تونس وصندوق النقد والثورة المضادة

30 يونيو 2021
الثورة التونسية/(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تعيش تونس أوضاعا اقتصادية ومالية غاية في التعقيد والصعوبة، فالدولة المعتمدة في إيراداتها من النقد الأجنبي على أنشطة الخدمات والتصدير تعاني تراجعا في القطاعين أقرب للتهاوي.
فهناك حالة شلل أصابت قطاع السياحة، المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي، بسبب وباء كورونا، وخسائر القطاع زادت عن 7.2 مليار دولار منذ تفشي الوباء في العام 2020.

وشهد العام تراجعاً حاداً في المؤشرات السياحية، فقد انخفض عدد الوافدين بنسبة 78% والعائدات 64.5% والليالي السياحية 80%.

وهناك تراجع أيضا في صادرات الفوسفات، أحد أعمدة الاقتصاد، والتي شهدت تهاويا ونزيفا متواصلا منذ ثورة 2011 بسبب الاضرابات المستمرة والاحتجاجات العمالية التي لا تتوقف ومطالب التشغيل لأبناء المناطق الواقع بها مواقع الإنتاج.

وبعد أن كانت تونس ثالث منتج للفوسفات عالميا في العام 2010 بإنتاج فاق 8 ملايين طن، أصبح الإنتاج معطلا ومتعثرا، بل ويخسر القطاع مليار دولار سنويا تقريبا منذ العام 2011 بسبب وقف الإنتاج من وقت لأخر، وهذا رقم ضخم مقارنة بإمكانات تونس المالية، وكان يمكن أن يجنبها الأزمات المالية وحتى الاقتراض من صندوق النقد. 

تضرر أنشطة السياحة والخدمات وإنتاج الفوسفات، والحكومة تستنجد بصندوق النقد الدولي لاقتراض 4 مليار دولار، والصندوق يتلكأ في تلبية الطلب

ورغم ارتفاع حجم التحويلات المالية في العام الماضي بنسبة بسيطة تبلغ 2.3% رغم جائحة كورونا، لتتفوق على عائدات الاستثمار الخارجي والهبات والمساعدات الإنمائية الرسمية، إلا أن هناك توقعات بتراجع تحويلات المغتربين في الفترة المقبلة في ظل الأزمة المالية التي شهدتها دول الخليج النفطية، المصدر الرئيسي للتحويلات، وإغلاق اقتصادات الدول المستقبلة للعمالة التونسية ومنها فرنسا وإيطاليا ودول منطقة اليورو. 
هذا كله أثر على احتياطي النقد الأجنبي في البلاد والميزان التجاري وتسبب في عجز حاد ومتنام في الموازنة العامة وأضعف قدرة البلاد على سداد أعباء الدين الخارجي ومكافحة كورونا وسداد الرواتب.

ومع تفشي وباء كورونا في البلاد هذه الأيام وانتشار ما يشبه "تسونامي كورونا" على نطاق واسع بات المشهد معقدا ومربكا للحكومة التي استنجدت بصندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار يمكنها من سداد ديون مرتقبة مستحقة بقيمة مليار دولار وتغطية العجز المالي.
لكن الصندوق يتلكأ في تلبية الطلب التونسي بحجة أن البلاد لم تف بتعهداتها السابقة ومنها خفض رواتب وعدد موظفي الجهاز الإداري بالدولة، وإزالة الدعم كلية عن الوقود، وزيادة أسعار السلع الغذائية ورغيف الخبز، وتسريع برنامج بيع الشركات العامة، لكن الحكومة تدرك جيدا أن تلبية هذه الشروط المجحفة والقاسية للمواطن ستفتح عليها باب جهنم، وقد تحول تونس إلى سودان أخر وربما لبنان أخر.

يزداد المشهد في تونس تعقيدا مع وجود توقعات قوية بزيادة أسعار الغذاء والنفط، وهو ما قد يدفع الحكومة نحو إجراء زيادات قياسية في أسعار السلع الغذائية والوقود، وهو ما قد يدخل الشارع في قلاقل اجتماعية واحتجاجات على غلاء المعيشة

وبما أن تونس لا تنتمي لدول الثورات المضادة القامعة لحريات شعوبها، ويرفض نظامها الحاكم تكميم أفواه المواطنين وسجن المعارضين واصحاب الرأي، وليس لها ضامنون اقليميون لدى المؤسسات المالية الدولية المقرضة كالإمارات التي تناصب ثورتها العداء، ولا تحظى الحكومة الحالية بمساندة السعودية، عضو مجموعة العشرين والعضو المؤثر في الصندوق، لذا ليس من المتوقع أن يوافق صندوق النقد الدولي بسهولة على منح القرض بالقيمة المطلوبة وهي 4 مليارات دولار.
يزداد المشهد في تونس تعقيدا مع وجود توقعات قوية بزيادة أسعار الغذاء والنفط والمواد الخام والمعادن والسلع الوسيطة وغيرها من السلع التي تستوردها البلاد في الفترة المقبلة، وهو ما قد يدفع الحكومة نحو إجراء زيادات قياسية في أسعار السلع الغذائية والأدوية وحليب الأطفال والبنزين والسولار والغاز وفواتير النفع العام من مياه وكهرباء ورسوم وضرائب، وهو ما قد يدخل الشارع في قلاقل اجتماعية واحتجاجات على غلاء المعيشة، شأنها في ذلك شأن الدول العربية الأخرى المستوردة للقمح والذرة والزيوت والطاقة.
فتجاوز سعر النفط عتبة الـ60 دولاراً يتسبب في فجوة جديدة في موازنة تونس لن تقلّ عن 2.5 مليار دينار، أي ما يعادل 915 مليون دولار، فما بالنا وقد تجاوز السعر 76 دولاراً اليوم الأربعاء. وزيادة دولار واحد في سعر برميل النفط يكلّف الموازنة نفقات إضافية بـ129 مليون دينار، وهي مبالغ لا تستطع الموازنة التونسية تحملها في ظل جفاف الإيرادات العامة.

موقف
التحديثات الحية

تونس ستعاني كما تعاني أغلب الدول العربية التي تمر بأزمات مالية واقتصادية، لكن هل هي على حافة الإفلاس والتعثر المالي كما يتوقع البعض؟
يتوقف ذلك في رأيي على موقف وسرعة تحرك الداعمين الإقليميين والدوليين الذين يجب أن يمدوا يد العون لتونس حتى لا تتحول إلى لبنان أخر، خاصة وأن الحكومة لا تملك العصا الأمنية الغليظة القادرة على ترهيب المواطن وتخويفه من الخروج إلى الشارع للتظاهر رفضا لغلاء المعيشة وقفزات الأسعار والبطالة والفقر.
كما يتوقف الأمر على مدى قدرة التونسيين على الصمود، وإعادة النشاط لقطاعات حيوية منها إنتاج الفوسفات والنفط والغاز والسياحة الداخلية والزراعة والصيد.
لو أن حكومة تونس لديها نظام حاكم قمعي غير منتخب وبرلمان صوري، وحكومة مؤيدة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتمارس السلطات الحاكمة كل صنوف القهر على مواطنيها وتصادر الحريات العامة، لربما سارع صندوق النقد والبنك الدوليين وغيرهما من المؤسسات المالية الدولية إلى انقاذها بضغط من الولايات المتحدة وحكومة تل أبيب، أما وأن لديها حكومة منتخبة بإرادة شعبية حرة فإنها ستعاني بعض الوقت كما تعاني الدول الرافضة للثورات المضادة وقمع شعوبها.

المساهمون