يترقب مزارعو الحبوب في تونس قرارات حكومية بشأن إسقاط مديونية القطاع بعدما تحولت الديون إلى حمل تتوارثه الأجيال نتيجة تصاعد نسب الفائدة الموظفة على القروض وتوالي سنوات الجفاف في الأعوام الأخيرة.
ومع كل بداية موسم زراعي جديد تعيد منظمات المزارعين طرح ملف مديونية القطاع بحثا عن حلول جذرية تنهي معاناة أجيال من الفلاحين مع الديون المتراكمة بعدما تسببت الفوائد المتراكمة في إقصاء الآلاف منهم من دورة الإنتاج بينما تكابد البلاد لتوريد شحنات من القمح لضمان خبز المواطنين.
ويسعى اتحاد الفلاحة والصيد البحري (منظمة المزارعين) لتشكيل قوى ضغط جهوية ومركزية لفتح ملف مديونية مزارعي الحبوب قبل مناقشة مشروع قانون المالية من قبل البرلمان.
وتهدف مساعي منظمة المزارعين إلى إقناع السلطات باتخاذ خطوات نحو شطب جزء من ديون القطاع وإحداث خطوط تمويل بفوائد تفاضلية لتمويل القطاع الذي يحتاج سنويا إلى نحو ملياري دينار (الدولار = نحو 3.15 دنانير) لضمان بذر نحو 1.2 مليون هكتار من الأراضي المخصصة لزراعة الحبوب.
ويرى عضو منظمة المزارعين محمد رجايبية أن الظرفين المحلي والعالمي يمليان المرور سريعا نحو قرارات جريئة لضخ دماء جديدة في قطاع الحبوب الحيوي لضمان الأمن الغذائي للتونسيين.
وقال رجايبية في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن المال قوام الأعمال في كل القطاعات الاقتصادية، مؤكدا أن منتجي الحبوب مثقلون بالديون نتيجة ارتفاع سعر فائدة القروض التي يحصلون عليها وعدم قدرتهم على السداد لسنوات طويلة بسبب تأثيرات المناخ والجفاف على القطاع.
وتابع: "تتراكم ديون مئات المزارعين لجيلين أو ثلاثة، وهو ما يتطلّب خطوات عملية نحو غلق هذا الملف والمرور إلى تنفيذ استراتيجيات جديدة تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات المحلية والعالمية في إنتاج الحبوب".
وتحدّث رجايبية عن ركود استثماري كبير في زراعة الحبوب نتيجة غياب التمويلات والحوافز، ما يسبب تعطل مشاريع تحديث آلات الإنتاج أو التوسع في المساحات المنتجة.
وأكد في سياق متصل أن المزارعين يعوّلون على إمكانياتهم الخاصة في تمويل نحو 80 في المائة من إنتاج الحبوب بينما لا تتخطى مساهمة القطاع المالي 20 في المائة، وهي نسبة ضعيفة جدا رغم كلفتها العالية، وفق قوله.
واعتبر رجايبية أن التحولات المناخية وانحباس الأمطار لمواسم متتالية حوّلت إنتاج الحبوب إلى قطاع محفوف بالمخاطرة وهو ما يتطلب توفير خطوط تمويل تتقاسم فيها الدولة الأعباء مع المزارعين في سنوات الجفاف، وأضاف: يصل متوسط كلفة إنتاج هكتار واحد من الحبوب إلى 1600 دينار.
وتبلغ ديون المزارعين حسب بيانات رسمية للبنك المركزي التونسي لسنة 2021 ما يزيد عن 800 مليون دينار، وتبلغ نسبة تخلف المقترضين عن سداد ديونهم 30 في المائة.
ويواجه قطاع الزراعة في تونس، حسب متابعين للملف، مشاكل هيكلية تعرقل تطوره، على الرغم من صموده أمام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد في سنوات ما بعد الثورة.
وظل القطاع الزراعي الوحيد تقريبا الذي استمر في النشاط وتحقيق الأرقام الإيجابية بنسبة نمو تزيد عن 3 في المائة رغم الصعوبات والمشاكل الهيكلية والتهميش الذي يعيشه العاملون في هذا القطاع، آخرها فيروس كورونا.
وأخيرا انتقد الرئيس التونسي قيس سعيد عدم قيام البنك الفلاحي الحكومي بمهامه في توفير التمويلات الكافية لفائدة القطاع الفلاحي وصغار المزارعين الذين يواجهون شح التمويلات وشطط نسب الفائدة.
يرى عضو منظمة المزارعين محمد رجايبية أن الظرفين المحلي والعالمي يمليان المرور سريعا نحو قرارات جريئة لضخ دماء جديدة في قطاع الحبوب
والبنك الوطني الفلاحي هو مصرف تجاري حكومي تأسس منذ عام 1959 بهدف دعم تمويل القطاع الزراعي. ويموّل البنك الفلاحي مختلف الأنشطة الزراعية والصيد البحري، كما يساهم في تمويل عمليات شراء القمح التي ينفذها ديوان الحبوب الحكومي، وتبلغ نسبة تمويله للأنشطة الزراعية 7% من إجمالي قيمة معاملاته.
وأخيرا أعلنت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عن تخصيص اعتمادات بقيمة 15 مليون دينار، أي نحو 5 ملايين دولار لتمويل 3 آلاف قرض موسمي لفائدة صغار الفلّاحين في قطاع الحبوب.
ويرى الخبير المالي خالد النوري أن مساهمة القطاع المالي في تمويل القطاع الزراعي ضعيفة جدا ويحتكر البنك الفلاحي الحكومي القسم الأكبر منها.
وتابع النوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تمويل البنك الفلاحي لمنتجي الحبوب لا يتخطى 6.7 بالمائة من مجموع القروض التي يمنحها للعملاء، مؤكدا أن آخر عملية إسقاط لديون منتجي حبوب أجراها البنك كانت عام 2014 ولم تتجاوز 25 مليون دينار.
وأضاف المتحدث أن ديون الفلاحين لدى البنك الوطني الفلاحي وفق آخر البيانات الرسمية لا تتجاوز 600 مليون دينار، بينما تصل ديون البنك الميؤوس من استخلاصها 3.4 مليارات دينار، أي ما يعادل 1.1 مليار دولار.
تعوّل تونس أساسا على القمح المُورَّد لتوفير الغذاء لمواطنيها الذين يصل استهلاكهم السنوي من الحبوب إلى ما بين 2.5 و3 ملايين طن، أو ما يعادل 136 كيلوغراما من الدقيق والحبوب في العام الواحد لكل مستهلك.
تمثل زراعة الحبوب أحد أعمدة القطاع الفلاحي في تونس بمساهمة تقدر بـ13 في المائة من القيمة الزراعية المضافة. وارتفعت واردات تونس من الحبوب هذا العام حتى آخر يوليو/ تموز 2023، بنسبة 4.4% مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2022.