تونس تواصل السياسات التقشفية في الموازنة الجديدة

19 سبتمبر 2023
التونسيون يعانون من أزمات معيشية خانقة (Getty)
+ الخط -

تنشغل الوزارات التونسية بإعداد ميزانيتها استعدادا لإحالة مشروع الموازنة العامة الجديدة على البرلمان خلال الفترة القادمة، وسط توصيات بالتقشف في النفقات والسيطرة على كتلة الأجور في إطار خطة الإصلاح الاقتصادي التي تنفذها الدولة.

ومنذ شهر إبريل/ نيسان الماضي وجهت رئاسة الحكومة إلى الوزارات مذكرة لحصر المهمات والبرامج المزمع تنفيذها العام القادم، مع الالتزام باعتماد خطة عاجلة للتحكم في نفقات الرواتب عبر مواصلة غلق باب التوظيف في القطاع الحكومي، وتقليص نسبة ترقيات الموظفين ومواصلة برنامج تسريحهم الطوعي، إلى جانب توصيات بعدم التوسع في أي استثمارات جديدة.

وبمقتضى التوصيات الحكومية الخاصة بإعداد الموازنة، تقدم تونس على عام جديد من التقشف والخطط الإصلاحية التي انطلقت فيها السلطات منذ أكثر من ست سنوات، دون التوصل إلى نتائج تمكن البلاد من استعادة النمو الاقتصادي وتحسين مؤشرات عجز الموازنة، أو إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

ووفقا للمذكرة الحكومية تنوي الحكومة النزول بكتلة رواتب الموظفين تدريجيا إلى نسب معقولة من الناتج المحلي الإجمالي، بهدف استعادة التوازنات المالية وتأمين ديمومة الميزانية.

وتمثل كتلة رواتب القطاع الحكومي وفق بيانات رسمية 49.1 بالمائة من مداخيل ميزانية الدولة، بعد أن تطور حجمها من 6.7 مليارات دينار عام 2010 إلى 22.7 مليار دينار عام 2023.

ويرى الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق محسن حسن، أن تواصل السياسات التقشفية التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة بغاية التحكم في كتلة الأجور أثبتت فشلها في ظل مستويات ضعيفة من النمو وتواصل ارتفاع مستويات البطالة.

وقال حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" إن زيادة نسب النمو العام واستعادة الأنشطة الاقتصادية المهمة وتحريك الاستثمار هي الأدوات الوحيدة القادرة على استيعاب كتلة أجور عالية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.

ويرى المتحدث أن تحريك النمو يحتاج إلى دفع جديد لكل القطاعات المهمة مع اللجوء إلى مزيد من الاقتراض الخارجي، مؤكدا أن استمرار الانكماش الاقتصادي سيكون له تأثيرات اجتماعية كبيرة بسبب زيادة نسبة البطالة.

وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة اعتماد الحكومة على سياسة مالية توسعية تقوم على الإنفاق العمومي في مرحلة الإنعاش، من أجل تحسين الاستثمارات وخلق الثروة وفرص عمل جديدة.

ويعتبر أن السياسة التقشفية التي اعتمدتها الحكومات السابقة أثبتت فشلها، ولم تمكن من زيادة النمو ولا خلق الوظائف.

ويرجح الخبير المالي معز حديدان أن تكون سنة 2024 أصعب اقتصاديا وماليا من السنة الحالية، مؤكدا تواصل سياسات التقشف غير المعلن التي تمارسها السلطة.

تمثل كتلة رواتب القطاع الحكومي وفق بيانات رسمية 49.1 بالمائة من مداخيل ميزانية الدولة


وقال حديدان في تصريح لـ"العربي الجديد": من المتوقع أن تبلغ أقساط الدين الخارجي التي ستدفعها تونس العام القادم نحو 8 مليارات دينار أي نحو 2.6 مليار دولار، وهو ما يجبر الحكومة على اعتماد سياسة تقشفية تطاول الواردات الأساسية للغذاء والطاقة والتوظيف الحكومي والاستثمار العمومي.

وتابع: "الاستثمار العمومي شبه متوقف في تونس منذ سنوات، وكذلك التوظيف في القطاع العام، وهذا الظرف مرجح للاستمرار لسنة إضافية بسبب نقص مصادر التمويل الخارجي، في ظل تعثر مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وصعوبة الخروج إلى الأسواق الدولية لتعبئة موارد".

وحول مصير الاتفاق المالي مع صندوق النقد الدولي، أكد الخبير المالي أن فرضية حصول تونس على قرض من الصندوق باتت ضعيفة جدا، بسبب تمسك السلطة بخياراتها بشأن مسألة رفع الدعم والملفات التي يمكن أن تسبب لها حرجا اجتماعيا.

ويرى حديدان أن نقص الموارد بالعملة الصعبة سيؤدي إلى تقشف غير معلن أو الذهاب في خيارات جديدة، ومنها النفاذ المباشر إلى مخزون العملة الصعبة لدى البنك المركزي لإقراض الدولة دون المرور عبر الجهاز المصرفي.