تقييم الأداء الاقتصادي للرئيس

14 سبتمبر 2022
الرئيس الأميركي جو بايدن يلقي بتعليقات عن معدل التضخم في بلاده (Getty)
+ الخط -

اعتادت الشعوب، في أغلب بلدان العالم، على سماع الرؤساء ينتقدون أداء سابقيهم، خاصة في النواحي الاقتصادية، وبات أمراً معتاداً أن تتنصل السلطة الحاكمة من الأخطاء التي قامت بها، خاصةً إذا نتجت عنها نتائج سلبية تسببت في ضياع ثروات البلاد، أو تراجع مستوى معيشة المواطنين، أو حتى توريط البلاد في ديون تستنزف بفوائدها موارد البلاد.

وفي الولايات المتحدة، لا يقتصر الأمر على معاقبة الرئيس، إن أخطأ، بعدم انتخابه في الفترة التالية، وإنما يمتد الأمر، خاصة بالنسبة للكتلة الحرجة التي لا تربط تصويتها بحزب معين، إلى احتمال معاقبة حزبه في انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس. وحالياً، يشعر الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن بقلق شديد من نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقرر عقدها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم، بسبب ما وصفه البعض بالأداء الاقتصادي السيئ لإدارته.
ومع تسليمنا بسهولة نسج الروايات، الجيدة أو السيئة، عن الأداء الاقتصادي لأي رئيس، يدخل الحزب الديمقراطي الانتخابات بأداء شديد الضعف في ما يتعلق بارتفاع الأسعار، خاصة أسعار الطاقة، حتى أن معدل التضخم الأميركي استقر لشهور بالقرب من أعلى مستوياته في أكثر من أربعة عقود، وسجل في آخر قراءة له 8.5%.
وبخلاف التضخم المرتفع، كانت هناك أزمة أشباه الموصلات، التي تسببت في تراجع الإنتاج في العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى ومصانع السيارات والأجهزة الكهربائية، وأزمة اضطراب سلاسل الإمداد في العديد من السلع، النهائية والوسيطة، وتوجه العديد من المؤسسات المالية وشركات التكنولوجيا لتسريح آلاف العاملين في العام الحالي، وأخيراً اقتراب البلاد من الوقوع في مصيدة الركود الاقتصادي، الذي تكون نتائجه في أغلب الأحيان كارثية، على مستوى التوظيف والأجور والنمو الاقتصادي.
يمكن للرئيس الأميركي أن يدفع بأن ما يحدث في الاقتصاد الأميركي في الوقت الحالي ليس من صنع يديه، وأن الرئيس السابق وسياساته، التي شملت طبع مليارات الدولارات، وإنفاقها في العديد من حزم تحفيز الاقتصاد، بالإضافة إلى المليارات التي تم دفعها للأسر والشركات الأميركية لحمايتها من التبعات الكارثية للوباء، مع قيام البنك المركزي (الفيدرالي) باتباع سياسات تيسير كمي على نطاق واسع، كان من بين أدواتها شراء كميات ضخمة من السندات من السوق الثانوية، هي المسؤولة عن تردي حالة الاقتصاد حالياً، ووقوعه بين مطرقة التضخم وسندان الركود، لكنه لم يفعل.
لم يحمل بايدن المسؤولية لسابقه لأنه يدرك جيداً أنه أمضى أكثر من عامٍ ونصف حتى الآن في البيت الأبيض، وأن مجلسي الكونغرس كانا بدرجة كبيرة تحت سيطرته وحزبه، وأن الفرصة كانت مواتية تقريباً لتمرير كل ما أراد من قوانين. فإذا قال لهم إن ترامب هو المسؤول، فسيقولون له بكل تأكيد "تباً لك"، وفقاً لترجمة أنيس عبيد، عميد ترجمة الأفلام الأجنبية إلى العربية.

ينص الدستور الأميركي على أن تكون فترة الرئاسة لمدة أربع سنوات، وأن أقصى ما يمكن السماح به لرئيس هو البقاء في الحكم لفترتين، بإجمالي عدد سنوات لا يتجاوز الثماني، وكأنهم يقولون إن أربع سنوات هي مدة كافية تماماً لإحداث أي تغييرات منشودة، اقتصادية كانت أو غيرها.
رأى الآباء المؤسسون للدولة، التي أصبحت في غضون قرنين تقريباً من نشأتها قوة عظمى، أن أربع سنوات كفيلة بتغيير حالة الاقتصاد تماماً، حتى لو كان هو الأكبر في العالم، وكانت علاقاته بالداخل والخارج متشعبة، وكانت تضاف إليه كل عام أنشطة عدة، ومبتكرات حديثة، وأدوات جديدة في أسواق المال. فإذا أثبت الرئيس فشله، ولم ينجح في الدور الأول في إنقاذ اقتصاد بلاده، يمنحه الدستور فرصة ثانية، في فترة لا تتجاوز أربع سنوات أخرى، إذ ربما يتمكن خلالها من النجاح في "الدور الثاني".
أما في حال فشل الرئيس في إصلاح اقتصاد بلاده خلال الفترتين، فلن تكون هناك فرصة أخرى، ولن يكون هناك دور ثالث، ولن يسمح له بمزيد من المحاولات، حتى لو لم يكن هناك بديل واضح يمكنه أن يحدث التغيير المطلوب، من وجهة نظر كل أبناء الوطن! فإذا لم يستطع الرئيس إصلاح الاقتصاد في ثماني سنوات، يتعين عليه أن يترك مكانه، وأن يتيح الفرصة لوجه جديد، وفكر جديد، إذ ربما يكون هناك مجال لإحداث التغيير المنشود.
يتجنب مؤيدو الرئيس الحديث عن الإخفاقات، وعن مواطن الضعف الواضحة في الاقتصاد، ويفضلون التركيز على ما تم تحقيقه من إنعاش للاقتصاد الأميركي بعد كساد الوباء.
وبالفعل، خلقت الشركات الأميركية في عهد بايدن ملايين الوظائف الجديدة، ولم تكن أميركا وحدها ضحية التضخم العالمي، بل كانت ربما الأفضل حالاً بين دول العالم، خاصة مع ارتفاع قيمة عملتها أمام عملات أغلب الدول، المتقدمة والناشئة والنامية.

لكن الشعب الأميركي لم يعفِ رئيسه من المسؤولية عما يخص الإخفاقات بسبب ما تم تحقيقه من إنجازات، إن جازت التسمية. ورغم ارتفاع معدل نمو الاقتصاد خلال الأشهر العشرين الأخيرة، والإضافات القوية للوظائف، وتأكد الجميع من أن حرب روسيا على أوكرانيا كانت العامل الأساسي المسبب لارتفاع أسعار الطاقة، ومن ثم ارتفاع أسعار كل شيء في الولايات المتحدة، كما تعطل سلاسل الإمداد، تشير أغلب التوقعات إلى ارتفاع فرص الحزب الجمهوري في انتزاع السيطرة على واحد على الأقل من مجلسي الكونغرس.
سيدفع بايدن الثمن لأن إخفاقاته كانت أكثر من نجاحاته، أو لأن ما أخفق فيه كان من سياساته، وما نجح فيه كان بفعل ظروف لم يكن له دخل بها، ويقول أكثر المحللين اعتدالاً إنه فشل فقط لأنه "جعل الأمور أسوأ مما كان يمكن أن تكون".
يحدث هذا في الدول التي تسمح دساتيرها بتغيير المُخفق واستبعاد الفاشل من خلال صناديق الاقتراع، ويقبل الجميع بنتائج الصندوق، ويتعرض من يشكك في النتائج لإجراءات عقابية مؤلمة، على النحو الذي نراه يحدث حالياً مع ترامب وحلفائه. لكن ماذا عساهم يفعلون من حرموا حق رفض الفاشل وحق مطالبته بالرحيل!

المساهمون