استمع إلى الملخص
- **الأزمة الاقتصادية**: تشهد تونس تدهوراً اقتصادياً حاداً مع تراجع الإيرادات وزيادة البطالة. السلطة تمارس ضغوطاً على البنوك لتدبير النقد الأجنبي وسداد الديون، مما يهدد البلاد بالتعثر المالي.
- **عدم الاستقرار الحكومي**: تتجلى حالة عدم الاستقرار من خلال الإقالات المستمرة لرؤساء الحكومة وسجن مرشحين محتملين للانتخابات الرئاسية، مما يعكس إصرار النظام على ضمان فوز قيس سعيد بولاية ثانية.
تعد تونس نموذجاً صارخاً لحالة عدم الاستقرار في المنطقة، وتفشي الضبابية والغموض ومخاطر الاستبداد بكل أنواعها، وهو ما ينعكس على كل الأنشطة والقطاعات، سواء السياسية والاجتماعية أو الاقتصادية والمالية.
فعلى المستوى السياسي فإن حكم الفرد واضح للجميع وبشكل فاضح، في ظل إعادة نظام قيس سعيد الديكتاتورية المطلقة وترهيب المعارضين وحل البرلمان المنتخب في العام 2021 وتعديل صوري للدستور وإجراء انتخابات هزلية، سواء رئاسية أو برلمانية، ليعيد المشهد إلى ما كان عليه الوضع قبل الثورة التونسية في عام 2011. كما تم اعتقال معظم قادة أحزاب المعارضة ويقبع العديد منهم في السجون منذ شهور، وتوقيف وملاحقة الصحافيين والإعلاميين والناشطين وفقاً المرسوم 54 الذي تم إقراره لمكافحة "الأخبار الكاذبة" في سبتمبر/ أيلول 2022.
وعلى المستوى الاقتصادي فإن هناك تدهوراً واضحاً في الأوضاع المعيشية للمواطن، وتردي المالية العامة، والدولة باتت مهددة بالتعثر المالي وربما الإفلاس، في ظل تراجع إيرادات النقد الأجنبي من أنشطة رئيسية مثل السياحة والفوسفات والاستثمار المباشر، وجفاف مصادر التمويل الخارجي.
وهناك تباطؤ شديد في معدل النمو الاقتصادي، وهو ما ينعكس سلباً على أنشطة التشغيل وتوفير فرص العمل والإنتاج والصناعة، ويرفع نسب البطالة خاصة بين الشباب. وهناك ضغوط شديدة تمارسها السلطة على البنوك لتدبير النقد الأجنبي وسداد أعباء الديون الخارجية، في ظل عزوف المؤسسات الدولية، ومنها صندوق النقد، عن إقراض تونس.
أحدث مثال صارخ على حالة عدم الاستقرار تلك في تونس الإقالات المستمرة لرؤساء الحكومة، فأول من أمس أقال الرئيس التونسي قيس سعيد، رئيس الحكومة أحمد الحشاني، دون تحديد أسباب، وكلّف وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري، برئاسة الوزراء، واللافت هنا أن الإقالة جاءت عقب دقائق من الإشادة بأداء تلك الحكومة. كما جاءت عقب عام واحد فقط من تعيين الحشاني رئيساً للحكومة في الأول من أغسطس/ آب 2023، وإنهاء مهام رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن التي شغلت منصبها في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وهو ما يعني تعيين ثلاثة رؤساء وزراء في فترة قصيرة لا تتجاوز الثلاثة أعوام.
أما المظهر الثاني لحالة عدم الاستقرار فهو إصرار النظام الحاكم على تفخيخ الملف السياسي واجراء انتخابات صورية كالعادة وضمان الفوز بها، فقبل أقل من شهرين من انطلاق جولة الانتخابات الرئاسية المقررة يوم السادس من أكتوبر المقبل، تم الحكم بسجن أربعة مرشحين محتملين للانتخابات الرئاسية لمدة ثمانية أشهر، ومنعهم من الترشح مدى الحياة بتهمة صورية وكيدية هي "شراء الأصوات"، في خطوة قالت المعارضة إنها تهدف إلى إقصاء منافسين أقوياء لقيس سعيد، مع ضغط حكومة سعيد على أجهزة القضاء لقمع منافسيه في انتخابات 2024 وتمهيد الطريق له للفوز بسهولة بولاية ثانية.
في ظل ذلك المشهد المزري فإن تونس تمر بحالة عدم استقرار واضحة يمكن أن تترجم في زيادة الضبابية والمخاطر، وهو ما ينعكس سلباً على المواطن الذي سيدفع وحده تلك الكلفة الباهظة في صورة ضرائب ورسوم متزايدة، وتأكل مدخراته وعملته الوطنية الدينار، وندرة فرص العمل وزيادة قوارب الموت المتجهة نحو أوروبا، والوقوع في مصيدة صندوق النقد والدائنين الدوليين رغم التمنع الحالي. والنتيجة النهائية هي أنه لا استقرار سياسيا في البلاد، وهو ما يبعد معه أي استقرار اقتصادي، فقيس سعيد آخر ما يهمه حال المواطن التونسي، بل همه الأول أن يظل في السلطة حتى الموت.