عاد جاك ما، مؤسس "علي بابا" عملاق التجارة الإلكترونية، إلى الواجهة، فقد غادر قائمة أغنى عشرين مليارديراً في العالم التي كشفت عنها مجلة "فوربس" ولم يعد أغنى رجل في الصين. ذلك التراجع كان متوقعاً لمن راقبوا الصعوبات التي يواجهها منذ أشهر.
غير أنّه بعد يوم واحد من نشر قائمة "فوربس" التي تراجع فيها جاك ما، ورد خبر من الصين، يفيد بفرض السلطات الصينية غرامة على مجموعة "علي بابا" في حدود 2.78 مليار دولار.
اختفى وظهر. فبعدما غاب عن الأضواء لمدة ثلاثة أشهر، ظهر أبرز أثرياء الصين ومؤسس "علي بابا" جاك ما، كي يوزع جوائز على مدرّسين متفوقين في منطقة ريفية.
قبل ذلك، قررت السلطات المعنية، إلغاء أو تعليق عملية الإدراج في البورصة، لـ Ant Group، الذراع المالية للمجموعة، التي تعتبر الفاعل الأول في العالم في الأداء عبر الإنترنت، وهو التعليق الذي جعل جاك ما، يخسر مليارات الدولارات.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل فُتِح تحقيق حول شبهة ممارسات احتكارية يستهدف "علي بابا"، علماً أنّ السلطات الصينية كانت أكدت على ضرورة تشديد الرقابة من أجل مكافحة الاحتكار والحيلولة دون "توسع الرأسمال".
لقد عوقب جاك ما، البالغ من العمر 56 عاماً والمتقاعد من رئاسة "علي بابا" بعدما أدلى برأي يخالف ما درج عليه رجال الأعمال في بلده. فقد انتقد في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، النظام المصرفي الصيني، إذ اعتبر أنّه يقدم قروضاً مقابل رهون، ما يعيق الابتكار. عبّر عن رأيه خلال قمة نظمت بشنغهاي، حضرتها نخبة الفاعلين في العالم، بالإضافة إلى محافظ البنك المركزي الصيني، ورئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، والمدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي، والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيغليتز.
يعتبر جون فرانسوا دوفور، مدير شركة استشارة متخصصة في الصين ومؤلف كتاب حول كواليس الرأسمالية الصينية، أنّ جاك ما، أغفل أنّ المصارف في البلد الصيني، توزع القروض بأمر من الحزب الشيوعي. يضيف أنّ الرأسمالية الصينية، ظهرت بتأطير من الحزب الشيوعي، إذ لا يمكن أن يقبل بظهور رجال أعمال، يمكنهم أن يعيدوا النظر في قواعد اللعب التي سنّها الحزب، الذي لديه مراقبون في الشركات والمصارف.
لا يكفّ مراقبون عن التذكير برجال أعمال ومسؤولين في مصارف تراجعوا إلى الظلّ أو حوكموا، في غالب الأحيان، بتهمة الفساد، ما يعني أنّ الحزب يراقب الشركات والمؤسسات المالية التي تتوفر على حضور اقتصادي وازن أو تتوفر على بيانات استراتيجية، حتى لا تظهر كأقطاب سلطة إلى جانب الحزب.
وقد ذهبت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أنّ الرئيس الصيني، شي جين بينغ، تدخّل شخصياً من أجل تحجيم جاك ما، إذ يراد الحدّ من التأثير المتنامي لأشهر رجل أعمال في الصين، بينما رأى آخرون أنّ الصين تتجه نحو تغيير طريقة تعاطيها مع الشركات الصينية العملاقة العاملة في التكنولوجيا.
كان جاك قد اختفى (أو أخفي) بعد تصريحه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ثم ظهر في يناير/ كانون الثاني الماضي، ما دفع إلى طرح تساؤلات حول ظهوره، إذ اعتبر جون فرانسوا دوفوره، أنّ الحزب الشيوعي الصيني قد يكون ذكّر جاك ما، بقواعد اللعب السارية بالصين. فلا مجال لإعادة النظر فيها، ومن غير المسموح انتقاد السياسة الاقتصادية التي برز في ظلّها الملياردير. غير أنّ هناك من يعتقد أنّ غضبة الحزب الشيوعي مع السماح بعودته للواجهة، استحضرت فيها الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها مؤسس "علي بابا" بين مواطنيه، فهو مصدر فخر لهم للنجاح الذي حققه، كما أنّ الحزب الشيوعي كان يقدمه كنموذج يحتذى.
فقد تمكن أستاذ اللغة الإنكليزية والمترجم السابق، الذي يوصف بأنّه "عصامي" من المساهمة في إدخال الصين في العصر الرقمي، إذ انطلق من شقة صغيرة، كي يؤسس مجموعة "علي بابا"، ويجسد نجاح "الرأسمالية الحمراء" عبر العالم.
لم تكفّ وسائل الإعلام الصينية عن تقديم قصص حول بداياته في عالم الأعمال، هو الذي يتحدّر من وسط فقير، فقد كان والده يواجه صعوبة في تأمين قوت أفراد أسرته، وفشل جاك ما، في الحصول على شهادة البكالوريا (الثانوية) مرتين، إلى أن أضحى أستاذاً للإنكليزية ومترجماً، قبل أن يقترض 60 ألف دولار ويؤسس "علي بابا".
لقد جاءته فكرة المغامرة في عالم الإنترنت بعد زيارة قام بها للولايات المتحدة، فكان سبّاقاً في تقديم خدمة الأداء الإلكتروني النقال، وتوسع أكثر عبر منصة التجارة الإلكترونية التي أحدثها، كما جرى تكريس إنجازاته عالمياً، مع ولوج بورصة وول ستريت عام 2014، التي أتاحت له تحقيق 25 مليار دولار. الإنجاز نفسه حققه في بورصة هونغ كونغ، حيث أتاحت له، في العام الماضي، تحقيق 13 مليار دولار.