توقعات بارتفاع قياسي لأسعار اليورانيوم وسط صراع الموارد والمعادن الاستراتيجية

06 ابريل 2021
منجم يورانيوم في روسيا
+ الخط -

قلة من الناس تعرف الدور الذي لعبه إقليم كاتانغا الصغير، في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وسط أفريقيا، في إنهاء الحرب العالمية الثانية، لكن، في الواقع، فإنّ اليورانيوم الذي استخدم في إنتاج القنبلة التي ألقيت في هيروشيما وناغازاكي باليابان في العام 1945 تم تعدينه في منجم كاتانغا الكونغولي. وعلى الرغم من بشاعة ما حدث في اليابان، يبقى اليورانيوم من المعادن الاستراتيجية التي تدور حولها حروب الموارد في العالم، ليس فقط لإنتاج القنابل الذرية، لكن لتوليد الطاقة الكهربائية.

ويرى خبراء في المعادن الاستراتيجية، أنّ اليورانيوم يتجه نحو أكبر فورة في الأسعار خلال العقد الحالي، منذ خبا نجمه بعد كارثة فوكوشيما، في 11 مارس/ آذار 2011. وهي الكارثة التي أدت بالعديد من الدول لمراجعة سياسات توليد الطاقة والابتعاد عن استخدام اليورانيوم في توليد الكهرباء بعد التلوث البشع الذي تعرض له شمال اليابان. لكن، مع صعود الرئيس جو بايدن للحكم في الولايات المتحدة، وتبنيه استراتيجية الطاقة النظيفة وإعادة بلاده لاتفاقية باريس للمناخ، عاد نجم اليوروانيوم للصعود مرة أخرى.
في هذا الشأن، يرى مصرف "مورغان ستانلي" الاستثماري الأميركي، في بحث نهاية مارس/ آذار الماضي، أنّ أسعار اليورانيوم تتجه لارتفاع قياسي من مستوياتها الحالية البالغة 30 دولاراً للرطل (0.453 كيلوغرام) في السوق الفوري وربما تصل إلى 50 دولاراً في العام 2024.
وفي الشأن نفسه، يرى مصرف "بنك أوف مونتريال" الكندي أنّ أسعار اليورانيوم تتجه نحو دورة انتعاش غير مسبوقة خلال العقد الجاري مدعومة بعوامل ارتفاع الطلب على بناء المفاعلات النووية في العالم. من جانبه، يرى اتحاد اليورانيوم العالمي، أنّ هنالك نحو 50 مفاعلاً نووياً تحت الإنشاء في العالم حالياً، وأنّ هذا المعدل سوف يرتفع أكثر بعد نهاية جائحة كورونا التي تضرب حالياً النمو الاقتصادي العالمي. ويقدرّ الاتحاد حجم الإنتاج العالمي بنحو 62 ألف طن سنوياً، أي ما يعادل نحو 140 مليون رطل من اليورانيوم. وبحسب بيانات اتحاد اليورانيوم العالمي، تعدّ دول كازاخستان، وكندا، وأستراليا، وجنوب أفريقيا، وناميبيا، والصين، من كبار اللاعبين في إنتاج اليورانيوم العالمي. وتملك دولة كازاخستان، بحسب بيانات الاتحاد، النسبة الأكبر من احتياطات اليورانيوم، إذ يقدر حجم احتياطيها بنسبة 15% عالمياً.

هنالك خمسة عوامل تدعم ارتفاع أسعار اليورانيوم، بحسب موقع "ماينينغ. كوم" العالمي، المتخصص في تقارير وبيانات المعادن. أول هذه العوامل، توجه العالم نحو الطاقة النظيفة الذي باتت تقوده الولايات المتحدة بعد إعلان تحديث البنى التحتية. وعلى الرغم من أنّ الرئيس بايدن لم يذكر تفاصيل حول توليد الطاقة الكهربائية في خطة تحديث البنى التحتية في الولايات المتحدة التي رصد لها نحو 2.3 تريليون دولار، فإنّ خبراء يعتقدون أنّ توليد الكهرباء بالمفاعلات النووية سيكون من بين البدائل الأميركية المقترحة لتقليل انبعاث الغازات السامة. وثانيها عودة أوروبا للتوليد النووي. في هذا الشأن، كشفت وثيقة سرية صادرة في بروكسل، أنّ مجموعة من الخبراء أوصوا دول الاتحاد الأوروبي باستخدام اليورانيوم في توليد الكهرباء. وكانت ألمانيا قد أوقفت توليد الكهرباء عبر المفاعلات النووية في أعقاب كارثة فوكوشيما باليابان. وثالثها، اضطرار الصين لتخفيض انبعاثات الغازات السامة. ولاحظ خبراء، أنّ خطة الصين الخمسية التي أعلن عنها قبل أسبوعين أوصت برفع التوليد الكهربائي عبر المفاعلات النووية بنسبة 46% بحلول عام 2025. ومن المعروف أنّ الصين من بين الدول التي تعاني بشدة من التلوث البيئي. أما العامل الرابع والمهم فهو التسابق بين الصين والولايات المتحدة على موارد المعادن الثمينة في العالم، خصوصاً أنّ بكين باتت تستخدم المعادن النادرة التي تستخدم في الشرائح بحربها التجارية مع الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يتنامى الصراع بين واشنطن وبكين على مراكمة المعادن النفيسة وعلى رأسها اليورانيوم ومحاولة بسط النفوذ على الدول التي لديها احتياطات ضخمة، خصوصاً دول أفريقيا وآسيا الوسطى وأميركا اللاتينية. ويرى محللون أنّ حرب المعادن والموارد الطبيعية بين العملاقين ستمتد قريباً إلى المناطق التي تتركز فيها احتياطات من اليورانيوم.
وقال تقرير "ماينينغ. كوم" إنّ صناديق الاستثمار، مثل صندوق "يولو كيك" تتسابق على مراكمة مخزون اليورانيوم وحجز العقود المستقبلية من منتجي اليورانيوم، مع الأمل في تحقيق أرباح ضخمة في المستقبل من هذا المعدن النادر. وهناك عامل آخر وهو اليورانيوم المعروض مقارنة بالطلب، إذ إنّ العديد من مناجم اليورانيوم أُغلقت بسبب جائحة كورونا خلال العام الماضي وعلى رأسها منجم "كومكو سيغار ليك" في كندا الذي ينتج نحو 18 مليون رطل أو نحو 13 في المائة من حجم الإنتاج العالمي. وفي يوليو/ تموز 2018 جرى إغلاق منجم "ماك آرثر ريفر" في أستراليا الذي ينتج نحو 25 مليون رطل سنوياً. كما أنّ العديد من المناجم الصغيرة أُغلقت. وفي الشأن نفسه، خفّضت شركة "كومكو" في كازاخستان، التي تعد من أكبر منتجي اليورانيوم في العالم، حجم إنتاجها بنسبة 15 في المائة خلال العام الماضي وتتجه نحو تخفيض الإنتاج بنسبة 20 في المائة خلال الفترة المقبلة. يذكر أنّ شركة "كازآتومبروم" الكازاخستانية، تعدّ أكبر شركة منتجة لليورانيوم في العالم بواقع 21 في المائة من الإنتاج العالمي، بحسب إحصائيات اتحاد اليورانيوم.

دورة فورة أسعار اليورانيوم ليست معزولة عن الدورة الفائقة المتوقعة لأسعار المعادن بعد جائحة كورونا، وقال محلل الأسواق العالمي بمصرف "غولدمان ساكس"، جيفري كوري، في لقاء مع نشرة "أس آند بي غلوبال" الأميركية، إنّ المعادن تتجه نحو "دورة فائقة" في الأسعار خلال الأعوام المقبلة، شبيهة بالارتفاع الكبير في الأسعار الذي شهدته في عقد السبعينيات من القرن الماضي. ورأى أنّ هذا الارتفاع سيشمل النحاس واليورانيوم، وأنّ سعر النحاس ربما سيرتفع إلى 50 ألف دولار للطن. ويتفق مع هذا التحليل خبير الأسواق بمصرف "جي بي مورغان" الأميركي، ماركو كولانوفيك، الذي يقول: "نحن أمام دورة انتعاش فائقة في أسعار المعادن". يذكر أنّ أسعار اليورانيوم تراجعت إلى 18 دولاراً في العام 2016 بسبب تراجع الطلب حينها، لكنّ دورة الانتعاش الاقتصادي والتحول عن التوليد النظيف للطاقة وتحديث البنى التحتية من المتوقع أن تساهم في زيادة الطلب العالمي على تخصيب اليورانيوم للاستخدام السلمي. وتعاني العديد من دول العالم من النقص في التقنية المطلوبة لإنتاج الوقود الذري، وبالتالي تتجه لروسيا لتلبية احتياجاتها. وتنشط شركة "روس آتوم" في تنفيذ العديد من مشروعات المفاعلات النووية في المنطقة العربية وتركيا، وقد تعاقدت الشركة على توليد الكهرباء عبر التوليد بالذرّة في العديد من البلدان. وتمتلك شركة "روس آتوم" نحو 36% من حصة تخصيب اليورانيوم في السوق العالمية. ومن المتوقع أن يتزايد التنافس في سوق الطاقة العالمي على توليد الكهرباء الذرية، مع تقدم تقنية السلامة الذرية، وزيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة.

المساهمون