تتوالى المطالب الخارجية والداخلية بضرورة تشكيل حكومة في تونس، تكون مهمتها الأساسية إنقاذ الاقتصاد وإخراج البلاد من نفق الإفلاس أو السيناريو اللبناني، بينما يتمسك الرئيس قيس سعيد بإحكام قبضته على السلطات، حيث جاء قراره الصادر في 24 أغسطس/ آب الماضي تمديد التدابير الاستثنائية التي اتخذها في 25 يوليو/ تموز الماضي "حتى إشعار آخر" صادماً للمؤسسات المالية الدولية التي تحذر من مخاطر اقتصادية كبيرة بسبب الأوضاع الحالية.
ويوم الاثنين الماضي، دعا سفراء مجموعة السبع للدول الصناعية الكبرى لدى تونس، في بيان مشترك، الرئيس التونسي إلى ضرورة تعيين رئيس للحكومة والعودة إلى النظام الدستوري في أسرع وقت ممكن، من أجل تحقيق مستوى معيشي أفضل للشعب.
وبعد نحو 6 أسابيع من إعلانه التدابير الاستثنائية وجمع السلطات في يده بإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتعليق عمل البرلمان، لم يكشف سعيد عن خطته الاقتصادية، ولم يفصح عن رئيس الحكومة القادم وبرنامجه لتمويل عجز الموازنة وسداد مستحقات الدائنين ودفع الأنشطة الاقتصادية المحلية.
تعاني المالية التونسية من وضع صعب للغاية، إذ يتوقع أن يبلغ العجز المالي 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأعلى منذ ما يقرب من 4 عقود
والأسبوع الماضي زار تونس وفد رفيع المستوى من مجموعة البنك وصندوق النقد الدوليين التقى خلالها الرئيس التونسي والمنظمات المدنية الأكثر تأثيراً، ولا سيما الاتحاد العام التونسي للشغل (اتحاد العمال) واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (يمثل رجال الأعمال).
وأكد نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بالحاج، ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة وتعيين رئيس وزراء لديه صبغة اقتصادية، ليكون طرفاً تتعامل معه المؤسسة المالية الدولية، وشدد على ضرورة الإسراع بإعلان رؤية واضحة لتونس على المدى المتوسط والبعيد.
وطلب المسؤول في البنك الدولي أن تركز السلطات على مسألة واحدة، هي الإنعاش الاقتصادي، مشيراً إلى أهمية أن يكون رئيس الحكومة القادم رجل اقتصاد بامتياز، وأن تحسم السلطات مصير الإصلاحات الاقتصادية الواجبة، وأن تستغل فرصة الاجتماعات المنتظرة لمجلس إدارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل من أجل توضيح موقفها والحصول على دعم المؤسستين الماليتين.
وأكد الخبير الاقتصادي التونسي محمد منصف الشريف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "غياب المُخاطب الحكومي يشغل الداخل والخارج، ولا سيما أن حالة الفراغ الذي تعيشه تونس يزيد من رداءة مناخ الأعمال رغم الطمأنات التي يوجهها الرئيس".
وقال الشريف إن التوجه إلى الخارج من أجل الاقتراض يتطلب صلابة داخلية تفتقدها تونس في الوقت الحالي بسبب تعطيل جزء من مؤسسات الحكم، وهي البرلمان والحكومة، مضيفاً أن "مؤسسات القرض لا توقع الاتفاقيات المالية مع رؤساء الدول، بل مع حكومات وبعد تصديق البرلمان الذي يحول الاتفاق المالي إلى قانون نافذ وملزم للدولة، بينما الوضع السياسي قد يمنع حصول تونس على أي تمويلات أجنبية على المدى القريب".
متحدث باسم صندوق النقد الدولي لـ"العربي الجديد": تونس لا تزال تواجه ضغوطاً اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة نتيجة الوباء
ورجّح الخبير الاقتصادي أن تواصل دوائر القرار المالي العالمي ضغوطها على الرئيس التونسي من أجل تشكيل حكومة بمقاييس محددة أهمها القدرة على إدارة المرحلة الاقتصادية، مؤكداً أن رسائل مسؤول البنك الدولي كانت واضحة ولا تحتاج إلى تفسيرات.
وإثر إعلان سعيد للتدابير الاستثنائية، قال صندوق النقد الدولي إنه يراقب من كثب تطورات الوضع في تونس التي لا تزال تواجه ضغوطاً اجتماعية واقتصادية غير عادية، منها تداعيات جائحة فيروس كورونا، التي تسبب خسائر كبيرة.
وقال متحدث باسم الصندوق لـ"العربي الجديد" عبر البريد الإلكتروني إن دعم الصندوق لتونس هدفه "تحقيق انتعاش شامل، وخلق فرص عمل واستعادة الموارد المالية المستدامة، وتحقيق تطلعات الدولة لنسب نمو أعلى تمكن من خلق أمل للوظائف"، مؤكداً أن "البلاد لا تزال تواجه ضغوطاً اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة نتيجة الوباء.
وقال الخبير المالي التونسي آرام بالحاج، إن السلطات التونسية مطالبة بالإجابة سريعاً عن سؤالين أساسيين، هما "كيف ومتى سيتم تمويل عجز الموازنة الحالية؟"، مشيراً إلى أن البلاد تحتاج إلى ما لا يقل عن 8 مليارات دينار (2.85 مليار دولار) قبل نهاية العام الحالي من أجل سداد ثغرات الموازنة.
ويطالب الاتحاد العام التونسي للشغل بتوضيحات بشأن مستقبل الحكومة، مشدداً على أن وجود خريطة أمر ضروري لتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
الخبير المالي آرام بالحاج: البلاد تحتاج إلى ما لا يقل عن 8 مليارات دينار (2.85 مليار دولار) قبل نهاية العام من أجل سداد ثغرات الموازنة
وأكد المتحدث باسم الاتحاد سامي الطاهر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تونس تحتاج سريعاً إلى حكومة ورئيس فريق ينسق بين أعضائه تعمل وفق برنامج أولويات، مضيفاً: "كل تأخير في تعيين الحكومة قد يسير بالبلاد إلى خطر التفكيك واللادولة".
وتعاني المالية العامة التونسية من وضع صعب للغاية، إذ يتوقع أن يبلغ العجز المالي 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، وهو الأعلى منذ ما يقرب من أربعة عقود.
وتهدف ميزانية 2021 إلى خفض العجز المالي إلى 6.6%، لكن صندوق النقد الدولي قال في بيان عقب زيارة لتونس في يونيو/ حزيران الماضي إن هناك حاجة إلى إجراءات محددة لدعم هذا الهدف.