تتخوف قطاعات الأعمال في بريطانيا من مواجهة أعباء مالية إضافية في ظل تبني الحكومة مشروع قانون يلزم المؤسسات المختلفة باتخاذ تدابير جديدة للسلامة والحماية، ما يدفع المؤسسات، لا سيما الصغيرة منها، إلى توجيه مخصصات مالية إلى هذه الإجراءات التي قد تبدو مكلفة في أوقات عصيبة تشهدها مختلف الأنشطة في ظل التراجع الاقتصادي للدولة.
وفي خطوة جديدة لتعزيز قدرة المملكة المتحدة على مواجهة الإرهاب، أكدت الحكومة أخيراً اعتزامها نشر مشروع قانون الحماية الذي يُعرف باسم "قانون مارتين" في أوائل الربيع، تكريماً للشاب مارتين هيت، الذي قُتل إلى جانب 21 آخرين في هجوم مانشستر أرينا الإرهابي في عام 2017.
يتعهّد مشروع القانون في مسودته التي اطلعت عليها "العربي الجديد" بتوفير حماية أفضل من خلال أنظمة الأمان المحسنة وتدريب الموظفين. وفي حال الموافقة عليه سيجرى تطبيقه في جميع أنحاء المملكة المتحدة. وتخطّط الحكومة أن يشمل "قانون مارتين" أماكن الترفيه والتسلية والبيع بالتجزئة ومحلّات الطعام والشراب والمتاحف والمعارض والملاعب الرياضية والمناطق العامة للمباني الحكومية المحلية والمركزية (مثل قاعات المدينة) ومناطق جذب الزوار والفعاليات المؤقتة وأماكن العبادة والصحة والتعليم، وأي مكان يتسع لما يزيد عن 100 شخص.
تطمينات حكومية
ورغم التطمينات التي تقدمها الحكومة في مشروع القانون من أنها ستقدم الدعم المطلوب لتفادي إضافة أي أعباء إضافية على الأعمال، إلا أن هناك مخاوف من تأثيره على الشركات الصغيرة على وجه الخصوص من خلال إضافة ضغوط عليها. ذلك لأن التشريع المقترح يطلب من الأماكن الصغيرة تحديث خطط الحرائق أو اتخاذ تدابير إضافية مثل تثبيت الحماية أو تركيب نوافذ مضادة للقنابل ويتسع نطاق هذه الإجراءات في الأماكن الأخرى، إذ سيجرى اتباع نموذج متدرج يتم ربطه بالنشاط وسعة المكان لاستقبال الأشخاص.
وتواجه الكثير من الأنشطة الاقتصادية في المملكة المتحدة ضغوطاً كبيرة، في ظل ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم الجامح وتراجع القدرات الشرائية للكثيرين. فقد وصف تقرير صادر عن مركز أبحاث البيع بالتجزئة (CRR) في لندن مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، العام الماضي 2022، بأنه كان عاماً "قاسياً" بالنسبة لقطاع التجزئة في بريطانيا، حيث شهد إغلاق أكبر عدد من المتاجر، مقارنة بأي وقت خلال السنوات الخمس الماضية، متوقعاً أن تتواصل عمليات الإغلاق خلال العام الجاري 2023.
وحسب التقرير، فقد بلغ عدد متاجر التجزئة التي أغلقت أبوابها يومياً في بريطانيا 47 متجراً في المتوسط. ووجد المركز أن 17145 متجراً في الشوارع الرئيسية بالمدن البريطانية أغلقت أبوابها نهائياً في عام 2022. وهذا الرقم يقترب من نسبة 50% من المتاجر التي أغلقت أبوابها خلال عام جائحة فيروس كورونا والبالغة 11449 متجراً.
وتعتقد حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك بأن اقتصاد المملكة المتحدة قد دخل في حالة ركود بسبب تداعيات التضخم المرتفع. ومع ذلك فإن مسودة مشروع "قانون مارتين" ترى أنه يمكن للمؤسسات تطبيق الالتزامات التي يفرضها القانون من دون تكبّد الشركات تكاليف باهظة، فالعديد من الأدوات التي تحتاجها هذه الأماكن لتكون مستعدة لأي هجوم إرهابي متوفرة بتكلفة معقولة، مثل أجهزة الكشف عن المعادن وكاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة وأفراد الأمن.
لكن تختلف الأمور بالنسبة لبعض الأماكن الكبيرة التي قد تحتاج إلى بنية تحتية أكبر وقد تكون تكاليف موظفي الأمن أكثر أهمية. في هذه الحالات قد تلعب الحكومة دوراً مهماً في تحفيز الاستحواذ على البنية التحتية الأمنية.
تقاسم التكاليف
وهناك سوابق مع مبادرات مثل صندوق "أماكن العبادة" حيث يجرى تقاسم التكاليف بالتناسب بين الحكومة والمكان المزدحم. ويقترح مشروع القانون إنشاء نظام قروض من دون أسعار فائدة لتمويل تدابير الحماية الوقائية، عندما تكون هذه التكاليف كبيرة.
في هذا السياق، تقول كل من جمعية الصناعات الليلية "NTIA" وجمعية "أمان أبواب المملكة المتحدة"، إنهما ترحبّان بنوايا الحكومة بشأن قانون مارتين. وقد شاركت كلاهما عن كثب مع وزارة الداخلية والوكالات الرئيسية وأصحاب المصلحة في تطوير الجوانب العملية حول تنفيذه.
وجمعية الصناعات الليلية، تأسست عام 2015 لتمثيل الشركات التي تعمل في الغالب بين الساعة السادسة مساءً والسادسة صباحاً، بينما تمثل جمعية "أمان أبواب المملكة المتحدة" العاملين في شركات الأمن الخاصة.
ويقول مايكل كيل، الرئيس التنفيذي لجمعية صناعات الليل، وفق منشور على الموقع الإلكتروني للجمعية : "يجب علينا أيضاً النظر في التأثير على قطاع الأمن الخاص، حيث وصلت أعداد الموارد الأمنية أثناء الوباء إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق. سنحتاج إلى النظر في زيادة أعداد العاملين المرخصين المنوط بهم تنفيذ القوانين الجديدة لضمان عدم وقوعنا في مواجهة تحدّيات الموارد". وأضاف كيل أن موظفي الأمن سيلعبون دوراً مهماً في حماية الأماكن العامة في الاقتصاد الليلي وسيتطلبون مستوى مماثلاً من التوجيه والتدريب المفصّل لأداء دورهم.
وفي الوقت الحالي، لا توجد بنود تشريعية تلزم المؤسسات أو أماكن العمل المختلفة باتخاذ تدابير أمنية محددة. ورغم معاناة الناس من أزمة معيشة بفعل التضخم وتباطؤ الاقتصاد، يتفق كثيرون على أنه من الضروري حماية الأرواح حتى لو تطلّب الأمر تكاليف مالية وأعباء إدارية وبيروقراطية إضافية. ويقدر أن هناك حوالي 650 ألف مكان مزدحم في المملكة المتحدة، منها حوالي 0.2% فقط تحظى بالأولوية لتلقي الدعم المباشر من شبكة خبراء مكافحة الإرهاب في الدولة.