رغم جائحة كورونا، لم توسّع تونس نفقات الصحة العامة، مكتفية بزيادة 13% على موازنة وزارة الصحة التي توجه أكثر من 72% من نفقاتها لصرف الأجور، الأمر الذي يهدّد حياة المواطنين.
وبسبب الضغوطات على المالية العمومية والعجز القياسي لموازنة تونس يطاول التقشف مخصصات الصحة، في زمن الجائحة حيث لم تسمح الحكومة بالاستجابة لطلبات الهياكل الصحية رغم الحاجيات الملحّة لزيادة الإنفاق على تجهيز المستشفيات وانتداب كوادر طبية وشبه طبية.
ولم تتجاوز نفقات الصحة بموازنة العام الجاري 2.8 مليار دينار (مليار دولار تقريباً)، بزيادة 13.4 % مقارنة بموازنة العام الماضي، وتوجه الوزارة 78.7% من مخصصات الصحة لصرف الأجور، مكتفية برصد 415 مليونا فقط للاستثمارات.
ويؤثر ضعف الإنفاق الصحي على الخدمات في القطاع الحكومي الذي يعاني من نقص فادح في الأدوية وأجهزة الإنعاش والتنفس، فضلا عن نقص الكوادر الطبية وشبه الطبية التي وصلت إلى حالة الإنهاك نتيجة العمل المتواصل.
كذلك، تواصل تونس التي تعاني موازنتها من عجز يقارب 7% إيجاد حلول لتوريد اللقاحات عن طريق قروض طلبتها من البنك الدولي.
وبسبب تأخر اللقاحات وإمكانيات كبح الفيروس، تواصل قطاعات اقتصادية واسعة دفع كلفة باهظة للغلق والحجر الموجه الذي يقيّد عمل القطاعات الخدماتية ويؤجّل كل برامج الإنعاش الاقتصادي.
وقال رئيس لجنة الصحة بالبرلمان عياشي الزمال لـ"العربي الجديد"، إن مجلس نواب الشعب طلب زيادة مخصصات الصحة، غير أن عجز الموازنة وحاجة البلاد لأكثر من 6 مليارات دولار من القروض الخارجية دفعا نحو التقشف في نفقات يفترض أن توجه لإنقاذ حياة التونسيين.
واعتبر الزمال أن قطاع الصحة يدفع ثمن السياسات العمومية الفاشلة التي راكمت مشاكل الصحة لسنوات طويلة قبل أن تزيد الجائحة الصحية في تعكير الوضع، ووضع القطاع الصحي الحكومي على حافة الانهيار.
وأكد رئيس لجنة الصحة أن تونس تأخرت في توريد اللقاحات بسبب ضعف الإمكانيات المالية واللوجستية، وهو ما دفع إلى طلب قروض من البنك الدولي لتمويل شراء كميات من اللقاح والحد من اكتساح الفيروس وفق قوله.
وفي وقت سابق، قال وزير الصحة فوزي المهدي إن وزارة الصحة حدّدت حاجيّاتها المالية للاستثمار لعام 2021 بنحو 690 مليون دينار وطلبت اعتمادات إضافية بـ286 مليون دينار لسد الفرق بين حاجيات الوزارة والاعتمادات التي رصدتها وزارة المالية للاستثمار في القطاع الصحي، غير أن الحكومة اكتفت برصد مخصصات لا تتجاوز 415 مليون دينار.
وإبان الموجة الأولى من جائحة كورونا في مارس/ آذار الماضي، أعلنت حكومة إلياس الفخفاخ حينها عن فتح حساب لجمع التبرعات من المؤسسات الاقتصادية والمواطنين لدعم مجهود الصحة ومساعدة الدولة على تجهيز المستشفيات.
وقالت وزارة الصحة إنها جمعت أكثر من 200 مليون دينار (74 مليون دولار) بفضل المدّ التضامني من المواطنين والمؤسسات، فيما بلغت المصاريف 94 مليون دينار ويتمّ تحويل المبالغ التي يتمّ تنزيلها آليّا إلى حساب التوقّي ومجابهة الجوائح الصحيّة المحدث بوزارة الصحة، ويتمّ تخصيصها حصريّا لفائدة القطاع الصحّي ولمجابهة الجوائح الصحيّة دون غيرها.
وانتقد المتحدث الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، ضعف مخصصات الصحة واعتماد الحكومة لسياسة تقشفية تهدد صحة التونسيين.
واعتبر بن عمر أن التقشف في مخصصات الصحة يهدد حياة الفقراء ومن ليست لهم القدرة على النفاذ للعلاج في القطاع الخاص، مؤكدا أن الجائحة الصحية كرّست التمايز بين الطبقات الاجتماعية وفق تصريحه لـ"العربي الجديد".
وشدد المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على ضرورة مراجعة السياسات الصحية في البلاد ومضاعفة المخصصات الموجهة للاستثمار الصحي خلال السنوات القادمة، دفاعا عن حق التونسيين في خدمات صحية جيدة في القطاع الحكومي وفق ما ينص عليه دستور البلاد.
وأفاد ممثل منظمة الصحة العالمية في تونس، إيف سوتيراند، بأن هناك ما يناهز مليون شخص في تونس لا يتمتعون بالتأمين الصحي المجاني. وبيّن أن من 38% إلى 40% من المصاريف الصحية يتم دفعها مباشرة من قبل المواطنين.
وتمثل مخصصات الصحة نحو 5.5% من موازنة البلاد، غير أن جائحة كورونا كشفت نقصا فادحا في التجهيزات وتوزيعا غير عادل للهياكل الصحية بين محافظات البلاد.