تكاليف الأعمال تتصاعد في إسرائيل... ضرائب إضافية ورواتب أعلى للعمال

06 ديسمبر 2023
إيقاف العمالة الفلسطينية تسبب في عجز كبير بالوظائف في إسرائيل (فرانس برس)
+ الخط -

تواجه قطاعات الأعمال في إسرائيل ضغوطاً مالية غير مسبوقة في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة التي أكملت شهرها الثاني، وسط غياب اليقين بشأن توقفها وانحسار الخسائر التي تتكبدها الأنشطة الاقتصادية المختلفة في ظل انكماش الأسواق وانحسار الإيرادات، بينما بات المستثمرون يتحملون تكاليف إضافية للتوظيف في ظل نقص العمالة في العديد من المجالات بسبب الاستدعاء الواسع لجنود الاحتياط، فضلا عن ارتفاع تكاليف الاقتراض وزيادة أسعار المواد الخام.

وتدفع فاتورة الحرب الباهظة حكومة الاحتلال إلى اقتسام تكاليفها مع رجال الأعمال وحتى المستهلكين، إذ تخطط لزيادة الضرائب لتحصيل المزيد من الإيرادات لتعويض جزء من الإنفاق الكبير على العمليات العسكرية وحشد الجنود وإجلاء مئات الآلاف من المناطق القريبة من قطاع غزة، جنوب فلسطين المحتلة، والحدود اللبنانية شمالاً وتوقف السياحة والسفر وتراجع التصدير.

وتظهر أرقام صادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن متوسط الرواتب في إسرائيل زاد بعد الحرب، ليصل في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى 12488 شيكلا (حوالي 3357 دولارا)، بزيادة بلغت نسبتها 5.9% عن الشهر نفسه من العام الماضي 2022.

وتشهد الكثير من الأنشطة نقصاً في العمالة، لا سيما قطاع التشييد والبناء، ما دفع أصحاب الأعمال إلى زيادة الرواتب والدخول في منافسة في ما بينهم لجذب العمال من أجل الحفاظ على ما تبقى من أنشطة والحيلولة دون انهيار الشركات وإفلاسها.

ووفق صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية، فإنه من الممكن أن تكون الزيادة في الرواتب ناجمة فعلياً عن انخفاض عدد الموظفين بسبب الحرب، لافتة إلى أنه سبق أن شهدت إسرائيل تأثيرات مماثلة خلال جائحة فيروس كورونا، حيث ارتفع متوسط الرواتب بسبب انخفاض عدد الموظفين، لا سيما في القطاعات منخفضة الأجر.

وتأتي الزيادة في تكاليف الرواتب في الشهر الأول للحرب، بينما كانت قد شهدت زيادة بالأساس في سبتمبر/ أيلول الماضي بنسبة 5.6% على أساس سنوي، متأثرة بتداعيات أزمات داخلية، على رأسها أزمة تعديل النظام القضائي التي هددت مناخ الاستثمار في إسرائيل، حيث ارتفعت الرواتب بقوة في قطاع التكنولوجيا الفائقة، إذ بلغ متوسط الراتب في قطاع التكنولوجيا العالية 29678 شيكلا (حوالي 7978 دولارا)، بزيادة نسبتها 7.4% عن سبتمبر 2022.

تكاليف أكبر في قطاع البناء

ولعل نسبة الزيادة في الرواتب في قطاع التشييد والبناء الأعلى بين مختلف الأنشطة الاقتصادية، إذ وصلت الزيادات إلى نحو 50%، وفق مسؤولين في القطاع الأكثر تضرراً من الحرب، بفعل وقف العمالة الفلسطينية ومغادرة العمال الأجانب، بينما يعزف الإسرائيليون عن العمل في القطاع، فضلا عن أنهم غير مؤهلين من الناحية التدريبة لذلك.

ووفق ما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن رئيس جمعية مقاولي البناء راؤول سارجو، فإنه "يجب على الحكومة أن تهتم بجلب العمال الأجانب إلى الصناعة في أسرع وقت ممكن وعلى نطاق واسع"، مضيفا أن نقص العمالة يعد أكبر أزمة بالنسبة للأعمال على الرغم من أنها لم تعد للعمل إلا بنحو 30% من طاقتها فقط.

وأضاف سارجو: "هناك نقص بنحو 80 ألف عامل فلسطيني، وهذا يجب أن يشعل الأضواء الحمراء.. الاعتماد في قطاع البناء على هذا العدد من العمالة الفلسطينية لا يوجد في الصناعات الأخرى، مثل الفنادق، والمطاعم، والتجارة، والتمريض.. نحن بحاجة إلى تغيير تركيبة العمال في الوظائف إلى عدد أكبر من العمال الأجانب مقارنة بالفلسطينيين".

لكن إسرائيل تواجه أيضاً نقصاً في العمال الأجانب في قطاع البناء. وغالباً ما يأتي العمال الأجانب من الدول التي أبرمت معها حكومة الاحتلال اتفاقيات ثنائية لاستقدام العمالة، مثل الصين ومولدوفا. ومع ذلك، مع بداية الحرب، أعربت الصين عن معارضتها لدخول عمال إضافيين إلى إسرائيل، ولم تتمكن إسرائيل من استقدام عدد كافٍ من عمال البناء من مولدوفا، وفق يديعوت أحرونوت.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

ونقلت الصحيفة عن أفيف تيسا، وهو صاحب إحدى الشركات العقارية، قوله إن كلفة العامل ارتفعت بسبب النقص الشديد، موضحا أن من كانوا يتقاضون 800 شيكل في اليوم يحصلون الآن على 1200 شيكل، ولفت إلى أن العمال الصينيين يحصلون على حوالي 27000 شيكل في الشهر حاليا، مضيفا: "على الدولة أن تشجع الشباب على دخول قطاع البناء والتشييد، كما تفعل في قطاع الزراعة، ولو لفترة مؤقتة مدتها ستة أشهر، لحين وصول العمال الأجانب"، وتابع: "مثلما تدفع الحكومة منحة للعمل التفضيلي في محطات الوقود، لماذا لا ندفع 5000 شيكل شهرياً لأعمال البناء؟".

مغادرة العمال الأجانب

وأدت الحرب إلى مغادرة أكثر من 17 ألف عامل أجنبي إسرائيل، وفق سلطة الهجرة بوزارة الداخلية الإسرائيلية، لافتة على لسان رئيسها ايال سيسو في تصريحات لصحيفة "معاريف"، إلى مغادرة 9855 عاملا تايلنديا في قطاع الزراعة، و4331 عاملا في قطاع البناء و2997 بقطاع التمريض.

وقدر بنك إسرائيل المركزي الكلفة التي يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي بسبب نقص القوى العاملة، والتي تأثرت بالسلب بشكل كبير خلال الحرب بنحو 2.3 مليار شيكل (618 مليون دولار)، أسبوعيا، موضحا في تقرير في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أن هذه التكاليف ناجمة عن إغلاق العديد من المدارس في أنحاء البلاد وإجلاء نحو 144 ألف عامل من المناطق القريبة من الحدود مع غزة ولبنان إضافة إلى استدعاء جنود الاحتياط للخدمة. وكانت إسرائيل قد استدعت 360 ألفاً من جنود الاحتياط، وهو الأكبر في تاريخها، وهو ما أثر على الكثير من الأعمال التي تأثرت بغياب هؤلاء الموظفين.

ورغم شح العمالة المطلوبة، أظهرت بيانات أصدرتها دائرة التوظيف الإسرائيلية أخيراً أن ارتفاعا حاداً طرأ على عدد الأفراد المسجلين كعاطلين من العمل خلال أكتوبر/ تشرين الأول. وبحسب التقرير الشهري لدائرة التوظيف، الذي نشرته صحيفة "غلوبس" أخيراً، فإن 70 ألف طلب تسجيل تقدم بها إسرائيليون كعاطلين من العمل في الشهر الأول للحرب. ويزيد هذا الرقم بنسبة 460% على أساس شهري، صعوداً من 12.5 ألف طلب تم تسجيلها في سبتمبر/ أيلول.

ضرائب إضافية

ويبدو أن الأعباء التي يتحملها المستثمرون جراء دفع تكاليف أكبر لتشغيل العمالة والاقتراض بفائدة أعلى ودفع أثمان أكبر للسلع والخامات بسبب صعود التضخم لن تتوقف عند هذا الحد، إذ من المتوقع أن تتزايد هذه التكاليف مع تخطيط حكومة الاحتلال لفرض زيادات ضريبة لتعويض إنفاقها على الحرب.

وقال رئيس قسم الموازنة في وزارة المالية يوآف غيردوس إن الوزارة تدرس إمكانية زيادة الضرائب لتمويل العجز جزئياً. ويشمل ذلك، وفق تقرير لصحيفة معاريف، أمس، رفع ضريبة القيمة المضافة بنسبة 1%، وإلغاء بعض الإعفاءات، خاصة في مجال مدخرات التقاعد وسوق رأس المال، وفرض ضريبة على شراء السيارات الكهربائية.

وأشار غيردوس إلى أن تأثير الحرب على موازنتي عامي 2023 و2024 تقدر بـ190 مليار شيكل (حوالي 51.3 مليار دولار)، أي 10% من الناتج الإجمالي الإسرائيلي، منها 110 مليارات شيكل تكاليف القتال، وخسارة الإيرادات بقيمة 45 مليار شيكل، وتكاليف صندوق التعويضات بقيمة 10 مليارات شيكل، ونفقات إعادة الإعمار بقيمة 13.3 مليار شيكل، بجانب تكاليف أخرى.

المساهمون