تونس: المهاجرون الأفارقة فريسة السماسرة في سوق العمل

29 نوفمبر 2021
المهاجرون يتوزعون على عدد من القطاعات (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

بات المهاجرون الأفارقة فريسة سهلة للوسطاء وسماسرة العمل في تونس، بعيداً عن حدود الرقابة وقوانين العمل في البلاد، ما يجعلهم عرضة لكل أشكال الاستغلال الاقتصادي.

وخلال الفترة الأخيرة، زاد حضور العمالة الأفريقية في تونس كقوة فاعلة تسهم في مختلف القطاعات، فيما ظلت جهود هذه القوى مغيّبة على مستوى أرقام النمو القطاعية والعامة رسمياً بسبب استغلال القطاع غير المنظم لجهودهم كآلة عمل خارج إطار القانون.
ونبهت منظمات مدنية تعنى بشؤون المهاجرين من تصاعد الانتهاكات الاقتصادية لحقوق هذه الفئة في العاصمة وعدد من محافظات الجنوب، مطالبة بالانتباه لتنامي هذه الظاهرة واحتوائها قانونياً لتحويل المهاجرين إلى قوى عاملة منظمة.

زاد حضور العمالة الأفريقية في تونس كقوة فاعلة تسهم في كل القطاعات، فيما ظلت جهود هذه القوى مغيّبة على مستوى أرقام النمو القطاعية والعامة رسمياً

وكشفت دراسة مشتركة حديثة، أعدها مركز الهجرة المختلطة في شمال أفريقيا ومؤسسة "هاينريش بل" التي حملت عنوان "المصاعب المخفية للقوى العاملة الغائبة عن الأنظار: الحياة الاقتصادية للاجئين والمهاجرين في تونس"، أن نصف اللاجئين والمهاجرين الذين شملهم الاستبيان بين شهري فبراير/ شباط وإبريل/ نسيان 2021 وجدوا فرص العمل بعد أقل من شهرين من وصولهم إلى تونس.
وأكدت الدراسة أن اللاجئين والمهاجرين قاموا بإيجاد فرص عمل عبر قنوات مختلفة ويشمل ذلك مجموعة "سوق أفريقيا" الموجودة على منصات التواصل الاجتماعي أو عن طريق الشبكات الوطنية المشتركة أو من خلال مهربين.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

و"سوق أفريقيا"، بحسب بحث سابق لمركز الهجرة المختلطة، يعتبر مركزاً محورياً للعثور على فرص عمل، حيث يعمل بعض اللاجئين والمهاجرين كوسطاء أو سماسرة بين أرباب العمل والعمال ويتقاضون رسوماً لتحديد المرشحين المناسبين للأعمال المطلوبة.
وأكد طالب اللجوء السوداني، محمد خالد، أن أغلب وسطاء العمل يتواصلون مع المهاجرين على منصات التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى سوق مفتوحة للعمالة القادمة من دول جنوب الصحراء.
وقال طالب اللجوء لـ"العربي الجديد" إن "سوق أفريقيا" هي في الأصل مجموعة أسواق لاستغلال المهاجرين واليد العاملة "الرخيصة"، معتبراً أن المرور عبر هذه الأسواق في الأشهر الأولى للإقامة في تونس أمر حتمي.

منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يؤكد حصول العمال المهاجرين غير النظاميين على وظائف في قطاعات معينة من الاقتصاد كالمطاعم

وأفاد خالد: "لا أذكر أن أحد المهاجرين أو طالبي اللجوء ممن التقيتهم حيث أقيم في مدينة جرجيس جنوب شرق تونس لم يتعرض للاستغلال الاقتصادي".

وأكد أن كل المهاجرين الذين حصلوا على فرص العمل عن طريق جهات الاتصال القائمة نسّقوا ذلك أحياناً قبل مغادرة بلدهم الأصلي.
وأفاد بأن الأشخاص الذين اعتمدوا على الوسطاء يكونوا مثقلين بالديون خلال الفترة الأولى لإقامتهم في تونس، إذ يأخذ الوسطاء أجورهم لعدة أشهر أو يجبرونهم على المشاركة في أنشطة وأعمال أخرى لسداد ديونهم.
وبينت دراسة سابقة لمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مدنية) حصول العمال المهاجرين غير النظاميين على وظائف في قطاعات معينة من الاقتصاد المحلي كالمطاعم 34% والخدمات المنزلية 21%، ثم البناء 20% والحرف والمهن الحرة 18%، في حين تستقطب قطاعات أخرى نسباً ضعيفة من اليد العاملة المهاجرة.

وبينت ذات الدراسة أن هذه الفئة تحصل، بطريقة غير شرعية، على فرصة القيام بعمل غير نظامي.

وقال المتحدث الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، أن المنتدى يسعى إلى مساعدة اليد العاملة المهاجرة على مكافحة كل أشكال الاستغلال الاقتصادي التي يتعرضون لها.

وأفاد بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن المجتمع المدني يقوم بدور مهم في هذا الشأن في تأطير المهاجرين ومساعدتهم قانونياً على حماية حقوقهم، غير أن وضع إقامتهم الهش يجعل الكثير منهم يفرطون في حقوقهم ويقبلون كل أشكال العمل غير النظامي، ما يشجّع شبكات التهريب والاتجار بالبشر على مزيد استغلال هذه القوى العاملة. وعموماً يواجه هؤلاء وضعاً قانونياً واجتماعياً هشّاً يتيح استغلالهم في قطاعات متعددة، حسب بن عمر.
ويرى الخبير الاقتصادي، محمد منصف الشريف، أن كل بلدان العالم المستقبلة للمهاجرين واللاجئين مطلوب منها أن تحوّل هذه الفئة إلى قوى عاملة منتجة ويتم إدماجها اقتصادياً عبر القوانين المنظمة لعملهم وتصاريح الشغل التي تقدم لهم.

وأفاد الشريف في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن سوق عمل المهاجرين في تونس لا تزال تتسم بالفوضى رغم أن وجودهم في البلاد أصبح أمراً واقعاً بفعل تحوّلها إلى منطقة عبور رئيسية نحو شمال المتوسط أو دولة إقامة دائمة لهم.

موقف
التحديثات الحية

وأضاف الخبير الاقتصادي أن هشاشة الوضع الاجتماعي للمهاجرين تجعلهم أكثر عرضة لشبكات السمسرة والاستغلال الاقتصادي، مؤكداً أن تونس لا تمنح إلا بضعة آلاف من تصاريح العمل سنوياً للحاصلين على وثائق إقامة، فيما يشتغل المقيمون بطرق غير الشرعية في السوق السوداء والقطاعات الهامشية التي يذهب ريعها للمحتكرين والمهربين.

الاقتصادي، محمد منصف الشريف: سوق عمل المهاجرين في تونس لا تزال تتسم بالفوضى رغم أن وجودهم في البلاد أصبح أمراً واقعاً

ومنذ أكثر من سنة بدأ الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة الأكثر تمثيلاً في تونس) مسار الاحتواء النقابي للعمالة الأفريقية في تونس، من أجل ضمان حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، بعد رصد انتهاكات لها من قبل مؤجرين يستغلون هشاشة وضعهم لتشغيلهم بأجور ضعيفة.
ويفرض تزايد العمالة الأفريقية في تونس وتحولات سوق تشغيل الأجانب التأطير النقابي لهذا الصنف من الأجراء ممن يعملون في قطاعات اقتصادية مهمة، ولا سيما منها القطاع الخدماتي من دون أدنى ضمانات قانونية.

وتؤكد بيانات للاتحاد العام التونسي للشغل أن عدد العمال الأفارقة الذين مروّا من سوق العمل التونسية يقدّر بأكثر من 700 ألف، بسبب تدفق المهاجرين غير الشرعيين ممن كانوا يعملون في ليبيا إلى البلاد خلال السنوات الأخيرة.
ورصد الاتحاد العام التونسي للشغل استغلالاً لعمال أفارقة في قطاعات البناء والأشغال العامة والخدمات وبدرجة أقل الزراعة، بسبب ضعف تشريعات العمل التي تحمي حقوقهم.

المساهمون