تستهدف حكومة تونس أموال المهربين والناشطين في القطاعات غير المصرح بها لدى الضرائب لتوفير موارد لصالح الموازنة، بعدما كانت هذه الحلول محل جدل كبير في البرلمان المجمدة أعماله، خوفاً من تبييض أموال مشكوك في مصادرها ومنح الفاسدين "صكوك العفو مقابل الدفع".
وتضمنت أحكام قانون الموازنة للعام الجديد فصلاً للعفو الضريبي، يتم بمقتضاه إبراء ذمة الأشخاص الطبيعيين الذين بحوزتهم مبالغ متأتية من أنشطة غير مصرح بها من الناحية الجبائية، شريطة إيداع هذه المبالغ في أجل أقصاه آخر يونيو/حزيران 2022 في حساب مصرفي أو بريدي، مع دفع ضريبة بنسبة 10% من المبالغ المذكورة.
والعام الماضي ناقش البرلمان التونسي في إطار قانون الإنعاش الاقتصادي الفصل ذاته، غير أنّ حلول المصالحة مع المهربين والناشطين في السوق السوداء، قوبلت بالرفض من جبهة واسعة من النواب.
لكنّ الخبير المالي محسن حسن، قال لـ"العربي الجديد" إنّ السلطات تملك آليات التثبت من مصادر الأموال، وإنّ الأحكام المدرجة في قانون الموازنة تستهدف بالأساس الأموال المتأتية من أنشطة غير مصرح بها ضريبياً، مستبعداً أن تكون مصادر هذه الأموال تجارة المخدرات أو الأسلحة أو غيرها من النشاطات التي تدر عائدات "قذرة".
أنشطة السوق السوداء
وأضاف حسن، أنّ الحكومة تسعى إلى الإدماج التدريجي لأنشطة السوق السوداء ضمن القنوات الرسمية التي تزيد من العائد الضريبي للدولة وتحد من توسع النشاط الموازي الذي يستأثر بأكثر من 50% من الناتج المحلي.
كذلك، أكدت وزيرة المالية سهام البوغديري، في مقابلة مع إذاعة محلية، الأسبوع الماضي، أنّ الأحكام الواردة في قانون المالية لا تستهدف الأموال المتأتية من أنشطة تشكل خطراً على أمن البلاد، بقدر ما تستهدف أموال النشاطات التجارية في السوق السوداء والتي يسهل إدماجها في الاقتصاد المنظم.
لكنّ منظمة "أنا يقظ" المتخصصة في مكافحة الفساد عبرت في وقت سابق عن معارضتها لحلول المصالحة الجبائية التي تفسح المجال أمام تكريس اللامساواة بين دافعي الضرائب من خلال تمكين فئات دون أخرى من "امتيازات مشطّة (مبالغ فيها)" ما يكرس ثقافة الإفلات من العقاب والهروب من المحاسبة من خلال تسوية المهربين والمتهربين لمخالفات الصرف وتمكينهم من إبراء الذمة وحمايتهم من أي تتبع إداري أو قضائي.
ولفتت المنظمة إلى أن الخطوة الحكومية بمثابة "مصالحة جديدة لا تخدم المصالح العليا للدولة".
وعلى امتداد السنوات العشر الماضية، حاولت الحكومات المتعاقبة احتواء الاقتصاد الموازي وجلب جزء من عائداته، غير أن الأنشطة غير المصرح بها ضريبيا توسعت بشكل لافت، مستفيدة من تسهيلات رسمية وانخراط مسؤولين في شبكات التهريب والتجارة الموازية، وفق دراسات متخصصة.
وأشارت دراسة صادرة عن مركز "مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط" بعنوان "الوجه الخفي للتجارة غير الرسمية العابرة للحدود في تونس بعد العام 2011" إلى أنّ تشديد الإجراءات الأمنية شكل عنصراً حاسماً في إعادة تنظيم الشبكات التجارية غير الرسمية.
قيود على التجارة
ولفتت الدراسة إلى أنّ بعض الشركات العاملة في الاقتصاد الرسمي كانت أيضا مستعدة لتبنّي استراتيجيات اقتصادية غير رسمية بهدف خفض تكاليفها، وتجاوز القيود المفروضة على التجارة، لاسيما بين تونس وتركيا منذ عام 2018، والالتفاف كذلك على الأنظمة وخفض الضرائب المفروضة على السلع الصينية المستوردة.
وتضاعف حجم الاقتصاد الموازي في تونس من ملياري دينار إلى 15 مليار دينار خلال الفترة من 2010 حتى 2020 (الدولار=2.88 دولار).
والتخطيط الحكومي لتحويل وجهة أموال المهربين نحو القطاع الرسمي جزء من خطة شاملة تتضمن أيضا التعاملات المصرفية.
وبحسب أحمد الكرم، الرئيس السابق للجمعية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية ورئيس اتحاد المصارف المغاربية، فقد نمت ظاهرة اقتصاد الظل في تونس إلى درجة أنّ 40% فقط من المواطنين مندمجون في النظام البريدي والمصرفي.
وفيما يرتفع حجم الواردات عبر الموانئ التونسية، تزداد أيضاً العمليات غير القانونية المرتبطة بالواردات، من بينها ارتفاع حجم المدفوعات خارج القنوات المصرفية الرسمية.
إنعاش الاقتصاد
وتستهدف الحكومة إنعاش اقتصادها الرسمي، إذ تظهر البيانات الرسمية أن النمو الاقتصادي المتوقع للعام الجاري يقدر بنحو 2.6% مقارنة مع 2.8% في عام 2021.
كما تسعى الحكومة إلى إجراء إصلاحات تتوافق مع اشتراطات صندوق النقد الدولي، الذي ينتظر الدخول في مفاوضات حاسمة معه خلال الأشهر المقبلة للحصول على قرض جديد يقلص من تداعيات عجز الموازنة العامة.