تنتشر في العديد من مناطق اليمن، أعمال حفر وتنقيب عشوائي عن المعادن خصوصاً الذهب، وسط الفوضى التي تعم البلاد بفعل الصراعات المستمرة منذ عام 2015.
ويعتبر قطاع الثروة المعدنية والصناعات الاستخراجية من أهم القطاعات الواعدة، حيث تظهر الدراسات الجيولوجية توفُّر العديد من المعادن والخامات الطبيعية المختلفة والتي ما زال أغلبها مدفوناً في باطن الأرض لارتفاع تكاليف الإنتاج.
وترصد "العربي الجديد"، أعمالا غير مشروعة للتنقيب عن المعادن في أكثر من منطقة بالأخص في محافظة حجة شمال غربي اليمن وحضرموت جنوبي البلاد ومناطق أخرى بمستويات متفاوتة، بعضها أعمال فردية يقوم بها مواطنون من سكان تلك المناطق، ومنها ما هو منظم عن طريق جهات ومتنفذين ومسؤولين.
الخبير الجيولوجي علي الشريف يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ الصراع الذي طال أمده يتركز مؤخراً في الجانب الاقتصادي وتقويض مؤسسات الدولة، ما يساهم في تبديد الثروات الطبيعية والمعدنية وتأخير استغلالها وانتشار الفوضى والعبث في هذا القطاع الاقتصادي الواعد.
يقول الشريف إنّ "أعمال العبث والتنقيب العشوائي وسرقة ونهب المعادن ليست بجديدة في اليمن، لكن الأوضاع الراهنة بفعل الحرب والصراع الدائر زادت من مستوياتها وتوسعها، فبعض المواقع المكتشفة لمعدن الذهب مثل موقع الحارقة في محافظة حجة يتعرض للحفر والتنقيب والبسط العشوائي منذ ما قبل الحرب وغيره من المواقع المشابهة في محافظات أخرى".
وتفيد مصادر محلية في محافظة حجة في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بأنّ سكاناً محليين تهافتوا خلال الفترة الماضية بشكل عشوائي كثيف على التنقيب وحفر مناجم لاستخراج الذهب، إذ يستخدمون مواد كيميائية ضارة كثيراً بالبيئة وبالخامات النفيسة في المناجم وبالتالي العبث بها وتبديدها.
وتشير الاستكشافات المعدنية في اليمن إلى وجود احتياطي كبير للذهب في منطقة الحارقة في حجة، التي تعتبر واحدة من أكثر المناطق اليمنية فقراً، حيث تعتبر ذات جدوى اقتصادية محفزة للاستغلال.
وحسب البيانات الصادرة عن هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، فإن التقدير الأولي فيما يخص محافظة حجة يشير إلى وجود احتياطي في منطقة الحارقة يقدر بنحو مليون طن، بمحتوى يتراوح بين 1 و1.65 غرام ذهب في كلّ طن صخور تحوي المعدن النفيس، مشيرة إلى أنّ هذه البيانات ذات جدوى اقتصادية كبيرة.
وحول المناطق الأخرى في المحافظة تذكر دراسات الهيئة أنه لم يتم تقدير الاحتياطي ولا تزال هذه المناطق بحاجه إلى دراسات تفصيلية، غير أن المؤشرات الجيوكيميائية تشير إلى وجود الذهب بنسب جيدة تتراوح بين 1 إلى 18 غراما في الطن الواحد من الصخور الحاوية للذهب.
ويقول الباحث في المجال الجيولوجي إبراهيم حزام، في حديث لـ"العربي الجديد" إن ما يجرى من حفر وتنقيب عشوائي يمثل خطراً كبيراً على من يقومون بهذه الأعمال ومناطقهم وعلى ثروات اليمن التي تتعرض لأشكال متعددة من النهب والعبث.
وفي محافظة حضرموت، أكد مسؤولون وخبراء في هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية لـ"العربي الجديد"، أنه جرى اكتشاف أعمال تنقيب عشوائية في بعض المناطق بحضرموت والعمل على ايقافها.
وقامت السلطات والجهات المعنية بإيقاف التنقيب العشوائي عن المعادن في منطقة الباردة بحضرموت في إطار ضبط المخالفين لقانون المناجم والمحاجر في اليمن رقم 22 لعام 2010، إذ قام فريق من هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية بالنزول الميداني لمنطقة الباردة والتي تقع في الجهة الغربية لمدينة المكلا وتبعد عنها حوالي 50 كيلومتراً.
وذكرت مصادر جيولوجية أنّ الفريق عثر على بعض أعمال التنقيب العشوائي بغية الحصول على معادن، إذ رصد الفريق وسجل مواقع لتواجد الخامات المعدنية متمثلة في نطاقات ما يسمى بالقص، حيث وجود الصخور المفككة أو المفتتة وظهور العديد من التغييرات عليها.
وفي مقابل تصريحات مسؤولين وخبراء جيولوجيين عن انغماس بعض الأهالي في أعمال التنقيب العشوائي عن المعادن، يقول أهالي وسكان منطقة الباردة إنهم يرفضون بشكل قاطع مثل هذه الأعمال، ويقفون في صف الجهات الحكومية المعنية في الحفاظ على الثروة المعدنية من العبث، مشيرين إلى أنّ أيّ استثمار، لا بد أن يضع في الحسبان مصلحة البلد والمنطقة والمجتمع المحلي بما يعود خيره على الجميع.
وقال الباحث الاقتصادي والجيولوجي طاهر عبد العليم لـ"العربي الجديد"، إن مواقع الذهب المكتشفة في اليمن محدودة للغاية لكنها واعدة، مشيراً إلى أنّ مشاريع التعدين تأخذ وقتاً طويلاً لكنّ مردودها نوعي وتستوعب عمالة أكبر وتشكل دافعاً كبيراً للتنمية الاقتصادية. وتنتشر احتياطيات الذهب في مناطق متعددة من اليمن مثل صبرين، اللوذ، ووادي عطف بالجوف شرقاً، وفي صعدة ومناطق في صنعاء شمالاً وأبين جنوباً.