ثروات الأردن... هرولة حكومية نحو الاستكشافات بعد التجاهل لعقود

23 يناير 2022
شاحنات تنقل النفط من العراق إلى الأردن (Getty)
+ الخط -

تبدي الحكومة الأردنية جدية غير مسبوقة للتنقيب عن النفط والثروات المعدنية، رغم أنّ الدراسات والاستكشافات التي أجرتها حكومات سابقة على مدى أكثر من 6 عقود، أثبتت عدم الجدوى الاقتصادية لاستخراج النفط والعديد من المعادن، وسط علامات استفهام حول الأسباب التي حرمت البلاد من الاستفادة من ثرواتها الطبيعية، رغم أنّ كافة البلدان المجاورة تزخر بها.

ويرى خبراء ومختصون في قطاع الطاقة أنّ الأردن وصل إلى مرحلة اقتصادية صعبة تفاقمت بسبب جائحة كورونا وتداعياتها اضطر بسببها لإعادة فتح ملف الاستكشافات النفطية والمعدنية مجدداً، لا سيما في ضوء توفر الشواهد التي تؤكد وفرة العديد من المعادن وكميات جيدة من النفط الخام والغاز.

وفي هذه الأثناء نشطت على مواقع التواصل دعوات للمواطنين، خصوصاً في محافظات الجنوب التي تشمل "العقبة ومعان والطفيلة والكرك"، لعدم بيع أراضيهم في ضوء تنامي الحديث عن قرب إقامة مشاريع كبرى واستكشافات للنفط والمعادن في تلك المناطق، فيما ارتفع الطلب من قبل سماسرة وشركات عقارية لشراء الأراضي في محافظات الجنوب، خصوصاً في الأجزاء الصحراوية منها.

ولا يستبعد مراقبون وجود رابط بين إعلان النوايا بين الأردن ومصر والاحتلال الإسرائيلي، في ما عرف بـ"المياه مقابل الكهرباء"، والذي يقوم على تزويد الأردن بحوالي 200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً من الكيان الإسرائيلي مقابل إقامة محطة للطاقة الشمسية في الصحراء الأردنية لتزويد "الاحتلال" بالكهرباء.

وزير الطاقة والثروة المعدنية صالح الخرابشة قال أخيراً في تصريحات صحافية، إنّ الأردن بدأ بالتنقيب عن المعادن باهتمام بالغ لإجراء دراسات تجزم الجدوى الاقتصادية من استخراجها، بينما لم تجرِ سابقاً دراسات حقيقية للمعادن في باطن الأرض تثبت الجدوى الاقتصادية لمعدن الذهب وغيره من المعادن، ولا يمكن الجزم دون هذه الدراسات.

وأشار الخرابشة إلى وجود دراسات أولية تؤشر إلى وجود كميات كبيرة من البوتاس في منطقة اللسان بالقرب من البحر الميت، وهي خارج منطقة الامتياز الممنوحة لشركة البوتاس العربية، مضيفاً أنّ عمليات التنقيب عن المعادن تشمل الذهب والليثيوم والنحاس والفوسفات.

غياب العمل المؤسسي

من جانبه قال رئيس نقابة الجيولوجيين صخر النسور لـ"العربي الجديد" إن الأردن يزخر حسب المؤشرات بالثروات المعدنية والنفط، وخاصة من الصخر الزيتي (النفط الصخري)، لكن غياب العمل المؤسسي والجدية من قبل الحكومات السابقة قد حال دون استخراجها والاستفادة منها حتى الآن.

وأضاف النسور أن العديد من المعادن ذات جدوى اقتصادية وأخرى بحاجة لإجراء دراسات شاملة لذلك، فمثلا تتوفر خامات طبيعية للذهب في الجنوب وما زالت عمليات استخراجه تحت الانتظار، أما النحاس فهو موجود في محمية ضانا (جنوب) في منطقة تسمى بخربة النحاس ومنذ سنتين تم بدء العمل بدراسة جدوى اقتصادية للنحاس.

وأكد النسور ضرورة العمل على استغلال الثروات المعدنية واستخراجها لإنعاش الوضع الاقتصادي، وتعزيز الموارد المحلية في ضوء ارتفاع عجز الموازنة العامة، بيد أن مشاريع التعدين تساهم بشكل كبير في توفير فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة وتحريك مختلف القطاعات.

بدوره، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ"العربي الجديد" إنّ "الأردن يمتلك ثروات معدنية مهمة مثل الفوسفات، حيث تغطي نحو 60% من مساحة البلد، فضلا عن الصخر الزيتي باحتياطي يبلغ نحو 40 مليار طن، وهناك دراسات تتحدث عن النحاس والمنغنيز وآمل الزجاج وأملاح البحر الميت واليورانيوم المقدر بحوالي 65 ألف طن وغيرها".

وأضاف عايش أنّ "القضية الأساسية ليست في وجود الثروات المعدنية، وإنما بالجدوى الاقتصادية من استخراجها، بمعنى الكلفة النهائية للتعامل معها قبل استهلاكها أو تصديرها، ففي الأردن ترتفع الضرائب وكلف والطاقة واستيراد التكنولوجيا المناسبة للتعامل مع هذه الثروات، بما يجعلها غير مجدية اقتصادياً وتصديرياً وحتى على مستوى الصناعات أو المنتجات المحلية".

وتابع: "كثيراً ما أضعنا الفرص السانحة للاستفادة من الثروات المعدنية، لأن أصحاب المصالح هم من يقررون كيفية الاستفادة منها، ما يحولها إلى قيمة سلبية من حيث العائد الاقتصادي والاجتماعي".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأشار إلى أنّ هناك مأزقاً يتمثل في التغير المناخي وضرورة الوصول إلى صفر كربون، وبالتالي فإنّ أيّ تعامل تقليدي مع هذه الثروات سيكون مكلفاً، وربما يؤثر على منح ومساعدات وحتى قروض سيحصل عليها الأردن من أجل الاستثمار في إنتاج هذه المعادن، كما أنّ السوق العالمي محكوم بشركات عالمية تفرض الأسعار ولن تسمح لوافدين جدد بالدخول إلى تلك الأسواق بسهولة.

وفرة في معدني اليورانيوم والذهب

ووفق الخبير في قطاع الطاقة هاشم عقل، فإنّ "البيانات الصادرة منذ سنوات طويلة عن سلطة المصادر الطبيعية تؤكد وفرة المعادن في الأراضي الأردنية مثل اليورانيوم والذهب والرمل الزجاجي والفوسفات والبوتاس وغيرها، لكن لا تعرف الأسباب الحقيقية لعدم الاستفادة منها واستخراجها حتى الآن".

وقال عقل إنّ سلطة المصادر الطبيعية الأردنية تشير إلى أن خامات الفوسفات تتواجد في قرابة 60% من مساحة الأردن، خصوصاً في حزام عرضه 300 كيلومتر ويمتد من الشمال إلى الجنوب، وتتركز معظم الاحتياطيات القابلة للاستخراج اقتصادياً في منطقة الشيدية في محافظة معان (جنوب).

وفي أواخر عام 2008، قدرت شركة مناجم الفوسفات الأردنية إجمالي الاحتياطيات من الخامات الحاملة للفوسفات بنحو 1.5 مليار طن، ويحتل الأردن المرتبة السادسة عالمياً، لناحية كمية الإنتاج، بسبعة ملايين طن في العام.

وبحسب عقل، فإنّ الأردن يمتلك وفق تقارير حكومية مصدراً كبيراً جداً من الطاقة، ويتمثل في الاحتياطي الضخم من الصخر الزيتي (يغطي 60% من مساحة الأردن)، لافتاً إلى أنّ أهم الحقول هو اليرموك، إذ يظهر الخام بسماكة كبيرة. ويأمل الأردن بالاعتماد على هذا المصدر من الطاقة، رغم أنّ استخراجه مكلف.

وأضاف أنّ استخراج المعادن أيضاً مطلب أساسي لتطوير الاقتصاد، إذ يسهم بشكلٍ واسع في ايجاد فرص عمل، مشيراً إلى أنّ من المعلوم أنّ كلّ فرصة عمل مباشرة في التعدين يترتب عليها عشر فرص عمل غير مباشرة، وكذلك زيادة الايرادات ورفع نسبة النمو الاقتصادي وإيجاد مجمعات سكنية ومجتمع مدني في أماكن التعدين، وتوفير حاجة الصناعات المحلية من المواد الأولية.

المساهمون