رفعت حكومة النظام السوري اليوم الخميس سعر شراء القمح من الفلاحين للموسم الزراعي الحالي بمقدار 200 ليرة عن التسعيرة السابقة، التي أصدرتها قبل أيام، ليصبح سعر الشراء الجديد من الفلاح هو 2500 ليرة سورية لكل كيلو، مع منح "مكافأة" قدرها 300 ليرة لكل كيلو، بالتزامن مع وجود توقعات بموسم وافر لمحصولي القمح والشعير شرقيّ سورية.
ونص القرار الجديد الصادر اللجنة الاقتصادية التي ترأسها رئيس مجلس وزراء النظام حسين عرنوس الخميس أنّ سعر شراء القمح للموسم الحالي هو 2500 ليرة سورية لكل 1 كيلوغرام متضمناً تكاليف الإنتاج مع هامش الربح، ويضاف إليها مبلغ قدره 300 ليرة سورية لكل 1 كيلوغرام كحوافز تشجيعية لزراعة وتسليم القمح، بحيث يصبح السعر النهائي 2800 ليرة سورية لكل 1 كيلوغرام.
وتُعَدّ الحبوب من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية في سورية، ولا سيما القمح والشعير.
وفي كل موسم زراعي كانت هناك منغصات وتحديات تواجه المزارعين تتعلق بغلاء أسعار مدخلات الإنتاج وتدني أسعار الشراء، فضلاً عن مشكلات أخرى تتعلق بالحرائق والحالة الأمنية المتردية، ومخاطر الألغام المزروعة في الحقول وإصابة العاملين بالزراعة.
مع ذلك، تؤكد الدراسات أن سورية حافظت على اكتفائها الذاتي، رغم ادعاءات النظام السوري بنقص كميات القمح، وبالتالي الطحين، وخلق أزمة خبز، حيث يرى محللون أنها ورقة ضغط سياسي يستخدمها النظام.
وتبقى إشكالية تحديد أسعار شراء القمح والشعير الأكثر أهمية وتجاذباً بين مختلف الأطراف المعنية، التي غالباً ما تُحسَم ضد مصلحة المزارع، الخاسر الوحيد في المعادلة.
وحددت وزارة الزراعة التابعة للنظام السوري، الأسبوع الماضي، سعر شراء محصولي القمح والشعير من المزارعين للموسم الزراعي الحالي، بواقع 2300 ليرة سورية لكل كيلوغرام من القمح، و2000 ليرة سورية للشعير.
ووفق بيان حكومة النظام السوري، فإن هذه التسعيرة أتت نتيجة لحساب كلفة الإنتاج الحقيقية، في ظل الدعم المقدم للقطاع الزراعي من بذار ومحروقات وأسمدة.
بدورها، وجهت الإدارة الذاتية، يوم الأحد، هيئات الزراعة في أقاليمها لرفع مقترحات تسعيرة القمح بعد الاجتماع مع المزارعين ودراسة تكاليف زراعة الموسم الحالي.
وقال المكتب الإعلامي لهيئة الزراعة إن التسعيرة ستكون مرضية للمزارعين وتؤمن "نسبة مقبولة من الربح"، دون تحديده حتى الآن.
وحددت شركة المجتمع الزراعي التابع للإدارة الذاتية 24 مركزاً لشراء محصول القمح.
وستفتتح الشركة مراكز دير الزور والرقة والطبقة وعين العرب ومنبج في البداية، بينما سيبقى افتتاح مراكز المالكية والقحطانية والقامشلي وعامودا والحسكة لموعد لاحق، بحسب إعلام هيئة الزراعة.
يقول المهندس سلمان بارودو، الرئيس المشترك السابق لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، لـ"العربي الجديد"، إنه عقد قبل يومين اجتماعاً عاماً، وجرى الطلب من الإدارات المعنية في مناطق الجزيرة ودير الزور والرقة والطبقة دراسة تكلفة الدونم الواحد ووضع السعر المقترح، ليُصدَر بعدها السعر المناسب لهذا العام، متوقعاً أن يستغرق الوصول إلى ذلك ما بين 10 و15 يوماً، وفق قرار مشترك بين الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي وهيئة الزراعة وشركة تطوير المجتمع الزراعي واتحاد الفلاحين ومنظمات المجتمع المدني.
من جهتها، قالت المهندسة والخبيرة الزراعية مها موسى، لـ"العربي الجديد"، إن عملية تسعير القمح تجري عبر حساب تكاليفها من مواد وأسمدة وبذار ومصاريف الحصاد، ويُوضَع هامش ربح للمزارعين.
وعن رأيها بالأسعار التي أعلنتها وزارة الزراعة لدى النظام، قالت موسى إن "تسعيرة القمح غير عادلة، وقريبة من أسعار العام الماضي حين كان الدولار بحدود 2000 ليرة سورية، وهو الآن أكثر من 8000 ليرة".
ورأت موسى أنه "سيكون لهذه التسعيرة عواقب جسيمة، وستؤدي إلى عزوف الكثير من المزارعين عن العمل في أراضيهم بسبب الخسائر الكبيرة التي سيتكبدونها"، مضيفة أن "القمح يعتبر محصولاً استراتيجياً في سورية، وسوقه لا تعتمد على العرض والطلب، بل يعمل ضمن آلية خاصة، حيث يُوضَع مخزون استراتيجي لهذه المادة، وهو ما سيؤدي إلى غلاء المعيشة، وبالتالي تراكم أعباء إضافية على المواطن".
وتشرح المتحدثة ذاتها أن "هذه الآلية في الدوائر الاقتصادية تعتمد على حساب التكاليف بالليرة السورية ووضع هامش للربح، لكن يُهمَل السعر الرائج للدولار وقيمة الصرف الحقيقي، فنجد أن التكاليف بالنسبة إلى الأسمدة والبذار والفلاحة وصيانة الآلات بالدولار. لذلك، السعر لا يكون عادلاً بسبب فرق العملة".
وتعتقد موسى أن "هناك علاقة وتنسيقاً بين الإدارة الذاتية والنظام السوري، الأمر الذي سيسبب مشكلات للفلاحين والمزارعين، لأن الفلاح اعتاد في السنوات السابقة بيع محصوله بسعر يزيد على سعر النظام، وبالتالي سيسبب بلبلة في المنطقة إذا كان السعران متقاربين".
ولا توجد خيارات أمام المزارعين سوى بيع محصولهم، إما للنظام أو للإدارة الذاتية. وتفرض قوانين الإدارة الذاتية على المزارع الموجود في مناطقها بيع إنتاجه للمراكز المحددة من قبل الإدارة الذاتية حصراً. وترى موسى ضرورة رفع سعر كيلوغرام القمح إلى 50 سنتاً "ليكون عادلاً بعض الشيء".
ويتحدث ياسر خلف، وهو مزارع من ريف القامشلي الجنوبي، لـ"العربي الجديد"، قائلاً إنه اشترى الطن الواحد من السماد بـ700 دولار أميركي، ما يعني ضرورة ألا يقل سعر الكيلو من القمح عن 3500 ليرة في الحد الأدنى، وأن أي سعر تحدده هيئة الزراعة التابعة للإدارة الذاتية أقل من هذا الرقم يكون مجحفاً بحق المزارعين.
وبلغ سعر طن السماد 700 دولار لليوريا، وأكثر من 1000 دولار للسماد الأسود أو "الترابي" للموسم الحالي، ويحتاج الدونم الواحد وسطياً لنحو 25 كيلوغراماً من السماد.
ويضيف خلف أن المزارعين يدفعون نحو 20 دولاراً ثمناً للمبيدات، و20 دولاراً أجرة الحراثة والحصاد، عدا المخصبات، وأجرة اليد العاملة بالنسبة إلى مالكي الأرض. أما المستأجرون، فيدفعون من 100 إلى 150 دولاراً أجرة للدونم الواحد في المناطق المروية بنهر الفرات، إضافة إلى التكاليف المتفرقة خلال عمليات التحضير للموسم الزراعي.