تعرف سوق إيجار العقارات في تونس انفلاتا غير مسبوق متجاوزة قدرات المواطنين الإنفاقية، وسط اتهامات للسماسرة بتحويل السوق إلى ساحة للمضاربة بالأسعار على حساب حق المواطنين في سكن مؤجّر.
وتحوّل غلاء الإيجارات في تونس إلى ما يشبه كرة الثلج التي لا تتوقف، يقابلها تراجع دخول المواطنين بفعل التضخم وتداعيات الأزمة الاقتصادية، في ظل غياب قوانين تحمي المستأجرين من سيطرة السماسرة والمضاربين على السوق.
ويشكو التونسيون من فوضى أسعار الإيجارات موجهين أصابع الاتهام للوسطاء العقاريين، بعد أن طوعوا وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق أهدافهم، حيث ينشر هؤلاء الوسطاء عروضاً لإيجار الشقق والمحال بأسعار مرتفعة.
تقول المواطنة أسماء العروسي (36 عاما) إن أسعار الإيجارات في تونس خرجت عن السيطرة نتيجة المضاربة وغياب الرقابة على عمل السماسرة ووكالات الوساطة، منتقدة إخضاع المواطنين قسرا لأحكام سوق منفلتة.
وتؤكد العروسي لـ"العربي الجديد" أن السماسرة ووكالات الوساطة العقارية تستعمل منصات التواصل الاجتماعي وسيلةً للمضاربة، حيث تُنشر إعلانات لعقارات، سكنية أو مكتبية، بأسعار مرتفعة جدا بغاية الحصول على عمولات عالية.
وتضيف: "يجبر الباحثون عن الإيجار للخضوع إلى أحكام سوق تحوّل فيه الغلاء إلى ظاهرة عامة"، مؤكدة أن حق التونسيين في سكن مؤجّر بات مهددا أيضا بعد أن فقدوا سابقا حق شراء مساكن بعد الصعود الصاروخي لأسعار الشقق منذ نحو 10 سنوات.
وتتنقد المتحدثة بشدة غياب قوانين تحمي المواطنين من تداعيات المضاربة في العقارات المعدّة للإيجار، مؤكدة أن أغلب الأسر تدفع نصف مداخيلها في إيجار السكن.
وقالت: "لتأجير شقة يحتاج المواطن إلى دفع أجرة ثلاثة أشهر مسبقا بعنوان الضمان لصاحبها، وعمولة للوكالة لا تقل قيمتها عن 5 بالمائة من قيمة الإيجار السنوي للمسكن". ويتراوح نطاق رواتب الموظفين العاملين في القطاع الحكومي في تونس ما بين 776 و2824 دينارا.
ولا ينكر صاحب وكالة الوساطة العقارية، غازي بن علي، شطط أسعار الإيجارات في مدن العاصمة الكبرى، مؤكدا وجود قلق كبير لدى المؤجرين من تصاعد الأسعار وزيادة كلفة الضمان الذي يطلبه أصحاب العقارات.
وقال بن علي، في حديث لـ"العربي الجديد": "القطاع لا يخلو من المضاربين الذين يدفعون الأسعار نحو مستويات قياسية تفوق بكثير معدلات أجور التونسيين".
وأشار إلى أن نحو 60 بالمائة من العاملين في قطاع الوساطة العقارية هم سماسرة يشتغلون خارج الأطر القانونية للمهنة، غير أنهم يمسكون بخيوط اللعبة ويطوعون السوق لصالحهم.
وتحدّث بن علي عن طرق السماسرة للمضاربة، مؤكدا أنهم يؤجرون لصالحهم شققا فارغة بأسعار عالية، ثم يعيدون تأجيرها في شكل شقق مفروشة بمعدل إيجار يومي يصل إلى 120 دينارا.
وأعتبر أن انتشار تأجير الشقق المفروشة لفائدة أجانب، في أحياء تشهد طلبا مكثفا على الإيجار الشهري طويل الأمد، دفع بالأسعار نحو مستويات قياسية.
وشرح المتحدث أن الأسعار المقدمة من قبل السماسرة تصبح بمثابة المقياس أو العرف المعتمد من قبل أصحاب الشقق، ولا يقبلون تخفيضها.
ويعود ارتفاع الطلب على الشقق المفروشة في مدن العاصمة الكبرى والمدن الساحلية إلى عام 2011، بعد الثورة الليبية وقدوم أعداد كبيرة من الليبيين إلى تونس هربا من الانفلات الأمني في بلادهم.
وحول شطط العمولات التي يطلبها أصحاب وكالات الوساطة، يقول بن علي إنها لا تزيد عن 5 بالمائة من الإيجار السنوي، مؤكدا أن تحديد هذه النسبة لا يخضع لقوانين بل إلى عرف يتفّق عليه داخل المهنة.
وبيّنت دراسة أجراها موقع "مبوّب" المتخصص في العقارات حول وضع سوق الإيجارات في تونس أن سوق العقارات سجّل انتعاشاً كبيراً في 2022، بما في ذلك قطاع الإيجارات طويل المدى، حيث عرف هذا الأخير جاذبية ملحوظة.
وقالت الدراسة الصادرة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إن الأسعار تختلف من حي إلى آخر، حيث تم تسجيل فارق قدر بـ1570 ديناراً شهرياً في ثمن إيجار شقق ذات غرفتين وصالون.
وأشار موقع مبوّب إلى أن أسعار الإيجار في الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس هي الأقل، حيث تتراوح ما بين 620 دينارا في منطقة حمام الشط و805 دنانير في بومهل البساتين.
ويقول الخبير في العقارات توفيق بن خود، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الإيجارات ككل القطاعات الاقتصادية محكومة بكلفة بناء المساكن، فيما غياب سياسة سكنية واضحة للدولة ساهم في رفع الأسعار إلى مستويات تجاوزت القدرة الإنفاقية للطبقة المتوسطة التي تشكل العصب الأساسي للمجتمع التونسي.
ويشرح أن الطبقة المتوسطة التي كانت تشكل نحو 60 في المائة من مجموع التونسيين هي الشريحة التي أصبحت الأكثر طلباً على الإيجارات، بعد أن فقدت القدرة على امتلاك مسكن بفعل الغلاء والمضاربة اللذين عرفهما قطاع التطوير العقاري.
وتحتكم مهنة السمسرة العقارية إلى قانون صادر عام 1981 يتعلق بتنظيم مهنة الوكيل العقاري، جرى تنقيحه في مناسبة واحدة سنة 2005.
وتخضع مباشرة مهنة الوكيل العقاري إلى الموافقة بقرار من وزير الاقتصاد الوطني والحصول على بطاقة مهنية، بينما يضبط تأجير الخدمات التي يقوم بها الوكيل العقاري وكذلك طرق دفعها بقرار من وزير الاقتصاد.