بدأت تتسع رقعة الفضائح التي تطاول حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، وتكشف ملفات ضخمة على صعيد جرائم فساد مرتكبة، على حساب الشعب اللبناني، وكان منها ما أتى بشكل مفصَّل في بيان العقوبات الأميركية – الكندية – البريطانية التي فرضت عليه، ثم أحدثها اليوم، في التدقيق الجنائي الدولي، الذي كُشِفت معطياته، بعدما أرغِم وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل على تسليمه وتعميم مضمونه، بفعل ضغوطاتٍ سياسية ونيابية وحقوقية.
وتسرّبت في الإعلام النسخة النهائية للتقرير الأولي للتدقيق الجنائي الذي أعدته شركة "ألفاريز ومارشال"، والذي سلّمه وزير المال أمس الخميس إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، التي قامت بدورها بتحويل نسخ منه إلى الوزراء، وإلى المديرية العامة لرئاسة الجمهورية، ورئيس البرلمان نبيه بري، الذي عمّمه على كافة النواب.
ويتألف التقرير الذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، من 332 صفحة، موزّعة على 14 باباً، ويكشف هندسات مالية كلفت المالية بين العام 2015 والعام 2020 مبلغ 115 ترليون ليرة لبنانية، في حين بلغت قيمة القروض التي منحها البنك المركزي 15 ترليون ليرة.
كذلك، تضمّن تقرير التدقيق الجنائي لائحة بأسماء شخصيات سياسية وإعلامية ومؤسسات وجمعيات، استفادت كلها من غير وجه حق بدعم مالي يفوق 100 ألف دولار، بين العام 2015 والعام 2020، من بينها، النائب السابق بهية الحريري، صحيفة الشرق لصاحبها عوني الكعكي، مؤسسة الإمام الصدر، ماجدة المشنوق، شقيقة وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، مهرجانات غوسطا، والبستان، وبعلبك وجونيه الدولية، وغيرهم.
في حين بلغت التحويلات لحساب شركة "فوري" 333 مليون دولار، وهي التي تعود لشقيق حاكم مصرف لبنان السابق، رجا سلامة، والتي فنّدت وزارة الخزانة الأميركية في تقريرها أبرز التجاوزات المرتبكة من قبلها ومخالفاتها المالية وفضائحها.
في السياق، يقول الكاتب الاقتصادي منير يونس، لـ"العربي الجديد"، إن معظم المخالفات المرتكبة معروفة ومُحكى عنها اعلامياً، ولكن اليوم باتت في تقرير مدقّق دولياً، ومن شركة دولية، مشيراً إلى أن هناك مخالفات جمّة ارتكبها حاكم مصرف لبنان، لكن أبرزها، التلاعب بالمعايير المحاسبية، وتوزيع المال العام، وذلك لدعم أطراف المنظومة السياسية، وبمجرد قراءة الأسماء التي وردت في التقرير يمكن ملاحظة تنوعها السياسي والحزبي، بما يعني أن سلامة وزع المال العام بما يرضي كافة اطراف المنظومة السياسية.
ويلفت يونس إلى أن التقرير جاء على تفنيد قيمة التحويلات لحساب شركة فوري، والتي سبق أن أشرنا اليها مراراً، وقد بلغت 333 مليون دولار، من ضمنها 111 مليون دولار غير شرعية، ولائحة بأسماء 23 شخصاً ومؤسسة وجمعية استفادوا من دون أي حق بدعم مالي يفوق 100 ألف دولار، بين العام 2015، و2020.
ويشير يونس إلى أن هناك جهودا دولية لمحاصرة منظومة الحكم في لبنان، بطرفيها "المافيا" و"المليشيا"، ولا يمكن قراءة العقوبات الأخيرة، إلا بهذا الإطار، خصوصاً أنها خرجت بالتنسيق مع بريطانيا وكندا، وهناك كلام بدأ يثار بأن الباب مفتوح أمام سلامة، للتعاون مع الاميركيين، بهدف الكشف عن معلومات إضافية تتصل بالمنظومة، أي أنه لم يقفل عليه، وذلك ليس في إطار الاستخدام السياسي للعقوبات، بل محاصرة المنظومة، التي من الواضح أنها ترفض تحمّل المسؤولية بأي من ارتكاباتها سواء حول مسؤوليتها بالانهيار أو انفجار مرفأ بيروت أو غيرها من القضايا، عدا عن مسؤوليتها في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، وإصلاحات صندوق النقد الدولي.
ويضيف يونس "هذا الكلام بات متداولاً دولياً ولم يعد سرّاً أن الأطراف الدولية وحتى العربية لديها رغبة كبيرة في محاصرة المنظومة، وذلك بدا واضحاً في اجتماع الدوحة، العاصمة القطرية الأخير، الذي ضمّ الدول الخمس، أميركا، فرنسا، قطر، مصر، المملكة العربية السعودية، وخصص لبحث الملف اللبناني، ولا سيما الرئاسي، حيث تم تداول أفكار حول عقوبات قد تفرض على المسؤولين اللبنانيين، لكن طلب بعض الأطراف تأجيل الموضوع خصوصاً لما بعد زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى بيروت، الشهر المقبل، والذي يحاول إحداث خرق ما في جدار المنظومة".
ويلفت يونس إلى أن الأمور ستتضح أكثر في الشهر المقبل، سواء بشأن التعاطي مع سلامة أو باقي المسؤولين في البلد، إذ سيختلف التعاطي في حال حصل خرق حقيقي على صعيد الاستحقاقات الدستورية والاقتصادية والسياسية، أو لم يحصل، وفي الحالة الثانية، سنرى اتساع محاولات تضييق الخناق ومحاصرة المنظومة على المستويين العربي والدولي.
وفرضت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا عقوبات على حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، ونجله، ندي رياض سلامة، وشقيقه رجا، ومساعدته ماريان الحويك، وصديقته أنا كوزاكوفا، الذين ساعدو سلامة في إخفاء وتسهيل النشاط الفاسد، بحسب تعبير وزارة الخزانة الأميركية.
وقال بيان للمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، إن "سلامة استغلّ منصبه كحاكم لمصرف لبنان للمشاركة في مجموعة متنوعة من مخططات الإثراء الذاتي غير المشروع بمساعدة أفراد أسرته وشركائه المقربين، فتجاهل بذلك القانون اللبناني وحصل على امتيازات لا تمنح للمواطنين العاديين، حتى فيما غرقت البلاد في الفوضى المالية أكثر فأكثر. وبذلك يكون سلامة والمتآمرون معه قد أبدوا مصالحهم وطموحاتهم المالية الشخصية على مصالح الشعب اللبناني وطموحاته".
وأشار إلى أنه "يتم اتخاذ هذا الإجراء بالتنسيق مع إجراءات مماثلة تتخذها كل من المملكة المتحدة وكندا، وهما شريكان وثيقان يشاركاننا رؤيتنا للبنان محكوم بما فيه صالح شعبه وخال من الفساد والممارسات غير الأخلاقية على يد نخب تسيء استخدام مناصب الامتياز".
وأكد أن "مصرف لبنان المركزي ليس مدرجاً على لائحة العقوبات ولا محظوراً بموجب الإجراء الذي يتم اتخاذه، وهو إجراء لا يستهدف إلا سلامة والأفراد الآخرين المذكورة أسماؤهم. نحن نعرف تمام المعرفة حقيقة الفساد المستشري الذي يثقل كاهل لبنان، ونبقى ملتزمين بالشعب اللبناني ونرحب بفرصة العمل مع الشركاء والحلفاء والمجتمع المدني وأفراد النخبة السياسية اللبنانية الراغبين في تقديم مصالح بلادهم على مصالحهم الشخصية".
وبحسب بيان الخزانة الأميركية فإنه "في أحد المخططات، استخدم سلامة بمساعدة شقيقه، رجا، شركة "فوري أسوسييت" وهي صورية مملوكة من قبل الأخير في جزر فيرجن البريطانية، لتحويل ما يقرب من 330 مليون دولار من المعاملات المتعلقة بمصرف لبنان. كجزء من هذا المخطط. وافق سلامة على عقد يسمح لشركة شقيقه بالحصول على عمولة على مشتريات الأدوات المالية من قبل بنوك التجزئة اللبنانية من مصرف لبنان، على الرغم من أن شركة رجا لم تقدم أي فائدة واضحة لهذه المعاملات وتجنب العقد تسمية فوري أسوسييت، أو مالكها".
ثم قام سلامة ورجا بتحويل هذه الأموال إلى حسابات بنكية بأسمائهما الخاصة أو أسماء شركات وهمية أخرى. وانضمت مساعدة سلامة الأساسية في مصرف لبنان، ماريان الحويك، إلى سلامة ورجا في هذا المشروع عن طريق تحويل مئات الملايين من الدولارات، أكثر بكثير من راتبها الرسمي في مصرف لبنان من حسابها المصرفي إلى حساب سلامة ورجا" وفق البيان.
تجدر الإشارة إلى أن سلامة، الذي خلفه نائبه الأول، وسيم منصوري، في ظلّ الشغور الرئاسي، ملاحق دولياً واوروبياً، وكذلك هناك ادعاء لبناني بحقه بيد أنه يرفض المثول أمام القضاء، وهناك تعذر لتبليغه الجلسات أصولاً، علماً أن هناك اتهامات للأجهزة الأمنية بالتواطؤ بهذا الموضوع، ولا سيما أن إقامة سلامة معروفة، وسبق أن اجرى أكثر من حديث صحافي.
ولم يمثل سلامة أمام الهيئة الاتهامية في بيروت لعدم تبلغه رسمياً موعد الجلسة فأرجئت إلى 29 أغسطس/آب الجاري، لإعادة تبليغه أصولاً.
وكانت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانة إسكندر، استأنفت قرار قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا القاضي بترك حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، وطلبت من الهيئة الاتهامية في بيروت توقيفه.
وخضع سلامة للاستجواب أمام القاضي أبو سمرا، بملف الادعاء اللبناني، بجرائم الرشوة والتزوير واستعمال المزوّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي، وتركه رهن التحقيقات من دون أن يصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه، بينما اكتفى بحجز جوازي سفره، اللبناني والفرنسي، وأصدر قراراً بمنعه من السفر.