يوم يعمل به في هذه المنشأة الاقتصادية.

ويقول إبراهيم لـ "العربي الجديد" إنه في المراحل الأولى لدراسته كان يعمل بواقع يومي بمعدل 10 ساعات يوميًا للمساهمة في توفير جزء من الرسوم والمصاريف الجامعية، قبل أن يتحول للعمل بنظام اليومية في ظل تراجع الحالة الاقتصادية. ويبرر الشاب العشريني قبوله بهذا العمل والأجر المتدني بغياب فرص عمل، وأن عدم موافقته على ذلك سيدفع العشرات للقبول بهذا الأجر المنخفض مقارنة مع الاحتياجات اليومية للشبان أو الأسر الفلسطينية في القطاع من مستلزمات الحياة.

استغلال العمال
يضطر الشبان في القطاع للعمل بأجور مالية قد تصل في بعض الأحيان إلى 15 شيكلاً أو 10 شواكل إسرائيلية مقابل فترة زمنية طويلة يومياً، فيما يضطر بعضهم لأخذ سلف وسدادها بالعمل لمزيد من الأيام والساعات.

وبحسب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، فإنهم رصدوا قيام أعداد كبيرة من أصحاب العمل ومالكي المراكز التجارية باستغلال العمال، وتشغليهم بأجور زهيدة "تقارب أعمال السخرة"، ولساعات يومية تصل إلى 12 ساعة. ويؤكد مدير الهيئة في غزة، جميل سرحان، أن ما يجري يرتقي بحسب تصنيف الأمم المتحدة إلى درجة "الرق المعاصر" وهو أمر مرفوض يتطلب تدخلاً عاجلاً من الجهات الحكومية في القطاع مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف الواقع الاقتصادي.

ويضيف سرحان لـ "العربي الجديد" أن بعض أصحاب العمل يقدمون سلفًا مالية وعينية للعمال، على أن يتم تسديدها من أجرة عملهم "لتصبح ديونا"، وهو ما يعزز استغلال العاملين بشكل واضح في الفترة الأخيرة تزامنًا مع ارتفاع معدلات البطالة.

ويشدد مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان على وجود تقصير حقيقي في عمل وزارة العمل ولجان التفتيش التابعة لها من حيث الرقابة على القضايا المتعلقة بحقوق العاملين وتحصيلهم لأجور مالية تتناسب مع واقعهم المعيشي.

الحد الأدنى للأجور
وحسب قوانين العمل الصادرة عن السلطة الفلسطينية، فإن الحد الأدنى للأجور يقدر بنحو 1450 شيكلاً إسرائيليًا، غير أن ما يدفع في غزة لا يزيد عن 1000 شيكل في أفضل الأحوال، فيما قررت وزارة العمل التابعة للسلطة رفع الحد الأدنى ليصل إلى 1880 شيكلاً، وسط تقديرات بألا يلقى القرار أي تجاوب في القطاع نظرًا للظروف الاقتصادية والمعيشية المغايرة للضفة.

في موازاة ذلك، يقول رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في غزة، سامي العمصي، إن فكرة توحيد الأدنى للأجور في غزة والضفة غير منطقية نظرًا لاختلاف الأحوال الاقتصادية، وأن المطلوب صياغة قرار خاص بغزة قابل للتطبيق وملزم للجميع.

ويضيف العمصي لـ "العربي الجديد" أن الأجور التي تدفع لا تراعي الظروف المعيشية والاقتصادية، فثمة قطاعات لا يتجاوز إجمالي الدخل الشهري 100 دولار أميركي مثل قطاع رياض الأطفال التي يعمل به قرابة 4 آلاف عاملة. وحسب رئيس الاتحاد، فإن قطاع شركات النظافة الذي يشغل قرابة 1700 شخص هو الآخر ينقسم إلى قسمين الأول يتلقى رواتب تتراوح ما بين 100 إلى 120 دولارًا أميركياً، وآخر يعمل في مجال المستشفيات ويتلقى أجورًا تزيد عن 220 دولارًا أميركياً في الشهر.

ويرى العمصي أن المطلوب تشكيل لجنة خاصة من الجهات الحكومية ذات العلاقة والاقتصاديين والشركات والقطاع الخاص والاتحادات العمالية لتحديد الحد المناسب للأجور في غزة.

270 ألف عاطل عن العمل
وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن إجمالي عدد العاملين في القطاعات الحكومية والخاصة والشركات والأونروا يقدر بنحو 278 ألف عامل في غزة، في حين يقدر عدد العاطلين عن العمل بنحو 270 ألف عامل.

في السياق، تقول رئيس وحدة العلاقات العامة والإعلام في وزارة العمل، منال الحتة، إن لجنة متابعة العمل الحكومي (التي تديرها حركة حماس) بصدد وضع تصور وآلية لإمكانية تطبيق الحد الأدنى للأجور بمشاركة وزارة العمل والمؤسسات ذات العلاقة.

وتوضح الحتة لـ "العربي الجديد" أن الوزارة سعت سابقًا لتطبيق الحد الأدنى، إلا أنها لم تتمكن من ذلك في ظل اعتراض الشركات وأصحاب العمل نتيجة لطبيعة الظروف الاقتصادية الصعبة، وتضرر الأوضاع المعيشية بفعل الحصار والحروب.
وقبل سنوات سعت وزارة العمل لتطبيق الحد الأدنى للأجور، والذي يقدر بـ 1450 شيكلاً إسرائيليًا، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة التابعة لحركة حماس، والتي تدير شؤون القطاع، لا تدفع إلا 1200 شيكل لموظفيها وهو ما أضعف فرص تطبيقه.

من جانبه، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي، أسامة نوفل، أنه وفقاً لمؤشر "فلبس" الذي يقيس العلاقة بين الدخل ومعدلات البطالة، فإن ما يجري في القطاع يعتبر أمرًا طبيعيًا مع تجاوز البطالة حاجز الـ 50% من أعداد السكان، وهو ما يسهم في انخفاض أجور العاملين.

ويبين نوفل لـ "العربي الجديد" أن نسبة تطبيق الحد الأدنى للأجور بين المنشآت الخاصة والعامة في القطاع تتراوح ما بين 5 إلى 7% فقط، ويقتصر على كبار المؤسسات مثل البنوك وشركات الاتصالات الكبرى فقط، فيما لا تلتزم بقية المنشآت بذلك.

ويشير الباحث الاقتصادي إلى أن معدل التشغيل في القطاع الخاص تجاوز قبل سنوات حاجز 65% ووصل إلى 70%، في بعض السنوات فيما انخفض اليوم ليصل إلى 53% مع توقعات بانخفاضه إذا ما استمرت الظروف المعيشية والاقتصادية في غزة.

المساهمون