يتوقع محللون أن يتواصل تراجع الدولار خلال العام الجديد 2024، ولكن بنسبة ضئيلة مقارنة بمستوياته في العام الجاري، وذلك بسبب قوة نمو الاقتصاد الأميركي مقارنة بالاقتصادات الأخرى في أوروبا واليابان.
وعادة ما تقود قوة النمو الاقتصادي في أميركا إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية لأسواق "وول ستريت" المالية والبحث عن العائد الدولاري.
وثبت مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" أسعار الفائدة دون تغيير، للاجتماع الثالث على التوالي، وللمرة الرابعة منذ بدء دورة التشديد الحالية في مارس/آذار 2022. وقررت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح خلال اجتماعها الأربعاء بإجماع أصوات الأعضاء، تثبيت نطاق معدل الفائدة عند أعلى مستوى له منذ 22 عامًا، والذي يتراوح بين 5.25% و5.50%.
واقترح أعضاء اللجنة، خفض الفائدة ثلاث مرات على الأقل في عام 2024، بمقدار ربع نقطة مئوية في المرة الواحدة، وهو أقل من توقعات السوق التي أشارت إلى أربع مرات من الخفض، لكنه أكبر مما أشار إليه صناع السياسة سابقًا.
ويلاحظ أن تثبيت سعر الفائدة على الدولار والتلويح بخفضها خلال العام 2024 أدى إلى ارتفاع مؤشرات الأسهم الأميركية وتراجع العائد على السندات الأميركية لمدة 10 سنوات. وهذه المؤشرات كلها تدعم أداء الدولار في العام المقبل، خاصة وأن السوق الصيني يعاني من مجموعة أزمات مالية على رأسها الديون العقارية.
وعقب تثبيت الفائدة على الدولار، تراجع الدولار إلى أدنى مستوى له منذ أربعة أشهر في أسواق الصرف العالمية، حيث استوعب المتداولون إشارة البنك المركزي الأميركي، إلى أن دورة الفائدة المرتفعة على العملة الأميركية بلغت نهايتها، وأن المركزي الأميركي يتجه لخفض الفائدة في العام المقبل 2024.
وقال رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي، جيروم باول، في اجتماع لجنة السوق المفتوحة الاتحادية إن التشديد التاريخي للسياسة النقدية قد انتهى على الأرجح. وأجمع صناع السياسات تقريبا على توقعات بأن تكاليف الاقتراض ستنخفض في 2024 بحسب رويترز.
ويرى محللون أن الدولار يمر حالياً بأسوأ يوم له خلال العام الجاري. وحسب بلومبيرغ، الخميس، تراجع مؤشر بلومبيرغ للدولار الفوري بنحو 0.5% في التعاملات الصباحية، وهو أدنى مستوى للمؤشر منذ أغسطس/آب. وكان المؤشر قد تراجع بنسبة 0.8% في نهاية تعاملات يوم الأربعاء بعد تثبيت الفائدة الأميركية. كما ارتفعت جميع أسعار صرف عملات مجموعة العشرة مقابل الدولار، حيث ارتفعت الكرونة النرويجية والين الياباني والكرونة السويدية، وكذلك الدولار الأسترالي والنيوزيلندي بأكثر من 1%. كما تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية.
وكثف المتداولون رهاناتهم على التيسير الإضافي للسياسة النقدية في العام المقبل، بعد أن توقع صناع السياسة في بنك الاحتياط الفيدرالي، البنك المركزي الأميركي، أن أسعار الفائدة تتجه للتراجع في العام المقبل.
ومن بين العوامل التي تؤثر في مسار سعر صرف الدولار، إلى جانب التباين في النمو الاقتصادي مع الاقتصادات المنافسة في الدول الرأسمالية، تباين أسعار الفائدة المصرفية ومعدلات التضخم التي تحدد العائد الصافي للمستثمرين. ويلاحظ أن الاقتصاد الأميركي في وضع أفضل حاليا من حيث معدل التضخم ومعدل النمو الاقتصادي مقارنة بكل من أوروبا وبريطانيا.
ولكن رغم الإيجابيات التي تميز الاقتصاد الأميركي، يبدو مصرف "بنك أوف أميركا"، أكثر تشاؤماً في توقعاته للدولار، حيث تشير توقعات البنك لعام 2024، إلى أن الدولار سيواصل التراجع خلال العام المقبل. ويقول محللو البنك في توقعاتهم التي نشرها موقع " باوند ستيرلنغ" اللندني في 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري، إن تخفيضات أسعار الفائدة على الدولار، "أكثر أهمية بالنسبة لسوق الصرف، من التخفيضات في البنوك المركزية الأخرى.
ويتوقع بنك أوف أميركا (BofA)، أن يتجاوز سعر صرف اليورو مقابل الدولار، مستوى 1.10 خلال الأشهر المقبلة، ومع ذلك، يحذر المحللون به من أن هذا لا يعني بالضرورة "أن اليورو سيواصل الارتفاع" بسبب الأزمات التي تمر بها أوروبا حالياً.
في هذا الصدد، قال رئيس استراتيجية العملات الأجنبية لمجموعة العشرة في "بانك أوف أميركا"، ثانوس فامفاكيديس، إن مستقبل العملة الأميركية يعتمد على توقعات النمو الاقتصادي الأميركي مقارنة بالاقتصادات الأخرى في الدول الصناعية. ويتوقع الاقتصاديون في "بنك أوف أميركا"، أن يجري مجلس الاحتياط الفيدرالي ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة خلال العام المقبل بدءًا من يونيو/حزيران.
لكن من جانبها، ترى الباحثة النقدية، إيزابيلا روزنبرغ، في مصرف "غولدمان ساكس"، أن الدولار صمد أمام النمو العالمي المرن وحافظ على قيمته في عام 2023، وقد يظل خلال العام المقبل 2024، عند المستوى الذي حققه في العام الحالي.
وتتوقع الخبيرة الاقتصادية، في تحليل حول مستقبل مسار العملات في نهاية الشهر الماضي، أن يكون أداء الدولار أقل من أداء عملات البلدان المنافسة للولايات المتحدة. وترى، أن تفوق سعر صرف الدولار في العام الجاري، حدث بسبب تفوق اقتصاد الولايات المتحدة على الاقتصادات الأخرى، حيث نما الاقتصاد الأميركي بمعدل 2.4%، وهو ما يتجاوز بكثير تقديرات النمو المتفق عليها عند 0.4% في بداية العام.
وتقول، إنه نظراً لهذه الخلفية والتحديات الاقتصادية في أوروبا والصين، "ليس من المستغرب أن يتم توجيه غالبية تدفقات الأموال عبر الحدود إلى الولايات المتحدة". كما يتوقع غولدمان ساكس للأبحاث، نمواً في الولايات المتحدة بنسبة 2.1% خلال العام المقبل 2024. وترى روزنبرغ، أن النمو بهذه النسبة سيكون كافياً لجذب الأصول الأجنبية للاستثمار في السوق الأميركي، مما سيعزز سعر صرف الدولار.
وحسب بيانات بلومبيرغ يوم الأربعاء، ارتفع اليورو أكثر من 0.8% ليتداول عند 1.088 مقابل الدولار بعد ظهر الأربعاء في نيويورك.
ويتوقع محللون بمصرف "أي أن جي" أن يتراجع الدولار خلال العام المقبل، وأن تستفيد عملات السلع الأولية مثل الكرونة النرويجية من تراجع الدولار، كما أن الين الياباني سيستفيد من ضعف الاقتصاد الصيني ليصبح العملة الحاملة للتجارة في أسواق الصرف خلال العام المقبل. ويذكر أن الين كان من العملات التي تراجعت بمعدل حاد خلال العام الجاري.