تونس : شقق بمليار دينار تنتظر مشترين والأسعار تزيد الركود

24 ديسمبر 2020
شوارع العاصمة بدت خالية في ظل جائحة كورونا التي زادت ركود القطاع العقاري (الأناضول)
+ الخط -

رحّل قطاع التطوير العقاري في تونس مساعي إنعاش المبيعات للعام الثالث على التوالي، على أمل الحصول على امتيازات ضريبية ضمن قانون المالية التكميلي (الموازنة العامة) الذي وعدت الحكومة بعرضه على المناقشة في شهر مارس/آذار المقبل.

ويسعى مطورو العقارات لإقناع الحكومة والقطاع المصرفي بخفض الضرائب على المبيعات وتعديل نسبة الفائدة المخصصة لقروض الإسكان، من أجل بيع رصيد عقاري راكد فاقت قيمته المليار دينار (357 مليون دولار) وسداد ديون متفاقمة لدى البنوك دخلت مرحلة التعثر.

وقال فهمي شعبان، رئيس الغرفة الوطنية للباعثين (المستثمرين) العقاريين، إن المبيعات هوت خلال العام الحالي بنحو 80% مقارنة بالعام الماضي 2019، حيث لم تتجاوز بضع المئات من الوحدات السكنية، مشيرا إلى أن ديون القطاع لدى البنوك تقارب 5.6 مليارات دينار (ملياري دولار) وفق بيانات صادرة عن البنك المركزي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

وأوضح شعبان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن جزءا من هذه القروض دخل مرحلة التعثر، بسبب عدم قدرة المستثمرين العقاريين على الوفاء بالتزاماتهم تجاه المؤسسات المصرفية نتيجة الركود التام في المبيعات، لافتا إلى وجود رصيد من الشقق والمساكن غير المباعة تفوق قيمته المليار دينار.

ورجح شعبان ارتفاع أسعار العقارات مجددا خلال العام المقبل، بسبب غياب الإجراءات الحكومية للتخفيف من الأعباء المالية على القطاع، واستمرار أسعار أغلب مواد البناء وخدمات الإنشاء في الصعود.

وأضاف رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين، أن مطوري العقارات يعلقون آمالهم على مشروع قانون المالية التكميلي للسنة القادمة، لتخفيف الأعباء الضريبية على مبيعات العقارات من أجل تنشيط الحركة التجارية، مشيرا إلى أن الاستثمار في القطاع شبه متوقف.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وحول المشاريع العقارية الجديدة التي لا تزال قيد الإنشاء، قال شعبان، إنها مشاريع قديمة تمت برمجتها منذ أكثر من سنتين ممولة بقروض بنكية سارية ولم يعد بإمكان الباعثين إيقاف هذه الاستثمارات، بسبب التزاماتهم مع المؤسسات المصرفية، متوقعا أن تدخل المشاريع الجديدة بدورها إلى دائرة الركود الذي يتخبط فيه القطاع.

وعن إمكانية لجوء المطورين العقاريين إلى آليات جديدة لتنشيط المبيعات على غرار التأجير بعقود البيع، قال فهمي شعبان إن هذه الآلية غير مجدية ومحفوفة بالمخاطر، التي قد تزيد في إغراق القطاع في الديون، مشيرا إلى أن شركات التطوير العقاري الحكومية لم تعد تعتمد هذه الآليات وتواجه بدورها ذات الصعوبات التي يواجهها المستثمرون في القطاع الخاص.

وطالب شعبان بخفض الفوائد البنكية على القروض العقارية، وإجراء مراجعات في سياسات الإقراض السكني من أجل تحفيز الطبقة الوسطى على شراء المساكن، بعد أن فقدت هذه الشريحة كل إمكانيات التملّك بسبب ارتفاع كلفة القروض.

وصادق البرلمان التونسي ضمن قانون الموازنة لسنة 2021 على بند يمنح الأجراء (العمال) الذين يرغبون في اقتناء مساكن عن طريق تمويل بنكي أو عقد بيع مرابحة حق الانتفاع بتخفيض في الضريبة على الدخل الواجبة على دخلهم الإجمالي لسنة 2021 في حدود 100 دينار شهريا (نحو 37 دولارا)، وذلك شريطة إبرام عقدي اقتناء المسكن والقرض أو بيع المرابحة خلال 2021.

وتهدف الحكومة من خلال الطرح الجديد إلى خلق متنفس مالي إضافي لأصحاب الرواتب والموارد المحدودة، لتشجيعهم على اقتناء مساكن وإعادة تحريك سوق العقارات التي دخلت في ركود غير مسبوق زادت الجائحة الصحية في تعميقه.

وبسبب غلاء أسعار المساكن المعروضة وارتفاع كلفة القروض يزحف البناء العشوائي على أغلب محافظات تونس، حتى بات يمثل 38% من مجموع الإنشاء العقاري السنوي، وفق بيانات رسمية لوزارة التجهيز والإسكان.

وسجل المؤشر العام لأسعار العقارات خلال الربع الثالث من العام الجاري ارتفاعا بنسبة 6%، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وفق بيانات صادرة حديثا عن معهد الإحصاء الحكومي، مشيرة إلى أن الطلب على الشقق تراجع بنسبة 5.2%.

ورغم هذه المؤشرات، إلا أن خبير العقارات رافع القمودي قال، لـ"العربي الجديد"، إن العقارات تظل ملاذا آمنا للمضاربين ومن يملكون الأموال، وهو ما يفسر قدرة القطاع على الصمود لسنوات من دون تسجيل أي هبوط في الأسعار.

لكن القمودي رجح، في المقابل، أن يكون قطاع العقارات آخر القطاعات التي تحقق تعافيا في فترة ما بعد جائحة كورونا، التي أنهكت القدرات الشرائية لأغلب مكونات الطبقة المتوسطة والذين وجهوا الكثير من مصادر الدخل لمواجهة الأعباء المعيشية المتزايدة في الفترة الأخيرة.

كذلك يمثل ارتفاع نسب الفوائد البنكية على قروض السكن واحداً من أهم أسباب عزوف التونسيين عن اقتناء العقارات، حيث يتجاوز معدلها 15% وهي نسبة كبيرة ومرهقة، بحسب المواطن زهير البجاوي، الذي أكد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "شطط فوائد البنوك غير من عقلية التونسيين وجعلهم يتجهون نحو خيارات تأجير المساكن بدل الشراء".

وأضاف البجاوي أن الاجتهاد من أجل شراء مساكن بدأ يتلاشى من أولويات التونسيين، رغم أن هذا الأمر كان متأصلا في العقلية الاجتماعية لمختلف شرائح المجتمع، معتبرا أن الظروف المعيشية الصعبة وغلاء الأسعار وشطط القروض البنكية اجتمعت من أجل إنهاء حلم شراء مسكن لدى أغلب الطبقات الاجتماعية، بما في ذلك الميسورة نسبيا.

وخلال السنوات الخمس الماضية، قفز مجموع القروض التي حصل عليها التونسيون لتمويل شراء المساكن من 8.2 مليارات دينار في ديسمبر/كانون الأول 2015 إلى حوالي 11.4 مليار دينار (4 مليارات دولار) في سبتمبر/أيلول 2020، بحسب بيانات البنك المركزي.

ووفق بيانات البنك المركزي، قفز مجموع القروض التي حصل عليها التونسيون من القطاع المصرفي في السنوات العشر الماضية من 10.7 مليارات دينار نهاية عام 2010 إلى 24.7 مليار دينار (8.82 مليارات دولار) في سبتمبر/أيلول من العام الجاري.

وحسب بيانات حديثة صادرة عن المعهد الوطني للاستهلاك، فإن الأسر المديونة تخصص نحو 43% من أجورها لسداد الديون، وقد ترتفع هذه النسبة لدى بعض الأسر إلى 60%.

ولفتت البيانات إلى أن 70% من الأسر لها مصدر وحيد للاستدانة و20% لها مصدران و10% ثلاثة مصادر فما فوق، وأن الأسر التي تتكون من 4 إلى 5 أفراد تمثل 59% من الأسر المقترضة، مع تمركز 60% من هذه الأسر في إقليم تونس الكبرى (يضم ولايات تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) شمال البلاد.

دلالات
المساهمون