على الرغم من مواجهة الاقتصاد الروسي عقوبات غربية غير مسبوقة فرضت عليه على خلفية الحرب في أوكرانيا المستمرة منذ نهاية فبراير/ شباط الماضي، إلا أن الروبل الروسي لم يعوض الخسائر التي سجلها خلال الأسابيع الأولى من الأحداث فحسب، بل عزز مواقعه إلى أعلى مستويات منذ ربيع عام 2018.
ومع ذلك، استهل الروبل هذا الأسبوع بتراجع طفيف أمام الدولار الذي ارتفع في تعاملات بورصة موسكو، يوم الاثنين، إلى أكثر من 58 روبلاً للدولار الوحد مقابل 51 روبلاً في نهاية الشهر الماضي، فيما شكل أعلى مستوى للعملة الروسية منذ عام 2015، وهو ما بات يقلق السلطات المالية الروسية نفسها وسط مخاوف من أن يؤدي تعافي الروبل إلى تراجع القدرة التنافسية للصادرات غير النفطية.
وتراجع الروبل الروسي الثلاثاء 1.9 بالمئة ليسجل 59.21 مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له منذ 11 يوليو، كما خسر 1.6 بالمئة ليسجل 60.14 مقابل اليورو متجاوزا هذا الحد لأول مرة منذ 11 يوليو.
لكن حتى سعر الصرف الحالي يبدو انتصاراً كبيراً للروبل أمام الدولار الذي سجل قفزة إلى نحو 120 روبلاً في النصف الأول من مارس/ آذار الماضي، وسط حالة من الذعر التي سادت الأسواق الروسية خلال الأسابيع الأولى من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ويرجع الخبير الاقتصادي الروسي ليونيد خازانوف تعافي الروبل في الفترة الماضية إلى تراجع حركة الاستيراد، وسداد قيمة صادرات الغاز الروسي بالروبل، وضعف الطلب على الدولار واليورو في السوق الداخلية.
ويقول خازانوف، الذي يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد، في حديث لـ"العربي الجديد": "هناك بضعة أسباب رئيسية لتعزيز الروبل مواقعه. أولا، أسفرت العقوبات الغربية عن تقليص الشركات الأجنبية إمدادات السلع إلى روسيا والتي كانت تجري مقابل الدولار واليورو".
وثانيا، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مرسوم سداد قيمة الغاز المورد إلى الدول غير الصديقة بالروبل فقط. يعني ذلك أن مشتري الغاز الأجانب يضطرون لشراء العملة الروسية أيضاً. وثالثاً، هناك فائض من اليورو والدولار بالسوق الروسية يقابله ضعف الطلب"، بحسب خازانوف.
وحول رؤيته لأسباب ضعف الطلب على العملات الأجنبية في روسيا، يضيف: "عندما كان سعر صرف الدولار واليورو في ارتفاع سريع في مارس/ آذار الماضي، اصطفت طوابير أمام فروع المصارف للحصول عليها قبل حظر بيعها. لكن بعد السماح ببيع العملات الأجنبية للأفراد، لم نشهد أي طوابير أو اندفاع لشرائها. يدرك كثيرون أنه يصعب السفر إلى الخارج في ظروف العقوبات، فلا يقبلون على شراء الدولار واليورو، ما يدفع بسعري صرفهما نحو الانخفاض ... أضف إلى ذلك أن عدداً من المصارف فرض عمولات وأسعار فائدة سلبية على الحسابات بالدولار واليورو".
وفي الوقت الذي قد يبدو فيه صعود الروبل انتصاراً جيوسياسياً روسياً على العقوبات الغربية، تتجه السلطات الروسية لبحث آلية التأثير على معادلة تحديد سعر الصرف.
وكانت رئيسة المصرف المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا قد أعلنت في نهاية الأسبوع الماضي، عن إجراء المصرف والحكومة نقاشات حول آلية قاعدة الميزانية التي تقتضي شراء فوائض عوائد النفط وإيداعها في الاحتياطات للتحكم في سعر صرف الروبل، بالتزامن مع الإعلان المفاجئ عن خفض سعر الفائدة الأساسية من 9.5 إلى 8 في المائة.
في سياق آخر، يقلل خازانوف من أهمية المزاعم حول تأثر الصناعات غير النفطية الروسية بتعافي الروبل، قائلاً: "لم يؤثر صعود الروبل كثيراً على ربحية الصادرات غير النفطية الروسية في ظل ارتفاع أسعار الأسمدة المعدنية والحبوب المصدرة من بلادنا بسبب نقصها في الخارج. لكن من جانب آخر، فإن هامش الربح عند تصدير الماكينات تراجع".
وتشير تقديرات سابقة صادرة عن وزارة المالية الروسية إلى أن انخفاض الدولار روبلاً واحداً يكلف الميزانية الروسية ما بين 130 مليار روبل و200 مليار روبل (بين 2.4 و3.7 مليارات دولار وفقا لسعر الصرف الحالي).
وفي قرار جديد للمركزي الروسي، قال إنه رفع نسب الاحتياطي المطلوبة لخفض قيمة الميزانيات العمومية للمؤسسات الائتمانية. وأضاف بنك روسيا، يوم الاثنين الماضي، أن الزيادة بالنسبة للبنوك ذات الترخيص الشامل والمؤسسات الائتمانية غير المصرفية ستكون نقطة مئوية واحدة، وحتى 3% لجميع فئات الالتزامات القابلة للحجز بالروبل.