استمع إلى الملخص
- المشروع يهدف لتنويع منافذ التصدير العراقية وتعزيز موقف العراق اقتصادياً في المنطقة، مع تأكيدات على أهميته الاستراتيجية في تغيير خريطة صناعة النفط وتوفير منافذ تصديرية جديدة.
- الجدل يستمر بين دعم الحكومة للمشروع لتحقيق مكاسب اقتصادية ومعارضة بعض النواب والفصائل المسلحة خشية من الفساد واستغلاله لصالح إسرائيل، مع تأكيد على الجدوى الاقتصادية والاستراتيجية.
خصصت موازنة العراق للعام الحالي 2024 مبلغاً يصل إلى 4.9 مليارات دولار لإنشاء أنبوب يمتد من البصرة في أقصى جنوبي العراق على مياه الخليج العربي، إلى مدينة حديثة، الواقعة أقصى غربي العراق ضمن محافظة الأنبار الحدودية مع الأردن وسورية، وهو ما يعني عودة الحياة إلى مشروع العراق ـ الأردن الذي يشهد معارضة سياسية داخل بغداد منذ سنوات، والقاضي بتصدير النفط العراقي عبر الأردن إلى العالم عبر البحر المتوسط، على اعتبار أن المشروع أساسا كان يرتبط بمد الأنبوب النفطي عبر مرحلتين، الأولى إلى حديثة، وهي الأطول، والثانية للدخول إلى الأراضي الأردنية المجاورة.
ويشهد المشروع منذ سنوات جدلاً بشأن الجدوى الاقتصادية، إلى جانب معارضة قوى وأطراف سياسية ومسلحة حليفة لطهران، بوصف المشروع أنه سيسمح بوصول النفط العراقي إلى الاحتلال الإسرائيلي، غير أن الطروحات التي قدمها اقتصاديون وخبراء نفط يؤكدون أن فتح منفذ تصدير ثالث للعراق غير مياه الخليج العربي وتركيا سيمنح العراق أفضلية على إيران والسعودية من ناحية تنوع التصدير، خاصة في أوقات التوترات العسكرية والسياسية بالشرق الأوسط.
مستشار وزارة النفط العراقية أحمد العمر قال لـ"العربي الجديد"، إن وصول الأنبوب إلى حديثة، غربي العراق، يعني إمكانية أن ينقل العراق نفطه ليس عبر الأراضي الأردنية ثم العقبة فقط، بل أيضا عبر ميناء بانياس السوري. وأضاف العمر أن "المشروع سيغير خريطة صناعة النفط وإنتاجه في المنطقة ويمنح العراق أفضلية كبيرة على الجيران النفطيين الآخرين". وبإقرار المبلغ المخصص لبدء المشروع، وفقا للعمر، فإن الحكومة ستبدأ بالعمل على مرحلة التنفيذ، مؤكدا أن شركات عراقية ستتولى العمل به، والأنبوب سينفذ من خلال وزارة الصناعة العراقية أيضا.
مشروع استراتيجي
مدير عام شركة المشاريع النفطية علي وارد حمود قال في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "مشروع أنبوب النفط بصرة ـ حديثة يعتبر من أهم المشاريع الاستراتيجية لحركة النفط في العراق، وهو يعزز الاقتصاد من خلال تمكين البلد من تصدير النفط عبر منافذ جديدة".
وأضاف أن "النفط المنتج من الحقول الجنوبية يتم تصديره من خلال موانئنا ونقاط التحميل المطلة على الخليج، وهو المنفذ الوحيد لمعظم النفط العراقي حاليا، ومع وجود التحديات الجيوسياسية في المنطقة، فقد أخذت وزارة النفط على عاتقها تنويع منافذ التصدير، حيث أعدت خلال العقد الماضي دراسة لمنظومة التصدير الشمالية مستعينة بأهم الشركات الاستشارية العالمية ووضع الخطط المناسبة لتطوير منافذ تصدير جديدة بما يخدم التوسع الحاصل في إنتاج النفط في البلاد من خلال جولات التراخيص التي تطرحها الوزارة".
وتابع أن "أنبوب بصرة ـ حديثة يندرج ضمن هذا التوجه، ويبلغ حجم الأنبوب 56 عقدة، وبطاقة تؤمن تصدير مليونين و250 ألف برميل يومياً، وسيتم تصنيعه بأياد عراقية، وسيصنع الجزء الأكبر منه من قبل شركة الحديد والصلب التابعة لوزارة الصناعة، وهو يوفر منافذ تصديرية جديدة للنفط العراقي إلى دول أوروبا وأميركا الشمالية، تماشيا مع مشروع طريق التنمية وسعي الحكومة لجعله ممرا للطاقة العالمية، بالإضافة إلى دوره في نقل البضائع بين الشرق والغرب".
وأكد أن "هنالك نية لربط الأنبوب مستقبلا بميناء طرطوس على البحر المتوسط، بعد تحقق الظروف الأمنية المناسبة في سورية، عن طريق أنبوب ينشأ لهذا الغرض ويربط مستودع حديثة بميناء طرطوس"، وفقا لقوله.
العراق نحو أسواق جديدة
وبحسب مصادر سياسية عراقية، فإن بداية المشروع كانت عام 1983، حين اتفق الجانبان العراقي والأردني على مد أنبوب من البصرة إلى ميناء العقبة على البحر الأحمر، مروراً بالأراضي الأردنية. وقتها، طالب الجانبان بضمانات من قبل الولايات المتحدة حتى لا تستهدف إسرائيل الأنبوب.
وتذكر المصادر لـ"العربي الجديد"، أن حكومة محمد شياع السوداني تسعى إلى البدء بالمشروع في أقرب وقت، لأن الأنبوب يمثل نوعا جديدا من منافذ تصدير الطاقة العراقية، وتحديداً النفط، كما أنه يقدم فرصة وصول النفط العراقي لأسواق جديدة في أوروبا، فضلاً عن مكاسب اقتصادية وعوائد مالية مستدامة ومتنوعة، بالإضافة للمشاركة والاستثمار في قطاعات تصنيعية دولية.
وبالرغم من تضمين الموازنة المالية للعراق للعام الجاري مشروع خط الأنبوب الجديد بمبلغ يقدر بحوالي 6.5 مليارات دينار عراقي (4.9 مليارات دولار)، إلا أن نوابا عن محافظة البصرة، بالإضافة إلى فصائل مسلحة عراقية، أكدت أنها ستعرقل المشروع. وبيَّن عضو مجلس النواب العراقي هادي السلامي أن "الغريب في هذا المشروع أنه كان مرفوضاً من أغلب الأحزاب العراقية خلال فترة حكومة مصطفى الكاظمي (السابقة)، لكن الأحزاب ذاتها توافق حالياً عليه، ولا نعرف ما الأسباب، ولا سيما أن المعلومات شحيحة عنه، ولا نعرف أسباب التكتم الحكومي عليه".
ويوضح السلامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ساسة ونوابا في العراق ليست لديهم معلومات كافية عن مشروع الأنبوب، ونحن نطالب بمعرفة الجدوى الاقتصادية للمشروع من وجهة نظر الحكومة". ولفت الاستشاري في اقتصاد النقل الدولي زياد الهاشمي إلى أن "مشروع أنبوب البصرة ــ العقبة يعد مشروعا استراتيجيا لرفع مستوى التعاون بين العراق والأردن ومصر، وتعزيز مستوى العلاقات البينية سواء السياسية أو الأمنية والاقتصادية، وأن مرور أنبوب النفط من خلال دولة إقليمية مثل الأردن، لن تستغل هذا الأنبوب للضغط على العراق مستقبلاً، وهذا ما يضمن انسيابية تدفقات النفوط العراقية دون عراقيل".
ويستكمل الهاشمي حديثه مع "العربي الجديد"، بالقول إن "المشروع يُثير المخاوف من استغلال الخط في رفد الكيان الإسرائيلي بالنفط العراقي تلبية لمتطلبات أو ضغوطات غربية مفترضة".
وأضاف الهاشمي أن "من الإشكاليات التي قد تواجه المشروع، هو الرفض من قبل بعض الدول المحورية الإقليمية لإعاقة محاولات العراق لتنويع منافذ تصدير النفط العراقي نحو الغرب، بالإضافة إلى الضغوط الأمنية والمشاكل في الاستقرار التي ما زالت تشكل عقبة أمام إنجاز ونجاح أي مشروع عراقي، ناهيك عن احتمالات فتح منافذ جديدة للفساد داخل العراق وخارجه بسبب كلف الإنشاء العالية".
بدوره، اعتبر الخبير النفطي كوفند شيرواني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مشروع أنبوب النفط بصرة ــ حديثة يندرج في إطار المرحلة الأولى من مشروع يمتد إلى ميناء العقبة في البحر المتوسط، ما سيوفر منفذاً تصديرياً جديداً للعراق".
وتابع أنه "نعتقد أيضاً أن من الضروري إعادة إحياء خط كركوك – جيهان الذي كان ينقل ما يصل إلى 400 ألف برميل يومياً، بالإضافة إلى إمكانية استثمارية في نقل نفط نينوى وصلاح الدين وبطاقة من الممكن أن تصل إلى مليون برميل يومياً، وهو ما يوفر منافذ تصديرية مهمة للعراق".