وسعت أفران الخبز المدعم طاقتها الإنتاجية بغاية تلبية حاجيات السوق، بعد توقف المخابز غير المصنفة التي توفر 40 بالمائة من خبز التونسيين عن العمل، عقب حملة شنتها السلطات على المضاربين في أسعار الرغيف، ومنعهم من التزود بالمواد الأولية.
وتشهد أسواق تونس ارتباكا واسعا في التزود بالخبز، المادة الأساسية على موائد التونسيين بمختلف شرائحهم الاجتماعية، حيث لجأت الأسر إلى وسائلها الخاصة، سواء عبر صناعة الخبز المنزلي على غرار "الطابونة" و"الملاوي" أو الاتجاه نحو الأطباق التي لا يحتاج استهلاكها للخبز.
في المقابل، أعرب الخبازون المتمتعون بالدعم الحكومي عن استعدادهم لتوفير حاجيات السوق، بعد استرجاع حصة من المواد الأولية كانت تذهب لصالح الأفران غير المصنفة.
وتحتاج موائد التونسيين إلى الخبز لمرافقة كل الأطباق التي تطبخ في شكل مرق أو حساء أو حتى معجنات، فضلا عن استعماله في الأكلات الخفيفة والشعبية التي تقدمها المطاعم، ما يجعل منه مادة أساسية لا غنى عنها.
ويقول عضو الغرفة الوطنية للخبازين (المخابز المدعمة) المنضوية تحت الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، الصادق الحبوبي، إن المخابز التي تشتغل وفق نظام الدعم قادرة على تلبية كامل حاجيات السوق، سيما وأن شبكة الأفران المدعمة ممتدة على كامل تراب البلاد، بما في ذلك المناطق الريفية.
وأكد الحبوبي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الأفران المدعمة لديها القدرة على توفير خبز التونسيين مع توفر المواد الأساسية من الدقيق المدعم، مشيرا إلى أن هذا الصنف من الأفران كان يسيطر على السوق بشكل كامل حتى عام 2008 تاريخ فتح باب المشاركة في الإنتاج للأفران غير المصنفة التي تحولت في وقت لاحق إلى أفران عشوائية يضارب بعضها في الأسعار.
وأشار في ذات السياق إلى أن إنتاج الخبز المدعم يحتاج إلى حصة سنوية بنحو 6.2 ملايين قنطار من دقيق القمح اللين، غير أن حصة من هذا الدقيق باتت تحوّل لفائدة الأفران غير المصنفة التي تستغلها لصناعة خبز بأثمان عالية وأصناف من المرطبات. وتابع "بعد استعادة حصة الدقيق الكاملة يمكن لأفران الخبز المدعم إنتاج خبز التونسيين بشكل شامل".
ويحتل الخبز مكانة بارزة في المجتمع التونسي، وله دلالات سياسيّة واجتماعيّة، وهو ما يفسر تجنب كل السلطات التي تداولت على الحكم المجازفة برفع سعره أو رفع الدعم، رغم الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي في هذا الاتجاه منذ فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
يحتل الخبز مكانة بارزة في المجتمع التونسي، وله دلالات سياسيّة واجتماعيّة، وهو ما يفسر تجنب كل السلطات التي تداولت على الحكم المجازفة برفع سعره أو رفع الدعم
واستعمل الخبز في ثمانينيات القرن الماضي كمحرك للشارع في إطار الخلاف بين الاتحاد العام التونسي للشغل وسلطة الرئيس بورقيبة، حيث شهدت تونس في يناير/ كانون الثاني 1984 أحداث الخبز، عقب رفع سعر الخبز من 80 مليما إلى 170 مليما تمهيدا لرفع الدّعم عن هذه المادّة الأساسيّة، وفق إملاءات صندوق النّقد الدّولي في هذا الوقت.
لكن تونس البلد المنتج للحبوب لا تزال في تبعية شاملة للأسواق الخارجية، حيث لا يغطي إنتاجها المحلي من القمح اللين سوى 4 بالمائة من الحاجيات لصناعة الخبز التي شهدت تحولات عميقة خلال العقود الستة الماضية، بعد التحول من صناعة الرغيف من القمح الصلب المحلي نحو استهلاك الدقيق من القمح اللين المورد الأقل كلفة.
ووفق المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجيّة، فإنّ القمح اللّين الّذي تُنتجه تونس لا يتجاوز 4%، في حين تستورد 96% من حاجياتها، ومن كلّ خمسة أرغفة تُنتج في تونس، يتمّ استيراد قمح أربعة منها.
وتبلغ القيمة الحقيقية للخبز الكبير 465 ملّيما ويتمّ بيعه بـ240 ملّيما، في حين تُباع الباقات بـ190 ملّيما في الوقت الّذي تُقدَّر فيه كلفته الحقيقية بـ374 ملّيما.